مايسة سلامة الناجي، قرأت مقالا لك عن التحرش والعري، وقرأت تعليقا تقولين فيه بأن حسادك كلما قرؤوا لك مقالا حقق إجماعا حول أفكاره "جاهوم السعر"، وأنا إذ أكتب إليك اليوم فلربما قد أكون من حسادك، والحسد في حالتك أمر محمود، فكل كاتب مهما علا شأنه أو تواضع إلا ويرغب في أن يكون له جحافل من القراء تتابعه وتعلق عليه، وافقته أم لم توافقه. ستسمحين لي أن أختلف معك "حبتين" ولعل في الاختلاف رحمة كما يقول سادة مرجعيتك، لكن دعيني بداية أؤكد لك بأنني لا أتفق مع أولائك الذين ينتقدونك بالسب والشتم، رغم أنك تكيلين لهم من السب والتقريع ما ينم عن جهل عميق بما تحاولين مقاربته. أتذكر جيدا أنك في إحدى المقابلات الإذاعية لما سألت عن حفظك للقرآن، أجبت بأنك لا تحفظين الشيء اليسير وأنك تعودين للكتاب كلما أردت الاستدلال، فهل تدركين آنستي أن أولائك الذين جعلتهم محط نقدك وأهداف سهامك أغلبهم يحفظ القرآن ولهم عمق معرفة بالفقه ومسارات الاجتهاد الاسلامي. أحدثك عن هذا الأمر، في أخوية عالية، وأنا متيقن أن صدرك سيكون رحبا إذا ما ابتعدنا قليلا عن العلمانية التي تهاجمين ووجهنا دفة نقاشنا في إطار الدين والاسلام الذي عنه تنافحين. إذا كنت آنستي لا تحفظين من القرآن إلا الشيء اليسير، فبكل تأكيد فأنت لا تعرفين عن تاريخ الوقائع والأحداث إلا القليل، وربما لا تعرفين عن فقه الواقع وما اختلف فيه الفقهاء بعد نبي الاسلام شيئا، وربما وأنت تنتشين بعدد متابعيك والذين يوافقونك على آرائك لا تقرئين تعليقاتهم ولا تلاحظين نوع التأييد الذي تتلقين، بالله عليك كيف تقبلين أن يقال لك في تعليق :"ميساء امرأة بألف رجل"، ولم أسمع في تاريخ الاسلام أن امرأة حين الحديث عنها قيل بأنها "بألف رجل" فالشهامة والعلم والمعرفة لا جنس لهما، وهذا تنقيص من قدرك وليس رفعا لشأنه كما قد يعتقد كتاب التعاليق(محبوك). لكن دعينا من هذا الآن، خصوصا إذا كنت أعتبر شخصيا بأن عدد القراء أو مسجلي الاعجاب لا يشكل تقييما موضوعيا للموضوع، ويكفي أن تتابعي حجم مشاهدة فيديو تافه لنجم مشهور وكم يحشد من المشاهدات والإعجابات، أقول تافه وأنا أقدر أن متابعيه لا يؤمنون بذلك ولهذا أترك لهم حرية التقييم وأمارسه فقط وأنا أؤكد بأنني أنطلق من وجهة نظري لا أكثر، وفي هذا أحيلك على فيديو الغانغام ستايل الذي شاهده عبر العالم (مليار وثمانمئة واثنا عشر مليون وثلاثمئة وأربع وتسعون ألف وأربعمئة و ثمانية وثمانون). آنستي الكريمة، لاحظتِ وأنت تتحدثين عن التحرش بأن القانون المرتقب-في نظرك-ترك الأسباب وتحدث عن النتائج، والأسباب في نظرك هي عدم التمسك بالدين والتقيد بلباس-شرعي-بالنسبة للنساء، وبهذا فأنت تحملين كامل المسؤولية لبنات جنسك. لا أعرف إن كنت اطلعت على بعض البحوث الجامعية-والمكتبة المغربية تزخر بالكثير منها-والتي تؤكد على أن التحرش الجنسي لا ينتقي ولا يستثني، فكل النساء كن ولا زلن عرضة له، المتحجبة وغير المتحجبة، المتزوجة وغير المتزوجة، المرافقة لأبنائها وزوجها، أو السائرة في الطريق لوحدها. إن التحرش الجنسي مرض عضال أصيبت به دولنا المتخلفة، ويكفي أن ترجعي إلى الدول التي تعرف فيها هذه الظاهرة ترددا كبيرا لتعرفي أن الأمر لا يتعلق بالإسلام ولا باللباس الذي أراك ترتقين به إلى مرتبة ركن من أركان الاسلام، فأفغانستان واحدة من الدول النموذجية بالنسبة ل"لاسلام السياسي"، أما مصر فالأرقام مهولة وصادمة ولا علاقة لها بنوع اللباس ولا وضعية المرأة. دعينا نتحدث عن الاسلام قليلا، هل تعتقدين بأن الدين الذي ترك الحرية للناس في الإيمان به من عدمه سيفرض لباسا معينا على كل النساء التقيد به، ولماذا النساء تحديدا؟، يجب أن تعلمي آنستي أن آية الحجاب أسالت الكثير من المداد، واختلف حولها جهابذة الفقهاء والعلماء، فلماذا آراك وأنت التي تؤكدين بأنك لا تحفظين من القرآن أيسره تحسمين النقاش وترتكنين إلى وجهة نظر تريدين جعلها قاعدة حكم لدولة سياسية. لماذا في نظرك سيحتوي القرآن على آية توجه الأمر بغض البصر مثل: "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم"، إذا كان الاسلام قد وضع لباسا محددا للمرأة لا يرى منها شيء لكي يكون مجالا للنظر. لماذا سيقول نبي الاسلام في نظرك قولا مثل :"ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء" إذا كان سيحمل كل المسؤولية للنساء، وليس للرجال نصيب في اتقاء الفتنة. من حقك أن تختاري عدم الكتابة عن الأمراض الحقيقية لهذا المجتمع، وجعل الاسلام ذلك الحلم الذي يمكنه القضاء على كل تلك الأمراض، ولكن من الصعب جدا أن نستبلد القراء ونغفل كل الجوانب التي تعبر عن حقيقة موضوع معين، ونكتفي بصياغة الحلم لهم على هيئة وردية. من حقك أن تكتبي عن أي موضوع بالطريقة التي تشائين، لكن من شيم الكتاب الذين يحترمون قراءهم أن يستقوا لهم المعلومات من جميع المصادر العلمية التي تجيب على موضوعهم، ولعل القارئ عندما يستكين إلى حقيقة ما تكتبين يريد أن يجنب نفسه البحث، لأن في البحث اعتراف بأمراض هذا المجتمع وعادة ما يفضل الناس التخفي وراء المساحيق. في الأخير أود أن أشير بأنك عندما تؤكدين على أن الاسلام دين الدولة انطلاقا من الدستور فأعتقد أنك تخالفين الاسلام نفسه بالطريقة التي تروجين له وتجعلين نفسك "داعية" له، فالاسلام الذي تجعلينه مرجعك(وهنا لا أتحدث عن إسلام يخالفك تبناه البعض) لا يقبل بدستور غير القرآن، وأنت تنطلقين من دستور وضعي لكي تؤكدي على أن الدولة عليها أن تكون صارمة في "تنزيل الدين"، هذا الدستور الذي تنطلقين منه يؤكد في فصول منه على الحريات الفردية والجماعية، فهل نأخذ من الدستور إسلامية الدولة ونرمي بعرض الحائط كل تلك الفصول التي تواترت بعدها. عموما، تحتاجين إلى تعميق معارفك بعيدا عن تلك الهتافات والمفرقعات التي علموك، فالاسلام لم يكن أبدا حلولا جاهزة ويقينيات قطعية، يكفي أن تحملي شعار "الاسلام هو الحل" حتى تجدي الحلول لكل الاشكالات، وكأني بك تلوين عنق كل الاشكالات لكي تنحشر في قالبك الجاهز.