رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مجلس الأمن.. بلينكن يشيد بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    جرسيف .. نجاح كبير للنسخة الرابعة للألعاب الوطنية للمجندين    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    زاكورة تحتضن الدورة الثامنة لملتقى درعة للمسرح    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك        بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    روسيا تمنع دخول شحنة طماطم مغربية بسبب "أمراض فيروسية خطيرة"    نادي المغرب التطواني يقيل المدرب عزيز العامري من مهامه    اتهامات "بالتحرش باللاعبات".. صن داونز يعلن بدء التحقيق مع مدربه    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    دشنه أخنوش قبل سنة.. أكبر مرآب للسيارات في أكادير كلف 9 ملايير سنتيم لا يشتغل ومتروك للإهمال    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    "التقدم والاشتراكية": الحكومة تسعى لترسيخ التطبيع مع تضارب المصالح والفضاء الانتخابي خاضع لسلطة المال    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تثمينا لروح اتفاق الصخيرات الذي رعته المملكة قبل تسع سنوات    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    قضايا المغرب الكبير وأفريقيا: المغرب بين البناء والتقدم.. والجزائر حبيسة سياسات عدائية عقيمة    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    دورية جزائرية تدخل الأراضي الموريتانية دون إشعار السلطات ومنقبون ينددون    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    ترامب يهدد باستعادة السيطرة على قناة بنما على خلفية النفوذ الاقتصادي المتنامي للصين    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    السعودية .. ضبط 20 ألفا و159 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    المغرب أتلتيك تطوان يتخذ قرارات هامة عقب سلسلة النتائج السلبية    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    سابينتو يكشف سبب مغادرة الرجاء    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025        مؤتمر "الترجمة والذكاء الاصطناعي"    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المفكر الأنتروبولوجي مالك شبل ل«الاتحاد الاشتراكي» : الساسة الذين يعتقدون أن التصوف هو الحل سيدفعون ثمن ذلك، وسندفعه معهم
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 05 - 03 - 2010

مالك شبل، باحث أنتروبولوجي من أشرس المدافعين عن الإسلام التنويري في فرنسا. صدرت له مجموعة من الكتابات التي خلفت ردود فعل متباينة، مثل «بيان من أجل اسلام التنوير». «سبعة وعشرون مقترحاً لاصلاح الاسلام»، «الاسلام والعقل»، «معركة الأفكار »، «الاسلام مشروحا من قبل مالك شبل»، «قاموس محب للإسلام». وقد دأب، من خلال كتاباته، على مواجهة الغرب بحقيقة أن الاسلام دين كبير.
مالك شبل من مواليد مدينة سكيكدة عام 1953 ، درس بالجزائر قبل أن يزاول دراسته بباريس، وهو مختص في الفلسفة وانتروبولوجيا الديانات،
كما سبق له أن درّس في عدة جامعات عبر العالم..
هناك الآن صراع بين المغرب والجزائر حول زعامة الزوايا، خصوصا الطريقة التيجانية والطريقة القادرية، وهذا يحدث في ضوء اعتقاد المسؤولين في البلدين أن الحل لمواجهة التطرف هو التصوف. هل تعتقدون أن الرد الطبيعي على معانقة السباب للتطرف الديني هو اللجوء إلى الزوايا؟
الأمر معقد جدا، ولا يمكن تقديم الإجابة شاملة في رد واحد. أنا أرى أن الصوفية قد تكون حلا جزئيا للمشكل الوجودي لإسلام اليوم على المستوى المغاربي. أما إذا كان الساسة يعتقدون أن التصوف هو الحل للمشكل في شموليته، فإنهم مخطئون، وسيدفعون ثمن ذلك لاحقا، وسندفعه معهم نحن أيضا، لأن الصوفية ليست عقيدة ولا سلطة ولا شريعة، بل هي طائفة أو مجموعة من المسلمين لهم علاقة بشيخهم. بالنسبة لي الصوفية ليست هي الإسلام، بل هي واحدة من تطبيقات الإسلام.
مشروعك الفكري يقوم على نوع من التأويل للإسلام، وكذلك يبحث عن إسلام مستنير أو تقدمي، أو ما تسميه أنت الإسلام الحقيقي. ألا تعتقدون أن هذه الفكرة مجرد توهم، أو إذا شئنا الدقة، فكرة ميتافيزيقية إلى حد ما؟
لا أعتقد ذلك، ومع ذلك فأنت على صواب، إذ على امتداد عدة قرون، ترسخت في أذهاننا فكرة أن الإسلام ليس دين تقدم، والحال أننا بحاجة إلى إسلام تنوير، لا إلى إسلام تكفير. ينبغي أن نميز بين الإسلام كدين (له أصل واحد) وبين الأصولية المتعصبة كأيديولوجيا سياسية تستخدم الدين لأغراض سياسية.
لكنك، في كل كتاباتك، تطارد جوهرا واحدا للإسلام، بينما النص القرآني، وهو النص التأسيسي الأول، نص يحتمل قراءات متعددة، كما أنك باحث أنتروبولوجي، وتعرف جيدا أن هناك «إسلاما إناسيا» يسمح بالتعدد مادامت مجتمعات الإسلام متباينة.
أتفق معك في هذه النقطة، وهذا بالضبط ما أقوله.
لكنك، رغم ذلك، تريد تقديم قراءة واحدة للإسلام، بدعوى أن هذا الإسلام هو الإسلام الحقيقي والتقدمي، في حين أن تاريخ الإسلام يقدم قراءات أخرى مخالفة..
لقد مر على ظهور الإسلام أربعة عشر قرنا ونصف، عشرة قرون منها ظل خلالها ثوريا وتقدميا، ومنها سبعة قرون في الأندلس. إنه دين كبير ذو تراث حضاري عريق وليس دين عنف وتفجيرات وقنابل. كما العامل الذي سمح للإسلام أن يكون تقدميا، آنذاك، ليس هو العالم العربي، وليس الأمازيغ ولا المسيحيون، ولا حتى الإسبان، بل الإسلام نفسه.
لقد سمح الاسلام بإنشاء حضارة ضخمة في الماضي، وهذا يعني انه ليس هو سبب التخلف الحالي، كما يزعم بعضهم. وانما الفهم الخاطئ له هو السبب. وينبغي التفريق بين الاسلام من جهة، والتأويلات التي قد تشيع عنه في هذا العصر أو ذاك من جهة أخرى. ففي العصر الذهبي شاع تأويل منفتح عقلاني، متفاعل مع الحضارات الأخرى.
أنت إذن تتحدث عن فهم معين للإسلام؟
أتحدث عن إسلام التسامح والانفتاح واحترام الآخر، عن إسلام يفتخر بنفسه ولا يخجل من ممارسة شعائره. واليوم ثمة أوجه أخرى للإسلام، من خلال بعض الدراسات، تبدو كلها تقدمية، لكنها تسعى لتنحية الإسلام، كما عاينت ذلك في فرنسا وفي مناطق أخرى من أوربا وباقي مناطق العالم. يريدون إسلاما تقدميا، لكن عندما تتحدث إليهم تجد أنهم يريدون تنحية الإسلام بشكل كامل.
لقد اطلعتُ على كتاب ‹«لم نقرأ القرآن بعد» ليوسف الصديق، وهو كتاب يتحدث عن الأصول الإغريقية للإسلام. مارأيك؟
هذا غير جدي، هناك أشخاص يريدون البحث في الأصول اليهودية والإغريقية للإسلام. في حين أن الإسلام يقول لهم ابحثوا أولا في الأصول العربية، وفي الأصول اللغوية العربية. لكن لماذا يتم التوجه إلى الإغريق. هل لأن الإغريق أنتجوا الحضارة الغربية يجعلهم يقفون وراء بناء الحضارة الإسلامية؟
لكن مفكرا مثل عبد الله العروي في كتابه «السنة والإصلاح» يرفض أن يعتبر الإسلام بداية مطلقة، ويعود به إلى المرحلة الهلستينية، بل إنه يتحدث عن عالم تمازجت فيه المواريث اليونانية والرومانية والسامية (اليهودية والمسيحية)..
لا مشكل في ذلك، هنا نتحدث عن الإلهام، فكل حضارة ترتبط بباقي الحضارات. وهنا نتحدث عن الحضارات وليس الديانات، فالأمر لا ينطبق عليها.
أليست الديانات جزءا من الحضارات؟
بلى، فالحضارة الإسلامية كلها قائمة على الدين، وبالأخص على القرآن. لكن دعنى أسأل: لماذ لم يقل المفكرون في ذلك الوقت، قبل قدوم الرسول، إنه سيكون ثمة دين الإسلام؟ لماذا فوجئ الإغريق والعبريون والبيزنطيون بقدوم الإسلام؟ إن هذا يثبت أنه ليس ثمة رابط بين الإسلام وتلك الحضارات القديمة، لأنها كانت متصادمة.
لكن، مع ذلك، في تلك الفترة لم يكن مثيرا للدهشة أن يظهر أنبياء. إذ ظهر بعض المتنبئين قبيل الإسلام. كما كانت هناك الديانة اليهودية والنصرانية، ثم الحنيفية التي كان لها أتباع بين العرب، ولعل هذا يظهر، على سبيل المثال، في كتابات أمية بن أبي الصلت..
لكن هذه المقدمات عرفناها من بعد، ولم تكن معروفة مسبقا. ولم يكن ثمة يهودي أو بيزنطي أو بوذي يقول إنه سيأتي دين يحمل اسم الإسلام. فبمراجعتنا للتاريخ أدركنا أنه كان ثمة منطق. كانت بيزنطة على شفير الانهيار، وكان المسيحيون يعيشون في صراع في ما بينهم..
لهذا ربما توجه مجموعة من الانتقادات إلى مشروعك، وترى أن مالك شابل يقدم قراءة إبستيمولوجية للإسلام وليست قراءة تاريخية. إنهم يجعلون مشروعك خارج التاريخ..
مع ذلك فإن جميع الأدلة التي اعتمد عليها لا تشكل قطيعة مع الأدلة التاريخية. والأشخاص الذين يعتقدون أنني أقدم قراءة إبستيمولوجية للنص لا يقدمون دليلا واحدا واضحا على ما يدعون، أريد فقط دليلا واحدا على أنني أقدم دينا مصطنعا أو نظريا. وقوة عملي تعتمد بالأخص على ما هو واقعي.
توجه إليك انتقادات أخرى تفيد بأن مشروعك يقدم إسلام المتعة، الجسد، الحب والجواري...
الذين يقولون هذا الكلام لم يطلعوا على كتاباتي ومساري. لقد كتبت لمدة ثلاثين عاما، ومررت بمراحل. بدايتي كانت في مجال الطب والتحليل النفسي، وقدمت أطروحتي لنيل الدكتوراه حول «طابو العذرية»، وهو الموضوع الذي بدأ يكتشفه العالم في السنوات الأخيرة، في حين أنني تناولته كتابة قبل ثلاثين عاما. وبعد ذلك وجهت اهتمامي إلى الجسد، حتى قبل أن ينشغل العالم الأوربي بمسألة الجسد، فبالأحرى العالم العربي. لكن حينها كان ثمة بعض الاهتمام بالموضوع في الولايات المتحدة. أما اليوم فنجد أمامنا عددا لا حصر له من المجلات والدوريات المتخصصة في مسائل الجسد والتجميل. ومع ذلك، فأنا كتبت عن الجسد، العذرية، المرأة... قبل ثلاثين عاما. بعد ذلك، اهتممت بالأنتروبولوجيا والسوسيولوجيا والعلوم السياسية، حيث حصلت على دكتوراه في العلوم السياسية حول موضوع الهوية السياسية. ولم يقل أي أحد لماذا اهتم مالك شابل بموضوع الهوية السياسية، وهو موضوع مجرد ولا علاقة له بالملاهي والجواري والغلمان. إنني في كل ذلك أسعى لتسليط الضوء على مسألة الحرية الفردية، وعلى تلك المواضيع التي تجمع بين المحرمات والممكنات التي تقدمها الديمقراطية.
هذا هو مشروعي التاريخي والفلسفي، وليس فقط الجنس هو ما أسعى للحديث عنه، إذ يظل عاملا ثانويا. لقد عالجت العديد من المواضيع التي لم تتطرق إلى الجنس، لكن قليلا من الناس تحدثوا عنها، فالواضح أن اهتمام القراء يتجه نحو ما يمتعهم أكثر، كالنساء، والجنس...
لماذا الاهتمام الآن بكتاب الليالي، وما علاقته بالإسلام والهوية؟
إنها الاستمرارية.. وفي ما بعد سأهتم بشيء آخر. أما عن اهتمامي بكتاب بألف ليلة وليلة فهذا نابع من اعتقادي بأننا لم نفهم مغزاها إلى يومنا هذا.
هذا رغم وجود دراسات كتلك التي قام بها جمال الدين بنشيخ وأندري ميغيل وآخرون؟
جمال الدين بن الشيخ وأندري ميغيل، من بين الأشخاص الذين احترمهم كثيرا. لكنهما لم يتناولا الموضوع كما فعلت. فهما شاعران ومن رجال الأدب. أما أنا فمقاربتي، كانت أنثروبولوجية، اعتمد على التحليل النفسي وعلاقة ذلك بالعلوم السياسية. إننا نختلف في زاوية المعالجة. فنحن نلاحظ أن كتاب ‹الليالي› يمتد خارج النطاق العربي، وأنا هنا نتحدث عن أنثروبولجيين غربيين. وعلينا أن ندرك أن ثمة صراعا إيديولوجيا كبيرا في المعالجة التي قدمتها للموضوع، لأنني إذا ما كنت قد ركزت اهتمامي، في الدراسات التي قدمتها، على الجسد والجنس و المرأة والرجل والفرد و السياسة، فإنني أقوم بذلك لأجعل الجميع يدرك أن الإسلام ليس ضد الديمقراطية.
لقد قرأت مؤخرا كتابا يتحدث عن قصص فارسية تجري أحداثها في بغداد، لماذا يقولون إنها فارسية، رغم أن الأمر يتعلق بألف ليلة وليلة؟ إنهم منزعجون لأن ألف ليلة وليلة كتبها العرب. وليس هناك مثل العرب يمكن أن يكتب ألف ليلة وليلة..
لقد كتب الفارسيون كليلة ودمنة..
نعم، لكن كليلة ودمنة تظل بعيدة في مفهومها عن كتاب الليالي. ورغم ذلك أنا لا أقول إن العرب هم الأفضل، وهم من أبدع كل شيء، فحتى الإغريق لم يبدعوا ما أنجزوه لوحدهم. ما أعجبني هو أنه الآن صدر كتاب يقول إن ألف ليلة وليلة قصص فارسية. لماذا؟ لأن الكاتب يريد أن يقول إن العرب لم يبدعوا أي شيء، وهذا الأمر ينطبق على مجالات السياسة، الأدب، الموسيقى، اللباس، الطبخ، وحتى على مستوى النقاش حول الجنس.
لقد بحثت كثيرا في موضوع ألف ليلة وليلة، واطلعت على كل ما كتب عنها. لقد انتهيت إلى أن ألف ليلة وليلة كتبته امرأة. إن ما يميزني عن باقي الباحثين في هذا الموضوع، ليس تفوقي عليهم، بل القدرة على فهم كل ما هو علمي والاشتغال عليه ثم تبليغه إلى أكبر عدد من الناس الذين يتابعوني ، لأنهم يدركون أنني جاد في ما أقوم به، والعمق الذي اعتمده في تحليلي. أنا لا أقوم بذلك من أجل الفلكلور أو الإمتاع، بل لأن ذلك هو الحقيقة، وسينتهي بهم المطاف إلى فهم الحجج التي أعرضها.
وألف ليلة وليلة إبداع قوي جدا، سواء في ما يتعلق بحرية التعبير، من قال إن العرب ليست لديهم حرية التعبير؟ من قال إن الشأن السياسي غير مطروح للنقاش لدى العرب؟ من قال إن النساء في مرتبة أقل في العالم العربي؟ هناك من يقول أيضا أن الإسلام ضد العلم! في ألف ليلة وليلة ثمة مناسبات عدة تتم فيها الإشادة بالعلم. يقولون أيضا إن الإسلام لا يسعى لمعرفة الآخر، في حين أن ثمة الكثير من الرحالة (سندباد البحري والكثيرون). وكل مناطق العالم الإسلامي تم عرضها في ألف ليلة وليلة على شكل برلمان، هناك سيكولوجية الأشخاص الآخرين، العبيد، الأتراك، المغاربة...
من خلال أبحاثك حول الجسد، هل تؤمن أن إعادة اكتشاف العرب للجسد مقدمة لتجاوز تلك المعاطب التي تعترضهم؟
لا تزال تلك المعاطب والمعيقات عديدة، لأننا لم نفهم أن الجنس فعل ثقافي مهم، لأن كل واحد، رجلا كان أم امرأة، يحصل على متعته، كما أنه يحظى بالتشجيع في القرآن والسنة. وعلم النكاح كما تدل على ذلك تسميته هو علم. ولقد تم تأليف الكثير من الكتب في هذا الصدد. ومن أجل بلوغ هذا المستوى من إنتاج كتب متخصصة في هذا العلم، لا بد أن تكون ثمة حضارة موجودة سلفا.
بالنسبة لي هذا مؤشر على الحضارة والتحضر، و لا ينبغي النظر إلى الأمر من منظور الفاحشة، لأن الأمر يتعلق بمتعة الرجل والمرأة التي ينتج عنها ميلاد جيل جديد..
ما نراه الآن من مظاهر النقاب والبرقع لم يعد أمرا هامشيا، إذ لم نكن قبل عشرين سنة نرى في المغرب بالشارع وداخل الجامعات، جحافل من المنقبات والملتحين. إن كان هذا رد فعل، فما هو الفعل الذي أثاره؟
إنه رد فعل وجودي، ربما هو هامشي في أوربا، لكنه يظل محوريا هنا في المغرب والعالم العربي. إنه مؤشر كباقي مؤشرات التطور. إنه مؤشر للحالة العقلية أو الفكرية لمجتمع ما في وقت ما.
قبل عشر سنوات، لم يكن هناك من يتحدث عن البرقع أو حتى الخمار. وقبل عشرين عاما، لم يكن ثمة حديث عن الإسلاموية، أي الإسلام السياسي. لكن أنظمتنا السياسية تركت الأمور تسير على هواها بسبب التأخر والعرقلة وغياب سياسة محركة على مستوى الحكومة والدولة. لكن لا يمكن ترك الطبيعة تسير لوحدها، بل ينبغي توجيهها.
هل هذا تعبير عن أزمة هوية، أو البحث عن الهوية في زمن الشك في وجودها ، بتعبير برهان غليون؟
هذا بالضبط هو واقع الحال. لقد خصصت كتابا كاملا لموضوع الهوية. لذلك فأنا أدرك أن الموضوع معقد وخطير للغاية، ولا يمكن أن نسعد الشباب بأن نوفر لهم سروال جينز أو وجبة ماكدونالد أو هاتفا محمولا ... هذا فقط على المستوى المادي، أما على المستوى الوجودي والإنساني، فهم في حاجة إلى أمور أخرى، منها ما هو رمزي، لكن بعيد عن الماديات على كل حال. والأمر معقد هنا، لأن الشباب يعرفون كيف يحللون الضعف. فالفتاة التي ترتدي النقاب تدرك أنها تثير ردة فعل لدى الآخرين.
فإذا تم اتخاذ قرار بالقضاء على الإرهاب، فلا بد من إدراك أن المسألة تتطلب العمل على المدى البعيد. وحينها يمكن تقويم الاعوجاج نوعا ما. وهناك أيضا ضرورة التواصل، نشر صورة الإسلام المعتدل، إسلام الأنوار، الإسلام الذي يحترم الآخر، إسلام العلم والمعرفة.
المشكل يكمن في عدم وجود قنوات للتواصل المباشر للإقناع بهذا الإسلام الذي تتحدث عنه، فهناك الإنترنت وباقي وسائط الاتصال. لذلك من الصعب القول إن نهج سياسة وطنية سيكون كافيا. لكن ماذا تقول بخصوص فتح باب الحوار مع السلفية الجهادية أو الإسلام السياسي. هل تعتقد أن هذا الحوار الذي باشرته مجموعة من الدول كالسعودية، مصر، ليبيا، المغرب... يكفي لكبح جماح تلك الحركات؟
هذا لا يمكن، لأن الحل يكمن في وضع برنامج شمولي من أجل تسوية المشكل الوجودي لدى الشباب، انطلاقا من التعليم. فالسلفية تعتمد في البداية على الأوضاع السيئة للشباب الذين يعتقدون أنهم يجدون الحل لدى تلك الحركات. ولا بد هنا من التأكيد على أن تظافر جهود الجميع يمكن أن يقدم الحل للشباب. أولا من خلال توفير التكوين المناسب، الذي يجعل الشباب يثق في أنه قادر على التفكير بنفسه وبلوغ مستوى المواطنة الناجحة والنقد الذاتي. وفي سنة 1953، كان ثمة شخص اسمه علال الفاسي وضع كتابا بعنوان «النقد الذاتي». ونحن الآن في سنة 2010، ولحد الآن، فكتاب علال الفاسي لا يزال موضوعا راهنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.