صبيحة سبت نهاية الأسبوع الماضي استضيف مالك شبل في معهد الدراسات العليا (HEM)، بالدار البيضاء، ليحاضر في موضوع مهم، جعل منه محورا رئيسا لكافة أعماله الأكاديمية، التي تكاد تبلغ السبعة وعشرين عملا حتى اليوم. الباحث الفرنسي، جزائري الأصل، حاضر في موضوع «إسلام الأنوار/ أنوار الإسلام» وقدم فيه رؤيته للأشياء كما يراها من منظور العارف المطلع، المعايش ليس لحقيقة واحدة، كما هم كثير ممن يتحدثون عن الإسلام، بل المعايش لحقائق كثيرة ومتنوعة عن الإسلام والمسلمين. الأمر الذي يعطيه سبق الدقة في معرفة ما هو متحدث عنه. مالك شبل يركز في أبحاثه على ذلك الإسلام المضيء، الذي أسيء إليه من قبل أهله قبل الغير إلى أن أصبح في صورة الدين المتطرف، المعزول، العاجز على أن يتكيف مع المفاهيم الجديدة والتحولات الحياتية. وقد نجح، حتى اليوم، في الكشف على العديد من الممارسات الإسلامية التي لم تشذ ألبتة عن الأخلاق ولا عن الدين خلافا لما صار عليه الوضع اليوم. ولعل المعاني التي تحيل عليها مختلف عناوينه خير دليل على أن الرجل يسكنه هم تبليغ رسالة أساسية مضمونها أن الإسلام ليس هو ما يعتقده المتطرفون. شبل، الذي سيصدر قريبا عملين كبيرين دفعة واحدة، الأول سيكون ترجمة جديدة للقرآن، والثاني سيكون قاموسا موسوعيا للقرآن، يرفض أن يستورد عالمنا العربي الإسلامي المفاهيم الجاهزة ويحاول تكييفها مع حقيقة لم تخضع للمسار الذي خضعت له مسارات تكون تلك المفاهيم في الغرب، ويُبقي على الأمل في أن تتغير العقليات وتتبدل الذهنيات في اتجاه التأسيس لممارسات إسلامية تعكس الوجه الحقيقي للإسلام السمح. ما نحتاج إليه، فضلا عن أشياء كثيرة أخرى، هو هذا الصنف من البحث الأكاديمي، الذي يروم تبيان المخفي من تاريخنا العربي الإسلامي وتقديمه وفق مقاربة لا تتعالى إلى التحليل المجرد، لأن هنالك حاجة إلى فهم الإسلام الحقيقي عند الغرب والمسلمين على حد السواء. فلو كان الغرب يعرف هذا الإسلام، لما ربط إدراكه له بالأزمات والمناسبات؛ ولو كان الجاهلون من العرب والمسلمين للإسلام يعرفون حقيقة الإسلام لما رأينا التطرف العنيف ينفجر بيننا، وينتشر كالفطر بين جنباتنا. حاجتنا ماسة إلى أن نعرف أن المسلمين خاضوا في قضايا جدالية لم نعد نتصور أننا قادرون عليها اليوم ونحن نلج الألفية الثالثة. حاجتنا ماسة إلى أن نعرف أن المسلم لم يكن مجرد فقيه ضالع في أصول الفقه والتفسير، بل كان عالما منفتحا على معارف تجمع بين الفقهي والفلسفي واللغوي... ولو كنا نعرف الإسلام الحقيقي لما تعدد علماء الإفتاء في كل مكان، ولما غلب صوت أمراء الدم على صوت العلماء الأكفاء، ولما خرج بيننا من يلوث وجه الأمة بفتاوى لا سند لها من قبيل فتوى إرضاع الكبير الشهيرة، ولما شاعت بيننا أسئلة الغباء في الدين على شاشات الفضائيات، ولما صار للدجالين شأن في أمتنا بينما بقي شأن المفكرين في الحضيض. إسلام الأنوار، كما يبحث فيه مالك شبل وغيره، ليس بالغريب عن فكرنا؛ بل هو من صميم هذا الفكر الذي أساء إليه فقهاء السياسة عبر التاريخ العربي الإسلامي قبل أن يأفل نجمه ويغط أصحابه في نوم الخمول ليستيقظوا على غرب خلع عنه ثوب التردد، وحرر عنان الاجتهاد، وشجع العقل، وآمن بالإنسان... أمثال مالك شبل يكتبون من داخل هذا الغرب الذي يبهرنا، فهم أدرى من غيرهم بحال أجيال أخرى من العرب والمسلمين ممن يتعايشون في حقيقة مركبة يتجاور فيها الإسلامي والمسيحي واليهودي... وأدرى من غيرهم بأن أطروحات المتطرفين لن تكون لها قيمة لو لم تكن بيئة الناس موبوءة، ولو لم يكن من يمارس الحجر على عقولهم باسم شعارات بالية عفا عنها الدهر. نحتاج، فعلا، إلى أن نقرأ فكر مسلمينا الأوائل، وأن نطلع على جدالاتهم، ونتعرف على ملامح ذلك الإسلام الآخذ في التواري خلف وهم اللحية والعمامة وهرولة المهرولين بالدين نحو المجهول.