لا يزال المعتقلان المغربيان، ناصر عبد اللطيف ويونس الشقوري، يقبعان وراء قضبان وأسيجة معتقل غوانتنامو الأمريكي المقام على الأرض الكوبيّة، أخطر وأسوء سج في التاريخ المعاصر، وذلك منذ قرابة 11 سنة ونصف من القبض عليهما للاشتباه في ضلوعهما بتفجيرات 11 شتنبر 2001 التي أذنت بحرب شعواء على ما أسماه جورج بوش الابن "الإرهاب" من داخل معاقله بأفغانستانوباكستان، كما تصورت الإدارة الأمريكية حينها. في يوليوز من العام الحالي، أصدرت وزارة العدل الأمريكية لائحة تحمل أسماء معتقلي غوانتانامو المقرر ترحيلهم أو متابعتهم أو إبقاءهم من دون محاكمة، وهي اللائحة التي اطلعت عليها هسبريس، وتمثل توصيات نهائية لفِرق عمل تابعة لوكالات الأمن القومي الأمريكي، تعتبر تجميعا لعدة تقارير صادرة بذلك الشأن منذ عام 2009، حيث أوصت بترحيل يونس الشقوري، بعد قضائه أزيد من 11 سنة ونصف داخل المعتقل، والاحتفاظ بعبد اللطيف ناصر، الذي قضى المدة ذاتها. ويعد المغرب واحدا من الدول 52 التي استفادت من تنقيل معتقليها من غوانتنامو، حيث بلغ عدد المرحّلين المغاربة إلى سجون المملكة 12 سجينا، من أصل 14، أولهم عبد الله تبارك، بتاريخ 1 يوليوز 2003، وآخرهم سعيد بوجعدية بتاريخ 30 أبريل 2008، في وقت تبقي الولاياتالمتحدةالأمريكية على كل من ناصر عبد اللطيف ويونس الشقوري، إلى جانب 164 آخرين، من أصل 779 شخصا تم احتجازهم لاشتباه علاقتهم بهجمات 11 شتنبر 2001، ضمنهم رمزي بن الشيبة و محمد الشيخ، أبرز مُدبري تلك الهجمات. وتحتج هيئات حقوقية أمريكية ودولية على تأخر الرئيس الأمريكي باراك أوباما، في الوفاء بوعد إغلاق المعتقل عاماً بعد توليه المنصب الرئاسي في يناير 2009، حيث كان هناك 240 معتقلا متبقيّا، ولم يتم ترحيل سوى 76 شخصا إلى بلدانهم من أجل إكمال مدة محكوميتهم، في وقت تطالب فيه وكالات الأمن القومي الأمريكي بالتسريع في أمر الترحيل بعد تحيين ومراجعة حالة كل معتقل وإصدار توصيات في شأنه. عبد اللطيف ناصر.. من بائع متجول إلى خطير يهدد أمن أمريكا بحلول 08 نونبر 2013، يكون عبد اللطيف ناصر قد قضى 11 سنة و6 أشهر بغوانتنامو، إذ تصنفه الولاياتالمتحدةالأمريكية من أخطر الأشخاص المُهدّدين لأمنها القومي ومصالحها ومصالح حلفائها، لكونه أحد أبرز وأنشط المقاتلين العرب ضمن تنظيم القاعدة وطالبان بأفغانستان، إذ استطاع في مدة زمنية لا تتجاوز 5 سنوات أن يرتقي في صفوف التنظيمَين ويلتقي في أكثر من مناسبة بالمبحوث عنه رقم 1 آنذاك أسامة بن لادن، وفقا لوثائق خاصة بالمعتقل نشرتها الإدارة الأمريكية، تنقل قصته واعترافه بجزء من أطوارها. تقول التقارير بأن عبد اللطيف ناصر، 48 سنة وابن الدار البيضاء، عضو نشيط داخل جماعة العدل والإحسان، درس الفيزياء والكيمياء لمدة سنتين بجامعة الحسن الثاني بالعاصمة الاقتصادية، إلى أن هاجر في عامه ال25، ملتحقا بأخيه عبد الواحد في ليبيا بالضبط سنة 1990، حيث استقر بطرابلس وبنغازي بائعا متجولا لعامين. حُلم العيش في إيطاليا يتحول إلى الجهاد في أفغانستان بعد رجوع أخيه إلى المغرب وفشل عبد اللطيف، الذي كان يلقب بأبي الحارث، في الحصول على تأشيرة السفر إلى إيطاليا، قرر ابن البيضاء العودة إلى المغرب قبل أن يرجع للعاصمة الليبية مجددا، ومنها إلى السودان عام 1993، وبالضبط الخرطوم، حيث انضم حينها إلى جماعة الدعوة والتبليغ، وبدأ في طلب العلم الشرعي بإحدى الجامعات الدينية هناك. بعد سنتين من مقامه بالسودان، اشتغل عبد اللطيف كمراقب وممثل لشركة "وادي العقيق" التابعة لأسامة بن لادن، وهي المناسبة التي ستكون باباً للقاء زعيم تنظيم القاعدة في أكثر من مناسبة، ليصبح حينها أحد المعجبين ببن لادن، ومتأثر افي ذلك بلقاءاته مع القيادي في الجماعة الليبية المقاتلة، عبد الحكيم الغافل، الذي دله على الطريق إلى القتال في الشيشان ضد الروس، مرورا باليمن، حيث مكث ل7 شهور دون أن يتمكن من تحقيق أمنيته في المرور إلى الشيشان. الالتحاق ببن لادن وخبرته في صناعة المتفجرات بداية 1997، التحق عبد اللطيف ببن لادن حين علمه بسفره إلى أفغانستان، عن طريق اليمن وسوريافباكستان، قصد الخضوع لسلسلة من التداريب في فنون القتال العسكري، حيث استقر به المقام في جلال آباد الباكستانية مقيما في مركز ليبي مخصص للوافدين الجدد من المجاهدين، قبل أن يلتحق بمركز خلدان للتدريب على القتال والجهاد التابع لطالبان، ومنها إلى مركز الفاروق عمر التابع لتنظيم القاعدة، تلقى داخله، ولمدة 3 اشهر، تدريبات عالية المستوى في المهارات القتالية والحروب بالجبال ودراسة الخرائط، وفنون التمويه، واستخدام المدفعية والألغام ورشاشات متطورة. خبرته في صناعة المتفجرات، خاصة الأحزمة الناسفة، عجلت بانتقاله عام 1998، (33 سنة)، إلى كابول، ملتحقا بالمجاهدين العرب تحت راية طالبان، محاربا ضد قوات التحالف الدولية ل3 سنوات، وهي الفترة التي لعب فيها دورا كبيرا في تدريب المقاتلين على المتفجرات، ليصبح بعدها أبرز قيادة تنظيم القاعدة في المجال. بعد هجوم أمريكا وحلفائها على أفغانستان، عقب تفجيرات 11 شتنبر 2001، انتقل عبد اللطيف إلى منطقة "باكرام" رفقة فرقة قتالية ضمت 12 عربيا.. بعد سقوط كابول في يد الأمريكان، سُمّيَ عبد اللطيف أميرا للمجاهدين العرب في الجبهة المشتعلة بالحرب، قبل أن يتراجع بكتيبته إلى جلال آباد وجبال تورا بورا متحصنا ضد الهجمات العسكرية الأمريكية الشرسة. الاعتقال هارباً إلى باكستان.. في 10 دجنبر 2001، قرر عبد اللطيف رفقة 52 مقاتل الولوج إلى باكستان عبر تورا بورا مشيًا على الأقدام عبر مسالك الجبال الوعرة، وخلال اليوم الثاني من الرحلة، قتلت طائرات نفاثة أمريكية، تعقبت كتيبة عبد اللطيف، 35 مقاتلا، فيما تمكن البقية من الفرار إلى قرية سليمان خال، بمن فيهم عبد اللطيف، قبل أن تلقي عليه قوات التحالف القبض في 15 دجنبر 2001، رفقة عدد من المقاتلين العرب، وأودعتهم جميعا بسجن كابول، ومن تم تهجيرهم إلى سجن قندهار الأمريكي في 21 يناير 2002. وتفيد الوثائق الخاصة بعبد اللطيف بأنه اعتقل وبحوزته رشاش رفيع الطراز (AK-47)، إضافة إلى محجوزات أخرى، مثل ضمادات، وحبوب وتعليمات لتناول بعض الأدوية، زيادة على قِطع من أوراق كتبت بالحروف الفارسية، موقعة بإسم حرم أبو بكر خان.. تَمّ ترحيل عبد اللطيف إلى غوانتانامو في 3 ماي 2002، حيث لا يزال معتقلا ومرغوبا في بقاءه لخطورته الأمنية على أمن أمريكا وحلفائها، وفقا لوثائق واشنطن. يونس الشقوري.. ابن آسفي مؤسس الجماعة الإسلامية المغربية المقاتلة لحُسنِ حظّ يونس، 45 سنة وأخ رضوان الشقوري الذي رحل من غوانتنامو في 31 يوليوز 2004، فإن المؤسسة العسكرية للمعتقل الأمريكي قررت ترحيله إلى بلده المغرب ضمن أجل غير معلن لحدّ الآن، بعد قضائه 11 سنة ونصف خلف قضبان غوانتنامو، رغم أن أمريكا لا زالت تراه خطرا يهدد أمنها ومصالحها. تبدأ قصة ابن آسفي، والملقب بمُحبّ الله المغربي، وكما ترويها الوثائق الصادرة عن إدارة واشنطن، عام 1990، حيث لم يكتب له التوفّق في دراسته العليا بجامعة أبي شعيب الدكالي بالجديدة، ليقرر على إثرها مغادرة المغرب صوب باكستان، للمساهمة في القتال ضمن صفوف ما كان يصطلح عليهم "المجاهدين العرب"، حيث عمل بداية كعامل إغاثة ضمن اللجنة الخيرية في العالم الاسلامي ببيشاور الباكستانية، ثم ضمن منظمة الإغاثة الاسلامية، ويلتحق بعدها بالجامعة الإسلامية بإسلام اباد، دارسا علوم الشريعة. وتضيف الوثائق المستندة على رواية يونس الشقوري، أنه هاجر في عمر 26 سنة، سنة 1996، إلى العاصمة السورية دمشق للعمل في التجارة، وطالبا العلم الشرعي بمسجد أبو النور إلى غاية 1999، حيث سيعود إلى أفغانستان، ويلتقي بالمغربي محمد الكربوزي، حيث تقول المستندات الأمريكية، أن الشقوري أسس رفقة الكربوزي "الجماعة الإسلامية المغربية المقاتلة"، كبديل عن تنظيم القاعدة وطالبان. عام 2000، سافر يونس الشقوري إلى سوريا مرة أخرى، عبر تركيا، من أجل تلقي العلوم الشرعية، على حد إفاداته، ثم بعدها قضايا لمناسك الحج بالسعودية، وليعود بعدها إلى أفغانستان في يوليوز 2001، إبان الغزو الأمريكي لها، حيث جند عددا من المقاتلين المغاربة والعرب للمقاومة، خصوصا في كابول التي سرعان ما سقطت في أيدي الأمريكان الحلفاء. تزامنا مع اشتداد الغزو الأمريكي على معاقل طالبان والقاعدة، توجه يونس رفقة أخيه رضوان وبعض المقاتلين العرب صوب جلال آباد ومنها إلى جبال تورا بورا الوعرة، قبل أن يفرّ رفقة 48 مقاتلا صوب باكستان مشياً على الأقدام للقاء زوجته، تاركاً خلفه أخاه رضوان، الذي ألقي عليه القبض لاحقا، لتعتقلهم القوات الباكستانية أواخر دجنبر 2001، في منطقة باراشينار، وبحوزته تذكرتَا طيران وجواز سفر مغربي بإسم المعطي المودع وحوالي 865 دولار أمريكي. أثناء ترحيل الموقوفين إلى إحدى سجون باكستان، أقدم بعضهم، بمن فيهم يونس الشقوري على افتعال أحداث شغب داخل الشاحنة التي تُقلّهم، ما أدى إلى انقلابها ومقتل عدد من الحراس وفرار يونس، قبل أن يعاد مجددا إلى الاعتقال، ويرحّل إلى قندهار في 1 يناير 2002، وبعدها إلى غوانتنامو في فاتح ماي من السنة ذاتها.