فجأة بتَّ تستطيع النظر في عيني. وما فتئ الصدق المتطاير منهما يزج بك في سجن الرعب. تحاول الإمساك بيدي للاطمئنان على عجزها، ودون سابق إنذار تلسعك هي بحركاتها الثملة والمتثاقلة... ترفض أن تصدق أنه بإمكان تلك الأصابع، بحركات بسيطة، أن ترسم كلمات ستغير منحى أيامك وأنه بإمكان تلك العينين أن تصرخ بحقيقة قد تلقي بك في غياهب بئر موحشة الظلمة (سجنك الأبدي). تأبى أن تصدق أن فتاة خرساء يمكنها أن تحكي القصة كاملة للعالم، وإخبارهم بما اقترفت يداك؛ لكن ما دامت الكلمات حرة طليقة وليست سجينة اللسان.. فلتصدق! ولتحص أيام براءتك على رؤوس الأصابع! تتسرب برودة السرير لتكسو عظامي، واللغط من حولي ينساب في دروب صمتي فأستيقظ منك. أنتبه إلى وجودهم ولا أقوى على إخبارهم؛ لقد رأيت كل شيء ليلتها! كمثيلاتها، جريمتك لم تكن كاملة.. وهذه المرة أنا السبب في ذلك، لأنني رأيت كل شيء. رأيت يديك الملطختين بأنفاسها.. رأيتها تختنق تحت الوسادة وأنا عاجزة عن تحريك الكرسي القابع أسفل مني أبدا، وكأن حركات موتها كانت تشل عجلات ذلك الكرسي اللعين. تباطئي نحوكما صار سريعا إلى درجة الغثيان، إلى درجة أنني لم أصل إلا بعد أن توقفت قدماها عن تلك الحركة المقاومة للموت، وتركتها يداك طريحة السرير دون حراك. ألقت بي الصدمة في هوة مظلمة، لم أستفق منها إلا وأنا طريحة الفراش في المستشفى، والناس من حولي يتبادلون كلمات تخبرني عن كذبتك التي صدقوها.