ربما لم يعش المغرب منذ انتخابات 2011 أزمة سياسية كالتي عشناها منذ قرار حزب الاستقلال الانسحاب من الحكومة، و هي الأزمة التي تسببت في تعطل العمل التشريعي، و السياسي، مما سبب بالتأكيد خسارة اقتصادية كبيرة تمت ترجمتها على أرض الواقع من خلال حالة الكساد الاقتصادي الذي دخل فيه المغرب منذ عدة أشهر، التي انعكست على القدرة الشرائية للمواطنين، و بدل الخروج من هذه الأزمة التي حاول رئيس الحكومة اٍنكارها عمد اٍلى البحث عن مبررات حاولت اٍظهارها و كأنها أزمة في الأغلبية و ليس أزمة سياسية، و هي قراءة لا تستقيم و الواقع الذي عاشته الحكومة من تعطل و شلل كبيرين أثرا فيهما بقوة، و في مردوديتهما. بعد انتظار دام لأكثر من ثلاثة أشهر خرج علينا السيد عبد الاٍله بن كيران بتوليفة جديدة، انعكست على تركيبة الحكومة حيث عرفت تغيرا كبيرا شمل مختلف قطاعاتها، حيث تم تفكيك العديد من الوزارات اٍلى قطاعات بشكل غير مفهوم، و لا مبرر له، غير اٍضاء الاٍحزاب المشكلة للتحالف الحالي و هو التفكيك الذي انعكس على عدد الوزراء بالحكومة حيث ارتفع عددهم اٍلى 39 وزير و هو ما يناقض جوهر الحملة التي كان يتم القيام بها حول شعار " ترشيد النفقات"، اٍذ ما الحاجة لوجود وزير، و وزير منتدب لنفس المهمة غير الترضية السياسية و اٍرهاق الحكومة بمصاريف اٍضافية كان يمكن الاٍستغناء عنها في ظل ما تدعيه الحكومة باستمرار من وجود اختناق مالي، و انعدام السيولة....و هو اٍدعاء يتم استعماله فقط لتبرير حجم الزيادات في الأسعار المتكرر و المهول الذي ضرب القدرة الشرائية للمواطنين خاصة الفئات الفقيرة و المهمة التي اٍزداد فقرا و تهميشا بالعديد من الاٍجراءات آخر ما ينتظر هو الزيادة في ثمن الخبز " بعد عيد الأضحى". اٍن المشهد الحكومي اليوم، هو مشهد سوريالي، يخفي حجم الأزمة السياسية التي يعشها المغرب، و النفق المظلم الذي دخل اٍليه مع القرارات التي اتخذتها الحكومة في نسختها القديمة، و ما يدل على ذلك هو سحب القطاعات الاٍجتماعية و الاٍستراتيجية من يد وزراء الحزب الأغلبي " المالية و الاٍقتصاد، التجارة و الصناعة، التعليم....الخارجية" مما ينذر بفشل سياسة الحزب الأغلبي في تدبيره لهذه القطاعات الاجتماعية التي لها انعكاس مباشر على حياة المواطنين، و هو ما جعل اعادة تركيب الحكومة يهم بالأساس هذه القطاعات نظرا لتأثيرها المباشر على الاٍقتصاد المغربي و على نموه و يضر بصورته و بالرأسمال الذي ظل يتدفق خاصة من دول الخليج على المغرب باعتبار عنصر الاٍستقرار السياسي و الاٍجتماعي الذي ظل يعيشه و جعله في منأى من تأثيرات " الربيع العربي"، لذلك فإعادة تشكيل الحكومة الحالية بالحكم الكبير الذي عشناه و لاحظناه هو اٍعلان رسمي عن فشل الحزب الأغلبي في تدبير القطاعات الاٍجتماعية ذات التأثير المباشر على الاٍقتصاد المغربي و على جيوب المغاربة. اٍن التركيبة الحكومية الحالية كما تم تنصيبها، هي اٍعلان رسمي عن فشل التحالف القديم الحكومي، حيث أصبح فيها الحزب الأغلبي أقلية اٍذا ما قارناه بالتشكيلة الحكومية في نسختها القديمة، و هو تحالف يعمد اٍلى تقديم اٍشارات سلبية للمواطنين، من خلال حجم التكنوقراط الذين توافدوا على الحكومة و ترأسوا أغلب القطاعات الاٍستراتيجية، و أعادوا الطابع السيادي لبعض الوزارات " الداخلية"...في ذلك اغتيال و قتل للعملية السياسية، و عودة لمرحلة ما قبل 20 فبراير و خطاب 9 مارس و دستور فاتح يوليوز، اللذين معا ربطا المسؤولية بالمحاسبة، فمن سنحاسب يوم غد على سياسة التعليم مثلا التي تقلدها وزير " رشيد لمختار" وزير لا منتمي؟ و من سنحاسب على السياسة الأمنية بالمغرب ؟...... المغرب اليوم في ظل النسخة الثانية للحكومة قد أعاد عقارب الزمن السياسي للماضي، مما يجعل المغرب يعيش نكسة و رد سياسية حقيقية ستؤثر على العملية الديموقراطية برمتها، حيث ما تم تسجيله سابقا و لو بشكل نسبي من عودة الوعي السياسي و فكرة المشاركة السياسية للمواطنين سيتم القضاء عليها نهائيا، مادام شعار " ربط المسؤولية بالمحاسبة" لن يتحقق، و ما دام عندما سنصل للحظة الاٍنتخابات كل حزب يدافع و يقدم فقط حصيلته التي كان مشرفا عليها، بالتالي سيجد المغاربة أنفسهم و الناخبين خاصة أمام نفس الوضع السابق، قطاعات تهم مستقبله و مستقبل أبناءه غير قادر على محاسبة المسؤول عن الاٍختيارات فيها. لاشك، و مع التشكيلة الحكومية الجديدة التي تم تعيينها من طرف الملك، سيتغير معه البرنامج الحكومي، و هو أحد المطالب التي ظل يطرحها رئيس التجمع الوطني للأحرار كمقدمة لأي تحالف سياسي مع العدالة و التنمية، بالتالي فالحكومة اليوم أمام برنامج حكومي جديد، ليس ذاك نفسه الذي أخذت و نالت بموجبه الثقة من طرف البرلمان، و هو تغير يفرض اليوم طرح قراءة دستورية ديموقراطية و تأويل يحافظ على معنى و روح الدستور، تؤدي اٍلى ضرورة حصول رئيس الحكومة على ثقة جديدة من طرف البرلمان المغربي، بالتالي سنكون أمام تنصيب حكومي جديد، ما دام البرنامج الحكومي تغير، مما يحعله ملزما من خلال اٍعمال قراءة ديموقراطية للدستور على المجيء للبرلمان للحصول على " التنصيب البرلماني" يقدم فيه عناصر برنامجه الحكومي، بموجب تصريح حكومي جديد يشمل ما تم تعديله و ما تم الاٍتفاق عليه مع التكنوقراط و التجمع الوطني للأحرار كطرفين مشكلين للأغلبية الحكومية الجديدة. الذي تتبع خطاب رئيس الحكومة على القنوات العمومية ليلة الأحد، لابد و أن يسجل العديد من الملاحظات المركزية التي تعتبر عنوان الأزمة التي تتخبط فيها رئاسة الحكومة، و دون الغوص في بعض الملاحظات الشكلية كالسبحة التي تعمد رئيس الحكومة التلاعب بها بين يده بشكل يجعل المشاهد يلاحظها خاصة في بداية البرنامج ليقينه بتأثيرها و رمزيتها على المغاربة كعنوان للتقوى و الورع....، و دون الغوص كذلك في حالة النرفزة الشديدة و الٍاتهامات التي كالها للصحفيين الذين اختارهم بنفسه " لمحاورته" اٍن جاز تسمية ما شاهدناه بالحوار، فاٍنه لابد من تسجيل عدد من الملاحظات: -تهرب رئيس الحكومة من مسؤوليته في الأزمة السياسية التي وصلت اليها البلاد، محاولا فقط تبرير ما حدث و تقديم تفاصيل و وقائع " الحكي" لا تنفع المشاهد، و لا تفسر له الأسباب الحقيقية لما وصلت اليه الحكومة، و هو الرغبة الملحة في استفراد رئيس الحكومة بالقرار. - خطاب هش، بسيط، لا معنى للكثير مما قيل فيه، مع شخصنته الكبير للصراع مع الأمين العام لحزب الاستقلال و هي شخصنة لا تليق برئيس الحكومة، حيث حول البرنامج للثأر الشخصي من حميد شباط و ليس لتقديم التفسيرات كما تم التقديم في بداية البرنامج على التحالف الجديد، البرنامج....و حول منصب رئيس الحكومة من منصب مؤسساتي دستوري اٍلى أشبه بالأمانة العامة للحزب، حيث تداخل فيه الحزبي الضيق و الصراع الاٍنتخابي الأخير الذي شهدته دائرة مولاي يعقوب بمنصب سياسي و بصفة رجل الدولة و هما الصفتين اللتين لم يتمتع بهما في البرنامج. - ما قدمه كاٍنجاز حكومي المتمثل في الرفع من تعويضات التقاعد وجعله لا يقل عن ألف 1000 درهم، و جعل المنخرطين الذين لم يبلغوا 3240 يوم عمل يستفيدوا من التعويض أو يؤدوا للصندوق مقابلا عن ما تبقى لهم لبلوغ هذه الأيام ليتمكنوا من الإستفادة، كأنها منجزاته الشخصية لهذه الولاية، و هي في الحقيقة تعود لاتفاق 26 أبريل 2011 للحكومة السابقة و لوزيرها التشغيل جمال اغماني الذي أبرم تلك الاتفاقية بهذه الصفة، و الذي أعلن عن عملية الرفع منح معاش التقاعدابتداء من يونيو 2011 كنتيجة للحوار الذي أطلقته الوزارة آنذاك بينها و بين النقابات و أرباب العمل. - ما قامت به القناتين العموميتين من استدعاء لرئيس الحكومة الذي تحدث كحزبي و كأمين عام للعدالة و التنمية، ألا يعد في ذلك خرقا للقانون يستدعي تدخل الهاكا فورا، خاصة و أنه تحدث عن وقائع سياسية فيها اختلاف وجهات النظر تجعل من الرد عليها واجب و حق الآخرين في هذه القنوات العموميتين لتقديم التوضيحات اللازمة لما اتهمهم به رئيس الحكومة، لأنهما" القناتين" ملكا للدولة و للمواطنين، ملكا جماعيا لمختلف الأطياف و الألوان بغض النظر عن موقعهم السياسي و مسؤوليتهم في الدولة، و ليس قناتين خاصتين بالسيد رئيس الحكومة و بحزبه حتى يستقدم الصحفيين لهما وقتما شاء و يهينهم كما يريد. - استمرار رئيس الحكومة مزايدته على معارضيه بالأصوات التي حصل عليها، و هي مزايدة لم يعمل اٍلى الاٍختباء وراءها عندما كان يتفاوض مع الأحرار و التكنوقراط اللذين أفرغاه من الحكومة، و حولوه اٍلى أقلية، و كأن حزبه الأغلبي غير موجود نظرا للقطاعات الغير المنتجة التي أصبح حزب رئيس الحكومة يديرها، و هي مزايدة سياسوية تربط بينه و بين الاٍستقرار في المغرب، مع العلم أن الذي حافظ على الاٍستقرار في المغرب هم شباب 20 فبراير الذين ظلوا واقعيين في مطلبهم السياسي " الملكية البرلمانية" ولم يستنسخوا شعار " اٍسقاط النظام"، الذي ساهم في استقرار المغرب هو خطاب 9 مارس الملكي الذي أعاد الثقة في المغرب و في مؤسساته و جعل من الحراك الشعبي يسير باعتدال، كما أن الذي أساهم في الاٍستقرار هو دستور فاتح يوليوز الذي تم اٍعداده بتشاور و حس وطني تم من خلاله الانفتاح على مختلف الآراء و المواقف. اٍن خلاصة الحدثين تجعل من المغرب اليوم يعيش أزمة حقيقية، أزمة سياسية تهدد ما تبقى من الثقة في العملية الديموقراطية بالمغرب، ستنعكس بشكل سلبي على الجو العام و ستقوض أية اٍمكانية لاستمرار الرهان على العملية الديموقراطية، مادام تطورات الأحداث قد أعادت المغرب للوراء بفضل عناد و انفرادية رئيس الحكومة.