أزمة الأغلبية الحكومية في المغرب فجر خروج حزب الاستقلال من حكومة بنكيران جدلا واسعا حول كيفية الخروج من الأزمة الحكومية الحالية، فما هي مظاهرها؟ وما هي أسبابها؟ أ- مظاهر الأزمة الحكومية: توجت الأزمة الحكومية في المغرب بتقديم وزراء حزب الاستقلال لاستقالتهم من حكومة بنكيران، وبالتالي انهارت التجربة الائتلافية التي يقودها حزب العدالة والتنمية. وإذا كانت الأسباب المعلنة لتبرير هذا الانسحاب هي ضعف الأداء الحكومي، فإن الأسباب الخفية ترجع في الحقيقة إلى عدم انسجام الحكومة التي ضمت منذ ولادتها أطرافا متباعدة ومتنافرة. وإذا كان عدم الانسجام قد هيمن منذ البداية على عمل الحكومة (نذكر على سبيل المثال هجوم نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، على وزير الاتصال المحسوب على حزب العدالة والتنمية على خلفية دفاتر تحملات القنوات العمومية التي أعدها...)، فإنه طفا على السطح بقوة بعد تغيير قيادة حزب الاستقلال، فمنذ تولي حميد شباط رئاسة الأمانة العامة لحزب الاستقلال لم يتوقف عن توجيه انتقادات لاذعة إلى حكومة يشارك في تسيير دواليبها، بل إنه تقدم بمذكرة يطالب فيها بالتعديل الحكومي. وهو ما رأى فيه البعض محاولة من الدولة العميقة لإسقاط حكومة بنكيران وتفجيرها من الداخل. ب- أسباب الأزمة الحكومية: نمط اقتراع يزيد من عدم الانسجام: إن أزمة الأغلبية الحكومية في المغرب لا ترجع إلى خروج حزب الاستقلال من الحكومة، وإنما إلى نمط الاقتراع المطبق حاليا في المغرب، فهو نمط لا يؤدي إلى إنتاج كتل حزبية منسجمة لإدارة الحكم، بل يؤدي على العكس من ذلك إلى تحالفات هشة بتكتل أحزاب مختلفة بل ومتعارضة البرامج أحيانا، وهو ما ينتج عنه عدم استقرار الائتلافات الحكومية، وفي ظله تستطيع الأحزاب الصغيرة أن تبتز الأحزاب الكبيرة لتشكيل الحكومة. نحو حل دائم لأزمة الأغلبية الحكومية في المغرب على إثر انسحاب حزب الاستقلال وتقديم وزرائه لاستقالاتهم، اعتبر المتتبعون للشأن السياسي المغربي أن أمام بنكيران حلين لا ثالث لهما: - الحل الأول: ترقيع البيت الحكومي؛ - والحل الثاني: تقديم بنكيران استقالته إلى الملك وفق ما ينص عليه الدستور المغربي، وخصوصا الفصل 47، وتنظيم انتخابات جديدة. وهي كلها حلول مسكنة وعابرة لن تحل المشكل من أصله. فما هو، يا ترى، الحل الدائم والأنجع؟ أ- الحلول المسكنة: - ترقيع البيت الحكومي: بعد تقديم وزراء حزب الاستقلال لاستقالاتهم، بدأ حزب العدالة والتنمية في إجراء مشاورات لإيجاد حل للأزمة الحكومية عبر ترميم الأغلبية بحزب من المعارضة. وتشير التوقعات إلى أن التحالف بين حزبي "البيجيدي" والتجمع الوطني للأحرار، لتكملة الأغلبية الحكومية بعد انسحاب الاستقلاليين، يبقى هو الخيار الأنسب، فهل سيرضخ بنكيران لشروط حزب الأحرار؟ - تنظيم انتخابات مسبقة: وهو حل يؤيده بعض "صقور العدالة والتنمية"، إذ يؤكدون أنهم مع الخروج من الحكومة والذهاب إلى انتخابات مبكرة، بدل الإساءة إلى الحزب بإجباره على التحالف مع حزب اشتهر بفضائح قيادييه في عمليات نهب المال العام، وهو ما أوضحه الأستاذ بنيونس المرزوقي قبل تفعيل حزب الاستقلال لقرار الانسحاب من الحكومة بقوله: "إن خيار التجمع الوطني للأحرار سيجر حزب العدالة والتنمية إلى صراعات داخلية نتيجة المواقف المتشددة لبعض برلمانيي الحزب وقيادييه. وبناء عليه، فإن هذا الخيار سيؤدي إلى زعزعة مكانة حزب العدالة والتنمية والمس بمصداقية العديد من قيادييه".. غير أن خيار الانتخابات المبكرة لن يضمن لحزب العدالة والتنمية -في حالة فوزه من جديد بالرتبة الأولى- فرصة تشكيل حكومة منسجمة ومستقرة، وذلك بسبب نمط الاقتراع السائد حاليا، وهو ما يعيدنا إلى نقطة الصفر، أي البحث عمن سيتحالف معه. وفي حالة رفض التجمع الوطني للأحرار الدخول إلى حكومة بنكيران -وهو الاتجاه السائد حاليا- وأمام إصراره رفض التحالف مع حزب الأصالة والمعاصرة، فلن يبقى أمامه إلا الاتحاد الاشتراكي للتحالف معه، وهو خيار مستبعد بعد الجبهة التي أسسها كل من حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، بل لأن أحزاب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي والأصالة والمعاصرة شكلت جبهة لإسقاط حكومة بنكيران، وقد يتم ذلك عبر ملتمس الرقابة. وإذا نحج حزب العدالة والتنمية في تكوين ائتلاف حكومي جديد إثر الانتخابات المبكرة، في حالة فوزه بالرتبة الأولى طبعا، فقد يجد نفسه من جديد في مواجهة عدم الاستقرار والانسجام إذا تخلى عنه حلفاؤه الجدد في وسط الطريق، وبالتالي فإننا سنجد أنفسنا من جديد أمام انعدام الاستقرار الحكومي. ب- نحو إيجاد حل دائم وناجع لأزمة الانسجام الحكومي: إن الحل الأمثل والدائم لأزمة الانسجام الحكومي في المغرب يتطلب إصلاحا تشريعيا عاجلا لإعادة النظر في نمط الاقتراع الحالي والتحول من نمط الاقتراع اللائحي النسبي إلى الاقتراع اللائحي الأغلبي نظرا إلى مزاياه المتمثلة في إفراز أغلبية برلمانية قوية تحقق الاستقرار، مما سينعكس إيجابا على الحكومة التي ستشكل أغلبية منسجمة، ويقلل بالتالي من إمكانية الإطاحة بالحكومات. وإذا كان هذا النوع من الاقتراع لا يخلو بدوره من سلبيات، تتمثل أساسا في أنه أقل عدالة وقد يؤدي إلى هيمنة حزب واحد وإقصاء الأحزاب الصغرى، فإن إيجابياته أكثر بكثير من سلبياته. وخلاصة القول أنه سواء تم ترميم الأغلبية الحكومية أو تنظيم انتخابات مبكرة، فإنه بدون إعادة النظر في نمط الاقتراع الحالي، يبقى واردا تكرر وقوع نفس الأزمة الحالية مرة أخرى بل ومرات عديدة.
ميلود بوطريكي* *أستاذ القانون العام بالكلية متعددة التخصصات بالناظور