رغم عدم اتفاق أعضاء مكتب مجلس النواب وندوة الرؤساء فيه طيلة يوم الاثنين 14 من اكتوبر الحالي على قضية دستورية اوعدم دستورية انعقاد أول جلسة عمومية للأسئلة الشفهية غداة تعيين حكومة بنكيران الثانية ،فان مجلس النواب برمج جلسة ليومه الثلاثاء 15 اكتوبر ينتظر أن تفرز أول صراع بين الأغلبية والمعارضة ،ففي الوقت الذي تعتبر فيه الحكومة وأغلبيتها الجلسة دستورية ،تصر المعارضة على عدم دستوريتها لان الحكومة حاملة لتعيين ملكي بدون تنصيب برلماني ،وفيما تستعد المعارضة لخيار الانسحاب من أول جلسات مجلس النواب في حكومة "بنكيران" الثانية ،فانه بات من الضروري توضيح حالة عدم الدستورية التي ستسقط فيها حكومة "بنكيران" الثانية إذا لم يتقدم رئيسها بالبرنامج الحكومي الذي يعتزم تطبيقه لتتلوه عملية تصويت لنيل الثقة من مجلس النواب . كل من تابع جلسة الحوار الخاص الذي أجراه رئيس الحكومة "عبدالاله بنكيران" مع القناة الأولى ليلة الأحد الماضي ،سيلاحظ أن رئيس الحكومة لا يتحدث بلغة دستورية لدرجة انه يعتقد ان التعيين الملكي كاف لاشتغال الحكومة دون الحاجة الى تنصيب أمام مجلس النواب ،وبذلك فان "بنكيران" ينكر على البرلمان ممارسة حقوقه الدستورية مرة أخرى. تعيين جديد: "بنكيران" تفاوض واقترح ، والبرلمان يجب أن ينصب لقد تابعنا طيلة ثلاثة أشهر الماضية مفاوضات رئيس الحكومة وزعيم حزب التجمع الوطني للأحرار التي أنتجت حكومة العاشر من أكتوبر 2013 ، وعينها الملك محمد السادس، ليأتي رئيس الحكومة أمام المغاربة ليلة الأحد الماضي معلنا انه مسؤول عن حكومته ،وبذلك ،فهو يعترف بممارسته لحقوقه الدستورية في الاقتراح على الملك بصفته صاحب السلطة الدستورية في التعيين بناء على الاقتراح ،ولا يمكن لرئيس الحكومة ان يمارس سلطة الاقتراح دون ان يمارس مجلس النواب سلطة التنصيب ،وذلك بناء على الحجج التالية : الحجة الأولى،مرتبطة بالفصل47 من الدستور ،حيث انه اذا كان رئيس الحكومة قد عين بحكم انتمائه الى الحزب الي تصدر الانتخابات، وانه حافظ على هذا التعيين مادام المغرب لم يجر انتخابات جديدة وانه لم يستقل ،فانه بالمقابل، قاد مفاوضات جعلته يمارس سلطاته الدستورية في اقتراح وزراء على الملك ،هذا الاقتراح الذي قاد الى إحداث تغيير يضيف خمس وزارات جديدة وسبع وزارات منتدبة جديدة ويرفع الحكومة الى تسعة وثلاثين وزيرا ،وهو ماجعل الملك يستقبل الحكومة برمتها ويعيد تعيينها من جديد ،فالخبر الصادر عن الديوان الملكي يشير الى تسمية "الحكومة الجديدة" ،ف"بنكيران" حافظ على تعيينه لانه لم يستقل ولكونه ظل يستمد شرعيته الدستورية من صناديق الاقتراع ومن السلطة الملكية التي عينته في حكومته الاولى ،لكن "بنكيران" نفسه بصفته رئيس الحكومة لم يقم بتغيير وزراء الاستقلال بوزراء من التجمع داخل نفس قطاعات حكومته الأولى، وانما قام باعادة توزيع القطاعات من جديد واضافة وزارات جديدة بأسماء جديدة ليمارس من جديد سلطة الاقتراح على الملك ، ف"بنكيران" يكون بذلك قد مارس سلطته مرتين في الاقتراح، ولاشيء في الدستور يشير الى ان البرلمان سلطة ادنى من رئيس الحكومة لايسمح لها بممارسة سلطتها مرة ثانية في التعيين، والا سنكون امام خرق للفصل الاول من الدستور الذي يشير الى ان نظام الحكم بالمغرب "نظام ملكية دستورية ،ديمقراطية برلمانية واجتماعية " ،هذا الفصل ،الذي يحدد شكل النظام الدستوري المغربي بانه يشتغل بقواعد النظام البرلماني في العلاقة بين البرلمان والحكومة تحت مراقبة نظام رئاسي يمارس فيه الملك سلطاته ،قواعد النظام البرلماني هذه التي تقوم على وجوب التنصيب البرلماني للحكومة . الحجة الثانية، مرتبطة بالفصل 88 من الدستور ،فالوضع الدستوري الحالي، طبقا لهذا الفصل، يجعلنا امام تعيين ملكي لأعضاء الحكومة مادام ان الفصل لايضع شروطا او يحدد حالات للتعيين ، كما يشير الى الحكومة وليس الى رئيسها ،فالامر هنا يتعلق بحالة مابعد الاقتراح ،وعليه ،فنحن امام تعيين لتسعة وثلاثين وزيرا كأعضاء للحكومة يوجب عليهم الدستور نيل صفة التنصيب الدستوري بعد اخذ ثقة مجلس النواب المعبر عنها بالتصويت ،فالبرلمان يمارس حقه الدستوري في التنصيب بناء على الفصل 88 وليس هناك اية شروط وضعها الدستور للحد من هذا الحق، بل انه ياتي نتيجة انطلاق المسطرة من الفصل 47 بالاقتراح والتعيين للوصول الى التنصيب، والا سنكون امام حكومة معينة وغير منصبة لتكون بذلك حكومة غير دستورية في حالة مجيء وزرائها الى الجلسة العامة للاسئلة الشفهية بدون تنصيب . الحجة الثالثة، عيب مرتبط بمحضر التصويت على برنامج حكومة "بنكيران" الأولى ، فالفريق الاستقلالي الذي صوت على برنامج حكومة "بنكيران" الاولى تحول الى المعارضة وفريق التجمع الوطني للاحرار المعارض لبرنامج حكومة "بنكيران" الاولى أضحى في الاغلبية ،وبذلك لايمكن للسيد "صلاح الدين مزوار" او السيد "انيس بيرو" او السيد "عبو" كنواب سابقين في المعارضة صوتوا ضد البرنامج الحكومي، ان يقفوا امام مجلس النواب للاجابة على اسئلة حكومة منصبة بمقتضى برنامج حكومي صوتوا ضده ،او اتخاذ قرارات باسم حكومة نصبت بناء على برنامج انتخابي صوتوا ضده ،او التوقيع بالعطف على مقررات تنظيمية صادرة عن رئيس حكومة نصب بمقتضى تصويت على برنامج حكومي صوتوا ضده . الحجة الرابعة ، مرتبطة بوزراء القطاعات الجديدة ،فالوزيرة والوزراء الخمس الجدد والوزيرات والوزراء المنتدبون الجدد لايمكنهم الحضور الى الجلسات العمومية للبرلمان في جلسة الاسئلة الشفهية او عمل اللجن ،لانه في لحظة تصويت مجلس النواب على البرنامج الحكومي ومنحة الثقة وتنصيبه لحكومة "بنكيران" الاولى لم تكن هذه الوزارات موجودة،ولم يكن على علم بها ،وبذلك فالوزارات التي صوت على برنامجها لم تعد موجودة رغم استمرار رئيس الحكومة ،لان "بنكيران" لم يكن ممكنا ان ياتي امام البرلمان وحده بدون تعيين وزرائه أنذاك . أضف الى ذلك ،كيف يمكن لوزيرات ووزراء هذه القطاعات الجديدة ان يتقدموا امام البرلمان للاجابة على اسئلتهم الشفهية بدون وجود مراسيم تحدد اختصاصاتهم ،ف"بنكيران" اليوم في حاجة الى تسعة وثلاثين مرسوما على الاقل لتحديد اختصاصات حكومته . الحجة الخامسة مرتبطة بتصويت الأغلبية ، اذ ليس هناك من يضمن أن يظل نفس عدد الأصوات التي حصل عليها البرنامج الحكومي في لحظة تنصيب حكومة "بنكيران" الاولى ،فمن يدري قد يصوت جزء من الأغلبية ضد برنامج حكومة "بنكيران" الثانية نظرا لتعدد أجسامها وضعف عدد الحزبيين داخلها مقارنة مع الأولى . لذلك ،فان المعارضة داخل البرلمان مطالبة برفض حضور الحكومة والاشتغال أولا استرجاع لجنة العدل والتشريع ،وإلا فان قرارات هذه اللجنة ستكون باطلة دستوريا بشكل يبطل المسطرة التشريعية برمتها ،في حالة استمرار اللجنة تحت الرئاسة الحالية وربطها بانتخابات رئيس مجلس النواب وانتظار منتصف الولاية التشريعية ،فالامر يتعلق بحقوق المعارضة التي تمارس بطريقة فورية على الحالة . ويبدو ان المعارضة البرلمانية في مجلس النواب ستكون امام سيناريوهين في حالة رفض رئيس الحكومة لعرض التصريح الحكومي امام مجلس للتصويت عليه : السيناريو الأول ، ان يتقدم الفريق النيابي الاستقلالي بمذكرة يسحب بمقتضاها أصواته التي ساند بها برنامج حكومة بنكيران الأولى ،ويشرح فيها ان أسباب التصويت لم تعد قائمة ويطالب على إثرها بإعادة التصويت . السيناريو الثاني ،انسحاب فرق المعارضة من الجلسات العامة والطعن في عدم دستورية انعقادها لكون الحكومة لازالت غير منصبة . *رئيس المركز المغاربي للدراسات الامنية وتحليل السياسات [email protected]