كانت شوارع مدينة شفشاون بشموسها البعيدة/القريبة، بجذورها العميقة الهاربة بدلالات الحياة والأحداث والصّور والشّخوص، جزءاً من سيرورة حضارية، تعيد إلينا ارتباطاً وجدانيّاً له أكثر من معنى، وتعيدنا إليها في كلّ لحظة ويوم ومناسبة لنمضي معاً إلى أن نفترق. في هذه النّظرة المتبقّية بالحنين، وبتلك الامتدادات الواسعة التي رافقت الانطلاقة من رحم الطّفولة إلى الآن، كان شارع نهج الحسن الثّاني (ساحة إسبانيا سابقاً)، المؤثّث بالأشجار الظّليلة، مفتوحاً بمسافات جمالية على أفق الجبال وباب العين والثكنة العسكريّة للاحتلال الإسباني سابقاً (ثانوية الإمام الشاذلي حاليا) ..وكذا ساحة "روندة"، والطّريق العابر صوب الفضاءات السّياحية بالمدينة العتيقة وغيرها. الشّارع في تمظهراته المختلفة كان ومازال الملاذ الرّئيسيّ لكلّ السّاكنة، خاصّة في المساء، كان بمثابة الشّريان الذي يتدفّق في وجداناتها وينقلها من حيّز الأحياء والتّجمّعات إلى محجّ منظّم يفضي إلى مدار ساحة محمد الخامس (الخاصة)، المُطلّة بالنّباتات والأغراس ومختلف الزّهور وبالممرّات الحالمة والوجوه. بهذا المعنى وضمن هذه السّياقات يبقى نهج الحسن الثّاني ذاكرة أخرى حملت اسم الملك الرّاحل، إثر زيارته التّاريخية إلى مدينة شفشاون في بداية الستّينيات، إذ صار النّهج ومنذ ذلك الحين شاهداً على تجلّيات زيارة أرّخت لذكرى عزيزة وذات مغزى في قلوب الشّفشاونيّين، بعدما كان قد وقف الملك الراحل بهذا المكان ورفع السّتارة عن اللّوحة التذكارية الحاملة لاسمه. وعرف النّهج ذاته، برحابته عبر سنوات طويلة، تسجيلا دقيقاً لمراحل وقصص من حياة كلّ واحدة وواحد من أبناء المدينة، وكذا تحوّلات زمانيّة؛ وكان جمّاع خبرات وعواطف ومناخات ومسارات وشخصيّات وأحداث وحكايات وتدافعات وحفلات وأعياد...ومنه تدفّقت الطّموحات والأحلام. وكنّا ونحن صغار مع أمّهاتنا في بعض المناسبات الوطنيّة نترقّب من على أسوار الشارع أسطول الشّاحنات المارّة، المزيّنة بالأعلام، وهي تجسّد باختصار جميل مهام القطاعات المختلفة بالمؤسّسات العمومية. هو أيضاً وبكلّ بساطة الشّارع الذي ينطوي على عديد الانكسارات ويختم جوازات أرواح بعض النّاس بمجاورته مقبرة وضريح مولاي علي بن راشد؛ فمنه تمرّ مواكب الجنائز في لحظات من الحزن البالغ، ومنه كذلك تمرّ السيّارات رافعة أبواقها بالصّخب وبنبضات العرسان. كما يضمّ الشارع المصالح الإدارية والمحلاّت التّجارية وبعض الآثار الكولونيالية؛ فضلا عن المكتبات التي تقدّم خدماتها اليوميّة لسكان المدينة والإقليم.