استقرت بمدينة شفشاون شريحة مهمة من اليهود، وفدت عليها في مناسبات مختلفة، فبعضهم قديم الاستقرار بهذه المنطقة ودخل مع مولاي علي بن راشد فيمن دخل معه إلى هذه المدينة عند تأسيسها، والبعض الآخر لجأ إليها قادما من الأندلس بعد حملات الطرد المتتالية التي تعرض لها الأندلسيون، وكان آخر من وفد عليها من اليهود الفاسيون الذين نزلوا بها في عهد السعديين، وبطلب من أعيانها الذين قدموا على السلطان السعدي الغالب بالله لتقديم البيعة بعد خروج بني راشد عن شفشاون، وطلبوا إيفاد مجموعة من يهود العاصمة إلى مدينتهم ليتولوا الصناعات. وسكنوا في البداية خارج البلد ناحية الشرق، لكن وبعد تشكيهم من الإذاية والفساد بسبب الفتن رحلوا إلى داخل البلد بقرب دار الشريف سيدي الحسن الريسوني القادم معهم من فاس، وأسكنهم ” الملاح” الذي لا زالت آثاره بادية إلى اليوم، وذلك في أواخر القرن 16م، وقد ضم حوالي خمسين دارا في نهاية القرن 19م حسب إفادة المؤرخ محمد الصادق الريسوني، وكانت بها حوالي عشر عائلات حسب إفادة أحد الرحالة اليهود وهو “شارل دو فوكو” الذي زار المدينة ما بين 1883-1884، ويشير “موليير” إلى أن الملاح كان وسخا مقارنة بالمدينة الإسلامية، ويحرسه اثنان من المخازنية من إذاية بعض المتعصبين، وله بابان واحدة تفتح على المدينة الإسلامية وأخرى تفتح على الحقول، ويؤدي ساكنة الملاح ضريبة سنوية لقائد المدينة مقدارها ثلاث فرنكات سنوية عن كل رأس يهودي بالغ ما عدا النساء والأطفال، ولم يفوت هذا الرجل فرصة الإشارة إلى مظاهر التعصب المختلفة التي طغت على علاقة أهالي شفشاون وباديتها بجيرانهم اليهود. ومما أدركه المتأخرون من مظاهر تعصب الشفشاونيين اتجاه اليهود في عهد الحماية الإسبانية إلزام اليهود بخلع نعالهم من باب الملاح إلى ساحة أوطا الحمام، توقيرا واحتراما لضريح سيدي بلحسن والجامع الكبير، وإذا لم يمتثل هذا الشرط تعرض للضرب على قفاه من طرف المارة والصبيان. وقد امتهن يهود شفشاون مجموعة من الصنائع مثل صناعة المجوهرات والسروج، كما اشتغلوا أيضا بالتجارة حيث كانوا يبيعون السحن {الثوب} والحرير، وعرفوا بجودة منتجاتهم. منشورات الجمعية المغربية للثقافة الأندلسية العنوان “شفشاون قديسة الجبل“ للدكتور امحمد جبرون (طبعة ثانية 2017) بريس تطوان/يتبع…