عهد المولى محمد بن علي بن راشد (917ه/1511م-969ه/1561م): خلف المولى محمد أباه بعد وفاته، وكان إلى جانبه أخوه مولاي إبراهيم رئيس المجاهدين، واستطاعت الإمارة الراشيدية فب عهده المحافظة على استقلالها، والمحافظة في الآن نفسه على علاقات الود مع الوطاسيين، ومن مظاهر هذا التفاهم والود الذي جمع الطرفين استوزار أحمد الوطاسي مولاي إبراهيم بن راشد، أخ أمير شفشاون، والمصاهرة التي انعقدت بينهما، حيث تزوج إبراهيم أخت الوطاسي وتزوج هذا الأخير السيدة الحرة حاكمة تطوان، والجدير بالذكر في هذا السياق أن الأخوين تعاونا وتظافرا كل من موقعه في تدبير شؤون الإمارة المستقلة. وقد تابعت شفشاون نشاطها الجهادي في عهد هذا الأمير بقيادة مولاي إبراهيم، الذي نفذ عدة عمليات ضد البرتغاليين في أصيلا. كما تعرضت في عهد المير مولاي محمد مدينة ترغة إلى التخريب من طرف البرتغاليين وذلك سنة 940ه/153م، ثم أعاد تحصينها وبنى قصبتها، وأقام بها الجنود والحاكم، مع مجموعة من قطع الأسلحة المختلفة. وبعد ظهور السعديين على المسرح السياسي المغربي في النصف الأول من القرن 16م، ووفاة المولى إبراهيم، ضعف دور الإمارة الراشيدية في شمل المغرب، وبالمقابل تعاظم دور قائد تطوان حسن المنظري، وقائد القصر الكبير، وتجلى هذا الأمر بوضوح في تأرجح ولاء المولى محمد بن راشد بين السعديين والوطاسيين، وقد جلب عليه هذا الموقف المتأرجح نقمة السلطان أبي حسون الوطاسي الذي اعتقله في فاس، وبقى هناك إلى أن آلت الأمور إلى السعديين أو كادت، حيث أطلق سراحه وعاد لقيادة إمارته تحت نظر الأشراف السعديين. وبالرغم من ولاء المولى محمد للأشراف السعديين فإن السلطان السعدي محم الغالب بالله عمل على إزاحته، بعدما أبرم (أي السلطان) عدة اتفاقات مع النصارى، وسلم عدة ثغور للإسبان والبرتغاليين والفرنسيين، خوفا من العثمانيين، وهكذا أرسل على شفشاون حملة عسكرية بقيادة الوزير محمد بن عبد القادر ابن السلطان محمد الشيخ السعدي، أقامت على حصارها نحو سبعة عشر يوما، وانتهت بفرار الأمير محمد وأهله وبعض عائلته حيث خرج ليلا من باب العنصر قاصدا جهة ترغة، ومنها ركب البحر متجها ناحية المشرق، واختلف في تاريخ خروج بني راشد النهائي عن شفشاون، فالبعض جعله سنة 969ه، بينما البعض الآخر جعله سنة 650ه واستقر الأمير بعد رحيله بالمدينة المنورة وبها مات رحمة الله عليه. لقد عرفت مدينة شفشاون في عهد مولاي محمد ازدهارا عمرانيا ملحوظاً، فيعد تأسيس حي ريف الأندلس أذن لمن رغب في ذلك من سكان البلدة بالبناء فوق حومة الأندلسيين وتحتها، وذلك بالتزامن مع وفود هجرات أندلسية جديدة، فظهرت حومتان أخريتان وهما حومة العنصر القريبة من منبع رأس الماء، وحومة الصبانين، كما ظهرت أسفل ريف الأندلس حومة السوق، والخرازين، وفي عهده تم بناء المسجد الأعظم والمدرسة أمامه، والحمام.
منشورات الجمعية المغربية للثقافة الأندلسية العنوان “شفشاون قديسة الجبل“ للدكتور امحمد جبرون (طبعة ثانية 2017) بريس تطوان/يتبع…