تذكرة سفر امتزجت فيها أصوات "المعلمين" الصادحة بالحنين إلى الأرض بدقات الطبول و"القراقب"، مع إيقاعات "الرش" و"الكنبري"، لتُسافر في ثنايا الفن الگناوي بأحاسيس ملؤها الفرح والانصهار في أناشيد روحانية؛ وذلك ضمن أمسية تحتفي بإدراج كناوة ضمن قائمة "اليونسكو" للتراث الثقافي غير المادي. وعلى امتداد ساعتين، أخذ "لمْعلمون" الحضور الذي حجّ إلى ساحة المنزه بالمدينة العتيقة للصويرة في رحلة صوفية في شكل "ليلة گناوية" تقليدية، بمختلف طقوسها المكونة من "العدة، ولاد بامبارا، ونقشة، والفتوح". وتندرج هذه الأمسية الاحتفالية، المُنظمة من طرف جمعية "يرمى كناوة" والشركة الوطنية للإذاعة والتلفزيون (SNRT)، بعد سنتين من إدراج هذا الفن العريق تراثاً عالمياً ومكوناً رئيسياً للثقافة المغربية. "لمعلم" عبد السلام عليكان، رئيس جمعية "يرمى كناوة"، والمدير الفني للأمسية الاحتفالية، قال في حديث لهسبريس: "إنّ إدراج ثقافة كناوة، التّي طالما تعرضت للتهميش، على القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية لمنظمة اليونسكو تتويج للعمل الدؤوب والجريء الذي تم القيام به منذ عام 1998، مع ولادة مهرجان كناوة وموسيقى العالم، من أجل الترويج لهذا الفن العريق، وحمايته والمساهمة في إشعاعه"، وأضاف: "هذا الحدث كنا نرغب في الاحتفال به مباشرة بعد إدراجه، لكن أزمة كوفيد 19 حالت دون ذلك". واعتبر "لمْعلم الكناوي" أنّ "الاعتراف بالفن الكناوي تراثاً عالمياً تشريف وتكليف، لأنّه لا يجب التوقف عند هذا التتويج، بل الاشتغال على أنفسنا، وهي فرصة لتوجيه نداء إلى المسؤولين عن القطاع للاهتمام بهذا المكون الثقافي". من جهته، أبرز عمر رامي، المدير المركزي للإنتاج والبث في الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية، أنّ "هذا الحفل التراثي يندرج في إطار دور المؤسسة الإعلامية، كخدمة عمومية، في تعزيز وحماية التراث الثقافي، ومواكبة الثقافة المغربية بمختلف تجلياتها". وأورد رامي أنّ "حفل تگناويت يعد تجربة أولى في المسيرة الإنتاجية للمؤسسة الإعلامية، وانطلاقة لحفلات أخرى تحتفي بالثقافة والذاكرة وعطاءات الفن المغربي"، مشيراً إلى أن "ليلة كناوة عرفت مشاركة أزيد من مائة فنان من معلمين ومقدمات، وأصحاب القراقب، وحاملي المبيخرات". وامتدت هذه الرحلة الصوفية إلى ما بعد منتصف ليلة السبت، من خلال إقامة "ليلات كناوية" للذكرى والعرفان داخل "زوايا" العاصمة الروحية للكناويين. واحتضنت كل من زاوية سيدنا بلال والزاوية العيساوية ودار الصويري ثلاث ليلات، لتكريم ثمانية "معلمين" كبار مازالوا على قيد الحياة؛ "ليلة رباطية" تكريما ل"المعلمين" محجوب القوشي، ومحمد شوقي، ولحسن الطويل، و"ليلة شمالية" تكريما ل"المعلمين" عبد الله الكرد، وعبد الواحد ستيتو، وعبد الله الجامعي؛ وأخيراً "ليلة مرساوية" تكريماً ل"المعلمين" علال السوداني وسعيد البركي. وتكريماً ل"معلمين" آخرين وافتهم المنية، تم تخصيص ثلاثة ليلات ل"المعلم" محجوب خلموس (مراكش) في زاوية سيدنا بلال، و"المعلم" عبد اللطيف مخزومي (مراكش) في زاوية عيساوة، و"المعلم" سعيد أوغسال (الدارالبيضاء) في دار الصويري.