الموت حق، والحقيقة لا يمكن حجبها بغربال، مثلها مثل الشمس، وحقيقة اليوم أن المغاربة يدركون أكثر من غيرهم مكانة الملك العظيم الراحل الحسن الثاني، قائد المسيرة الخضراء؛ فمهما يمكن أن يقوله الخصوم فقد ظل المغرب في صحرائه وظلت الصحراء في مغربها إلى حدود اليوم، وبغض النظر عن احتساب الذكريات بناء على حسابات السنة الميلادية أو السنة الهجرية فقد حلت أمس الذكرى 23 لرحيله، وقد كان للمناسبة وقع كبير على النفوس. لكل زمن رجال، ورجال هذا الزمان ونساؤه يعرفون بالتأكيد أهمية تخليد الأحداث الأليمة والسعيدة في حياة الشعوب، لأن هذه الأحداث هي التي تصنع التاريخ، وتاريخ المغرب لا يمكن الحديث عنه دون الحديث عن المسيرة الخضراء التي احتفى الشعب بذكراها ال 46 قبل أيام. وقد اختلطت الأحداث في الأيام نفسها لتنتج مشاعر مختلطة بين الفخر والأسف والأمل، بعد أن اجتمعت ذكرى وفاة الملك الحسن الثاني وذكرى المسيرة والذكرى السنوية الأولى ل"معركة الكركرات". في شهر نونبر 1975، وقف المغاربة وقفة رجل واحد، تلبية ل"نداء الحسن" الذي قال فيه: "علينا شعبي العزيز أن نقوم كرجل واحد، بنظام وانتظام، لنلتحق بالصحراء، لنصل الرحم مع إخواننا في الصحراء". وفي شهر نونبر من السنة الماضية أعلن ابن الملك الراحل، الملك الحالي محمد السادس، رفضه القاطع محاولة عرقلة السير الطبيعي بين المغرب وموريتانيا عند بوابة الكركرات، إذ قال إن المغرب بقدر ما سيبقى "كما كان دائما، متشبثا بالمنطق والحكمة، بقدر ما سيتصدى، بكل قوة وحزم، للتجاوزات التي تحاول المس بسلامة واستقرار أقاليمه الجنوبية". وفعلا تمت ترجمة هذا الخطاب على أرض الواقع، بتحرك سلمي احترافي من طرف الجيش الملكي المغربي، أعلن من خلاله عن تأمين معبر الكركرات بشكل كامل لضمان استمرار تحرك السلع والأشخاص؛ ومنذ ذلك الحين والعلم الوطني يرفرف في تلك البقاع مزهوا. "مغربية الصحراء" حقيقة ثابتة، ولا مجال لمناقشة هذا الأمر، إذ فرضت الملكية منذ "معركة الكركرات" إيقاعا دبلوماسيا صارما، على أكبر البلدان. من كان يتصور أن ينجح المغرب في مقارعة ألمانيا؟ ومن كان يتصور أن تتراجع الحكومة الإسبانية عن دعم أطروحة الوهم؟ ومن كان يتصور أن تعلن أقوى دولة في العالم اقتناعها بمغربية الصحراء؟ ومن كان يتصور أن يتحرك الاتحاد الأوروبي بشكل جماعي للحفاظ على شراكته الاقتصادية مع المغرب، في مواجهة محكمة العدل الأوروبية؟. سواء تعلق الأمر بفترة حكم الملك الراحل الحسن الثاني، الذي قاد معارك التحرير رفقة والده الملك محمد الخامس، أو الملك محمد السادس، الذي غير الوجه الحضاري للمغرب، فقد ظلت الصحراء في قلب تحركات الملك والشعب؛ ومن لا ينسى الصحراء لا يمكنه بالتأكيد أن ينسى الراحل الحسن الثاني رحمه الله، لاسيما أن التاريخ "أنصف" هذا الملك بعد أن تحققت الكثير من "نبوءاته" على المستوى الوطني والدولي.