كشفت وثائق داخلية ل"فيسبوك"، سرّبتها المُبلّغة فرانسيس هاوغن، وحصلت عليها صحف أمريكية عدة، أن الشركة كانت على علم بتطرّف عدد كبير من مستخدمي موقعها، وبانتشار كمّ هائل من المعلومات المضلّلة المرتبطة بالانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2020. وهذه أحدث معلومات تُكشف ضمن سلسلة طويلة منذ موجة تحقيقات أولى نشرتها صحيفة "وول ستريت جورنال" في شتنبر الماضي، بناء على تقارير داخلية سرّبتها هذه الموظّفة السابقة في الشركة. وتحدثت مقالات نشرتها صحيفتا "نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست"، وقناة "ان بي سي"، عن دور موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" في الاستقطاب الكثيف للحياة السياسية في الولاياتالمتحدةالأمريكية. بعد أيام من عملية الاقتراع، أبلغ محلّل على سبيل المثال زملاءه بأن 10% من المحتويات السياسية التي شاهدها المستخدمون الأمريكيون للمنصّة كانت رسائل تؤكد أن الانتخابات مزوّرة، حسب صحيفة نيويورك تايمز. وغذّت الشائعة التي أطلقها الرئيس السابق دونالد ترامب، ولم يقدّم أي دليل لإثباتها، غضب عدد كبير من المحافظين والمؤمنين بنظرية المؤامرة، الذي بلغ ذروته مع أعمال الشغب التي ارتكبت أثناء الهجوم على الكابيتول. وكان مناصرو الملياردير الجمهوري، في ذلك اليوم، اقتحموا الكونغرس أثناء المصادقة على فوز الديمقراطي جو بايدن بالرئاسة. وقُتل خمسة أشخاص خلال الهجوم أو بعد وقت قليل منه. في أعقاب ذلك، حظّرت شركتا "فيسبوك" و"تويتر"، ومنصّات كبيرة أخرى، حسابات ترامب والحركات المتطرّفة الضالعة في أعمال الشغب، إلا أنه حسب المعلومات الجديدة، التي كُشفت أمس الجمعة، فإن موظفين في المجموعة يعتبرون أنه كان بالإمكان استباق المشكلة. رحلة كارول إلى كيو أنون هذه المعلومات مقتطفة من آلاف الوثائق الداخلية التي سلّمتها فرانسيس هوغن إلى هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية. مطلع أكتوبر، جدّدت المعنية التأكيد أمام أعضاء في مجلس الشيوخ أن مسؤولي الشركة، وعلى رأسهم مارك زاكربرغ، "يفضّلون الربح المادي على سلامة" مستخدميهم؛ وكانت سرّبت في وقت سابق دراسات تُظهر أن "فيسبوك" على دراية بالمشاكل النفسية التي تعاني منها المراهقات اللواتي يتعرّضن لكمّ هائل من المحتويات عن حياة وأجساد مستخدمات مؤثّرات لتطبيق إنستغرام تبدو "مثالية". إنه الخطّ الأحمر لهذه المعلومات: فقد كان عملاق وسائل التواصل الاجتماعي على علم بالمشاكل، لكنه اختار تجاهل قسم كبير منها، حسب المبلّغة ومصادر أخرى مجهولة. وتتحدث المقالات التي نُشرت الجمعة أيضاً عن تقرير بعنوان "رحلة كارول إلى كيو أنون". وكان حساب باسم كارول سميث، يدّعي أنه يعود ل"أمّ محافظة من كارولاينا الشمالية"، زائفاً خلقه باحث تقاضى أجراً من "فيسبوك" مقابل دراسة دور المنصّة في استقطاب مستخدمين. وحسب هذا الباحث فإن كارول سميث، واعتباراً من صيف 2019، تعرّضت من خوارزميات موقع التواصل ل"سيل من المحتويات المتطرّفة والمؤيدة لنظرية المؤامرة والصادمة"، بينها مضامين نشرتها مجموعات حركة "كيو أنون". محاولات للدفاع في مواجهة موجة الانتقادات هذه، نشرت "فيسبوك" بياناً تذكر فيه باستثماراتها الكبيرة لجعل منصّاتها مساحة آمنة ودعم الآلية الديمقراطية. وقال نائب رئيس المجموعة المكلّف بالسلامة المدنية، غي روسن، إن "مسؤولية التمرّد تقع على عاتق الذين خالفوا القانون والذين حرّضوهم على ذلك". ولدى هذه الحجج فرص قليلة لإقناع المسؤولين الذين طفح كيلهم من موقع التواصل الاجتماعي. وكشف المعلومات مستمرّ؛ إذ يستعدّ كونسورتيوم مؤلّف من عشر مؤسسات صحافية، بينها شبكة "سي ان ان" وصحيفة لوموند الفرنسية، لنشر مقالات مبنية على هذه الوثائق، حسب موقع "ذي إنفورميشين" المتخصص. وظهر مبلّغ جديد، حسب مقال نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الجمعة، وهو عضو سابق في فريق السلامة المدنية للشركة، وأدلى بأقواله أمام هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية في 13 أكتوبر، واتّهم "فيسبوك" بتفضيل الأرباح على المسائل الإنسانية. في هذه الوثيقة، يتحدث الموظف السابق في الشركة، خصوصا، عن تصريحات أُدلي بها سنة 2017، عندما كانت الشركة تقرر ما هي الطريقة الأفضل لإدارة الجدل المرتبط بتدخّل روسيا في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، التي أجريت عام 2016، من خلال منصّتها. وقال العضو في فريق الاتصال لشركة "فيسبوك" تاكر باوندز آنذاك: "سيكون ذلك حدثاً عابراً .. سيعترض مسؤولون، وفي غضون بضعة أسابيع سينتقلون إلى موضوع آخر. في الانتظار، نطبع أوراقاً نقدية في الطابق السفلي وكل شيء يجري على ما يرام". وحسب واشنطن بوست فإن المبلّغ الثاني يؤكد في إفادته أن قادة "فيسبوك" يقوّضون بشكل منتظم جهود مكافحة المعلومات المضللة وخطابات الكراهية خوفاً من إثارة غضب دونالد ترامب وحلفائه، وكي لا يخاطروا بخسارة اهتمام مستخدمين أساسيين لتحقيق الأرباح الضخمة.