في شهر رمضان المبارك لهذه السنة، شغل الرأي العام المغربي أربع قضايا حظيت بالنقاش والسجال والجدال على نطاق واسع. القضية الأولى تمثلت في المحاكمة السريعة للمدون المغربي الشاب محمد الراجي والزج به في السجن في وقت قياسي على خلفية مقال نشره على موقع هسبريس، بخصوص الهبات الملكية ( لا كريمات ) التي اعتبرها من أسباب نشر ثقافة الاتكالية بين المغاربة، فاعتبر ذلك من طرف المعنيين بالأمر إخلال بالاحترام الواجب للملك، فكان ما كان من أحداث دراماتيكية كادت أن تأتي على ما تبقى من ماء وجه القضاء المغربي، ومواقفه من حرية الرأي والتعبير، لو لم يتم تدارك الأمر في آخر المطاف بأن تم رد الحق لأصحابه، بعد احتجاجات الرأي العام الحقوقي الوطني والدولي. "" القضية الثانية تجلت في إطلاق النار الذي تعرض رجل الأمن أثناء تأديته واجبه من طرف حسن اليعقوبي أحد أصهار العائلة الملكية في واضحة النهار وفق سناريو يذكر بعهود الإقطاع في الزمن الغابر، حيث يأتي السيد على قتل او تعذيب أحد أفراد الشعب، ولو كان احد حراسه والساهرين على أمنه وسلامته، لمجرد أن يعترض طريقه بكلام أو فعل يخلف لدى ذلك السيد أن كرامته قد امتهنت جراء ذلك الاعتراض، وكأن الكرامة الانسانية هي حكر على نوع من البشر دون باقي عباد الله. فعملية إطلاق النار ثمت وكأننا في دولة بعيدة كل البعد عن دولة الحق والقانون، المسئولة عن حفظ كرامة كل مواطنيها بغض النظر عن أي تراتبية اجتماعية او اقتصادية أو سياسية لأفرادها. القضية الثالثة، كانت عبارة عن قرار صدر عن مديرية السجون القاضي بمنع ارتداء اللباس الشرعي عن موظفاتها، مدعية أن ذلك يدخل في إطار خلق جو الانضباط والتصحيح، جراء التسيب الذي تعرفه إدارة السجون، وكأن الموظفات المحجبات كن المسؤولات عن الانفلاتات الخطيرة التي عرفتها إدارة السجون، والفرار المتكرر لنزلائها أمام مرأى ومسمع مسئوليها وحراسها، رغم كثرة وسائل الإخضاع والمراقبة التي تحت تصرفها. لا شك ان ذلك القرار يعد حيفا وتمييزا سافرا ضد فئة من المغاربة اللواتي اخترن اللباس الشرعي، طاعة لأمر الله ورسوله، أثناء تأدية واجباتهم المهنية والوظيفية داخل أسلاك الدولة المختلفة. كما يعد خرقا واضحا للدستور الذي ينص في فصله 19 بأن الملك هو أمير المؤمنين، بمعنى والمؤمنات أيضا، وحامي حمى الملة والدين. فيكف يتصور لباس المرأة المؤمنة وهي تؤدي احد واجباتها الوظيفية لخدمة وطنها؟ هل " بالميني جيب " أم " بالبيكيني"؟ أترك الجواب للعقلاء من أبناء هذا الوطن، وكذا لمن فشلوا في ضبط سلوكيات نزلاء إدارة السجون، الذين عوض أن يتسلحوا بالتجهيزات الحديثة والمتطورة لضبط الأوضاع المنفلتة داخل إدارتهم، عمدوا إلى التعدي على احد رموز الأمة وثوابتها ألا وهو اللباس الشرعي للمسلمات، إنه التجني على هذا الدين يأتي حتى ممن يفترض فيهم الذود عن حياضه والدفاع عن كرامة أهله. القضية الرابعة، التي شغلت أيضا الرأي العام الوطني وحظيت بتغطية إعلامية واسعة أيضا، غير أنه تم توظيفها سياسيا إلى بعد مدى من قبل جهات لها المصلحة في ذلك، خلافا للقضايا الثلاث التي أشرنا إليها، تمثلت في الرأي "الفقهي" أو" التفسيري" أو" الفتوى "، على اختلاف التسميات التي يطلقها عليها هذا الطرف أو ذاك، للآية الرابعة من سورة الطلاق: ( واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن ...) الآية. بغض النظر عن مدى خطأ أو صحة التنزيل الزمني الذي أتى في ثنايا التفسير، أو الرأي الفقهي للشيخ محمد بن عبد الرحمن المغراوي، لتغير ظروف الناس في عصرنا الحديث بخصوص سن الزواج، فإن الآية القرآنية أتت لبيان عدة من لم يحضن من النساء بعد، وهن متزوجات، ويطلقن فما هي عدتهن؟ فأوضحت الآية الكريمة أنها ثلاث أشهر، بخلاف المطلقات اللواتي يحضن من النساء فعدتهن ثلاثة قروء، كما أوضحت الآية الكريمة من سورة البقرة. الملاحظ انه في هذه الواقعة، وبعد تحريك لها من قبل جهات و أدوات علمانية محسوبة على التيار العلماني في هذا الوطن، تدخل المجلس العلمي الأعلى للملكة الشريفة على الخط، ليصدر بيانا في حق الشيخ المغراوي ورأيه الفقهي التفسيري، بيانا أقل ما يقال عنه انه أتى بكل الشيء ما خلا ذلك التوضيح العلمي الذي كان ينتظره المغاربة ليعرفوا الرأي الفقهي القويم او التفسير الصحيح للآية الكريمة، ليرد بالحجة والدليل على ما جاء في الموقع الالكتروني للشيخ المغراوي، وهذا ما أشار إليه أكثر من منبر إعلامي وطني ، انظر صحيفتي التجديد والمساء ليوم 25 شتنبر 2009. الخيط الرابط بين القضايا الأربع المشار إليها، والتي شغلت الرأي العام الوطني بامتياز طيلة شهر رمضان المبارك، ومعه المتتبعين لمجريات المغرب من الخارج، هو دور المجلس العلمي الأعلى في المملكة اتجاه القضايا الحساسة التي يعرفها هذا الوطن. لماذا فضل مجلسنا العلمي الأعلى السكوت في ثلاث قضايا على نفس الأهمية، كما يرى البعض، التي لموضوع زواج الصغيرة، في حين اختار الخروج الإعلامي في قضية الشيخ المغراوي؟؟؟. هل لأن الأمر له دوافع سياسية، أم هو تعبير عن الدور المنوط بالمجالس العلمية للمملكة ؟، إذ يمنع عليها التحدث في القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية الحساسة، في حين يرخص لها الحديث في قضايا الحيض والنفاس والطلاق والزواج والإرث، كما كان شأن برنامج ركن المفتي الذي كان يذاع على القناة التلفزية الوطنية في الزمن الذي ولى ؟، أبهذا سنتمكن من إعادة تأهيل الحقل الديني بالمغرب؟. هذا مجرد تساؤل بسيط لا يراد منه التدخل في شؤون المجالس العلمية، حتى لا يساء فهمي وتعمل لي قضية وتهمة أنا أيضا، في زمن تسارعت فيها سرعة التهم الموجهة لكل من يعبر عن رأي مستقل عن الجهات الرسمية في هذا الوطن الحبيب. الكيل بمكيالين كان واضح في موقف المجلس العلمي الأعلى، حيث سكت في ثلاث قضايا، اثنان منها لا يزال مداد الصحافة الوطنية يسيل بخصوصها وهي قضية إطلاق النار على موظف الأمن أثناء تأدية مهامه، وكذا قضية الحجاب في مديرية السجون المغربية، في حين تكلم في قضية الشيخ المغراوي وما تبع ذلك من منع لجمعيته الرئيسية لتعليم وتحفيظ القرأن الكريم بمراكش، وباقي الجمعيات الفرعية التابعة لها، وإقفال لدور القرآن المرتبطة بها، وحجب للموقع الالكتروني للجمعية، وما ترتب عن ذلك من تحريك للمسطرة القضائية من قبل النيابة العامة ضد الشيخ بتهمة الإفتاء بدون ترخيص، وزعزعة ثوابت الأمة. العديد من المتتبعين يرون أن هذه الخطوة التي أقدمت عليها السلطات المغربية في قضية الشيخ المغراوي، ضرب للاتجاه السلفي العلمي المنتشر في المغرب، الذي نأى بنفسه عن خيار العنف والتعصب، بل تشهد له أطراف عديدة بدوره في الوقوف اتجاه دعاة التكفير والهجرة و أصحاب التخريب والتفجير، فكانت له منازلات علمية ومحاجات ميدانية للرد على أصحاب الفكر التكفيري المتطرف، ناهيك عن التصدي للتيارات المنحرفة والضالة التي تروم فتنة المغاربة عن دينهم الإسلامي الحنيف من تنصير وغيره.