يبدو أنه لم يكن أمام جبهة البوليساريو اليوم إلا أن تقلص تمثيليتها الدبلوماسية بالاتحاد الأوربي بسبب انخفاض عائدات المساعدات المالية التي كانت تجنيها الجبهة من بيع المساعدات الغذائية في منطقة الساحل والصحراء. ولأن الإتحاد الأوربي المرهق بأزمة اقتصادية داخلية قد أعاد ضبط مساعداته المالية للجماعات المعارضة حرصا على ارتمائها في أحضان الإرهاب. ومهما تكن وجاهة الأسباب المشار إليها أعلاه إلا أن ذلك لا ينفي وجود سبب آخر أكثر وجاهة من سابقيه، وهو الذي يرتبط بمسائل أخلاقية تطرح علامات استفهام حول طبيعة التمويل والاحتضان الذي يقوم به الإتحاد الأوربي لجبهة البوليساريو. فعلى أساس تقدم عدد من دول الإتحاد الأوربي دعما ماليا وسياسيا للجبهة فهل كدولة أو تنظيم معارض أو حزب ...؟. إن مثيل هذه الأسئلة الأخلاقية تجد مشروعيتها بحكم صفة الوضع المتقدم الذي يجمعه مع المغرب المعني الأول بمعرفة مبررات الدعم الأوربي للجبهة البوليساريو، وصفته بين الدعم المالي أو دعم في المواد الغذائية لكن من خلال منظمة غوث اللاجئين. وعليه، فإن تقليص التمثيل الدبلوماسي للبوليساريو في القارة الأوربية يعود فضلا عن الأزمة الإقتصادية إلى الالتزام بالتعهدات الأخلاقية تجاه شريكه الإستراتيجي المغرب. كما أن جبهة البوليساريو تعد تنظيما بلا هوية ذاتية ولذلك لا يمكن الوثوق في طريقة تدبير المساعدات الأوربية داخل المخيمات، حيث تورط في العديد من العلاقات الشائكة مع الجماعات المسلحة في الصحراء ومن ذلك ضلوع أعضائها في الاتجار بالمخدرات والسلاح والمواد الغذائية الممنوحة للمحتجزين في مخيمات تندوف. وإذا كانت مؤشرات بداية تراجع النشاط الدبلوماسي بسبب انحسار الدعم المالي الأوربي لجبهة البوليساريو ليس نتاج اليوم بل سبقها تقليص شامل في لائحة التمثيل الدبلوماسي قبل سنة، وكان أن تأخر إصدار قيادة البوليساريو لائحة التمثيل الدبلوماسي في عواصم أوربية كثيرة. وهو ما عد حينها أحد مؤشرات بؤس العمل الدبلوماسي للجهة على مستوى الرؤية والاستراتيجية والأهداف وأخيرا الإمكانيات والوسائل. إن تهلهل استراتيجية البوليساريو الدبلوماسية، شكلت أحد أسباب إحاطة تعينات المسؤولين الجدد في سلك دبلوماسيتها بالكثير من الغموض والالتباس، حيث تسابقت قيادات البوليساريو على التمثيل الدبلوماسي بإسبانيا ذات العائد المالي الكبير (واحد من مؤشرات الافلاس السياسي للجبهة)، وقد نشب إثر ذلك صراعات من أجل ضمان التمثيل في مكتب منطقة "بلاد الباسك" الذي يحظى بامتيازات مالية وسياسية مهمة. وإذ تتقهقر دبلوماسية البوليساريو مستقبليا كميا ونوعيا، فإن انهيار أدائها الدبلوماسي المرتقب ستتحمله دبلوماسية الجزائرية بل وتوضعه عبر دبلوماسية مزدوجة. لكن ذلك قد لا تتعدى الفضاء التقليدي الذي يقبل بالأطروحة الانفصالية لجبهة البوليساريو لاسيما في الدول الإفريقية وأجزاء من دول أمريكا اللاتينية، المتحكم في قراراها السياسي عبر البترودولار الجزائري. إن تقليص التمثيل الدبلوماسي بأوربا سيجعل من الصراع الدبلوماسي مقتصرة على المغرب والجزائر داخل مؤسسات الاتحاد الأوربي والأمم المتحدة. حيث ستتوضح دوليا أن قضية الصحراء لا تعدو أن تكون بؤرة الصراع الإقليمي الحاد بين المغرب والجزائر على قيادة المنطقة المغاربية وضمان النفوذ في منطقة الساحل والصحراء. والأكيد أن المغرب قد بدأ حملة تمدده الجيوسياسي افريقيا من خلال دولة مالي الاتي ظلت فضاء للمخابرات الجزائرية، وقد فشلت في الحفاظ على استقراره، وينظر اليوم إلى المغرب كأحد الدول التي يمكنها ان تسهم في أمن ووحدة مالي من خلال مشاريع إنسانية تسند بالمرجعية الدينية التي تجد عمقها من زوايا المملكة المغربية. وترى فرنسا في المغرب أحد الأذرع الفعال لرفع كلفة أمن واستقرار مالي، وبالتالي الحفاظ على مجالها الحيوي إقتصاديا وذلك من خلال تعزيز شراكاتها الاستثمارية بمالي مع القطاع الخاص المغربي.