أثار إعفاء نبيلة الرميلي من مهامها الوزارية داخل قطاع الصحة والحماية الاجتماعية بسبب "رغبتها" في التفرغ لعمودية الدارالبيضاء جدلا كبيرا في الوسط السياسي؛ لكنه أعاد أهمية تسيير المجالس الجماعية الكبرى إلى واجهة النقاش العام. وتأتي الدارالبيضاء في طليعة المجالس الجماعية الكبرى بالمغرب، نظرا إلى مساحتها الجغرافية وكثافتها السكانية التي تطرح تحديات متعددة على المسؤولين المحليين، خاصة في ظل الجائحة التي فاقمت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للشغيلة. وأثنت فعاليات تنهل من مشارب مختلفة على القرار الملكي، اعتبارا لطبيعة الرهانات المنتظرة من المجلس الجماعي الحالي؛ ما يتطلب ضرورة التفرغ لتسيير أكبر تجمع اقتصادي بالبلد، يرتقب أن يضطلع بأدوار رئيسة في النموذج التنموي الجديد للمملكة المغربية. 1 أوراش كبرى ما زالت العديد من أوراش تطوير وتجديد البنيات التحتية قيد التنفيذ بمدينة الدارالبيضاء؛ بينما تنتظر أوراش مستعجلة المجلس الجماعي الحالي الذي تترأسه نبيلة الرميلي، لا سيما ما يتعلق بالنقل والجولان، بفعل الشكاوى المتتالية للسكان من الازدحام في أوقات الذروة. يونس فراشين، المنسق الوطني للجبهة الاجتماعية المغربية، أفاد بأن "إعفاء الرميلي مطلوب؛ بالنظر إلى حجم الرهانات المطروحة على المجلس الحالي"، مؤكدا أن "التحديات الأساسية تتعلق بالأوراش المفتوحة على مستوى البنيات التحتية، وتدبير مشاكل مياه الفيضانات، وإخراج بعض المشاريع المتأخرة إلى حيز الوجود". 2 تنمية محلية تسبب الطارئ الصحي في تدهور مستويات المعيشة لدى فئات كثيرة، نتيجة قرارات الإغلاق التي تتخذها الحكومة بين الفينة والأخرى للسيطرة على تفشي "كوفيد-19′′؛ غير أن الإغلاق الجزئي المتكرر أدى إلى مفاقمة الأوضاع الاجتماعية ل"الأسر البيضاوية". مهدي ليمينة، فاعل مدني متتبع للشأن المحلي بالمدينة، قال إن "الدارالبيضاء تحتاج إلى سياسة مندمجة من شأنها إنعاش القطب الاقتصادي، الذي يساهم بنسبة كبيرة في الناتج الداخلي الخام. وبالتالي، التخفيف من حدة الفوارق الاجتماعية والمجالية التي عمقتها الجائحة". 3 نجاعة تسييرية لطالما كانت العاصمة الاقتصادية للمملكة محل انتقادات كثيرة، بفعل الاختلالات التي ترافق السياسات العمومية التي رسمت ملامحها المجالس الجماعية السابقة، وهو ما رصدته جل التقارير الرسمية خلال العقود الماضية؛ ما يتطلب إلزامية الاشتغال على تحسين نجاعة البرامج الترابية. وبشأن ذلك، أوضح علي بوطوالة، الكاتب العام لحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، في تصريح لهسبريس، أن "مدينة في حجم الدارالبيضاء تحتاج بالتأكيد إلى التفرغ الكامل وكذا الكفاءة الإدارية المطلوبة لتدبير شؤونها، إثر المشاكل والاختلالات العويصة التي تعانيها منذ سنوات عديدة، في الوقت الذي ينبغي فيه أن تكون عمودية نموذجية في التسيير". 4 تحديات شائكة لم تتفاعل وزارة الداخلية مع دعوات الرأي العام إلى منع الجمع بين الاستوزار ورئاسة الجماعات الترابية، لا سيما المجالس الجماعية الكبرى على الأقل، بما في ذلك مدن الدارالبيضاء والرباط وطنجة وفاس ومكناس ومراكش وأكادير، سعيا إلى إحقاق الحكامة الترابية ومواجهة التحديات المحلية. وبالنسبة إلى مصطفى الشناوي، نائب برلماني سابق عن فيدرالية اليسار الديمقراطي بدائرة "أنفا"، فإن الجمع بين مسؤوليات كبرى أمر صعب؛ ما يتطلب، حسبه، توسيع حالات التنافي لتشمل رئاسة الجماعات الترابية وتقلد المناصب الوزارية، معللا ذلك ب"التحديات الاقتصادية والصحية والاجتماعية الكائنة بالمدن الكبرى". 5 انتظارات السكان ساهمت الحملة الافتراضية التي تزعمتها فعاليات سياسية ومدنية معروفة بالدارالبيضاء في التسريع بإعفاء نبيلة الرميلي من المنصب الوزاري؛ وهو القرار الذي خلف صدى إيجابيا عند المواطنين الذين ينتظرون مواصلة مسار التنمية الاقتصادية بالمدينة. وتعليقا على ذلك، أورد علي لطفي، الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للشغل، أنه "من الصعب إصلاح المنظومة الصحية المهترئة وتدبير الشأن المحلي لأكبر مدينة بالمغرب؛ لأن نبيلة الرميلي مسؤولة عن تدبير شؤون مدينة من حجم دولة، لها مقومات دولة داخل دولة بقطبها المالي والصناعي وعواملها الديمغرافية والوبائية واللوجستيكية، ومشاكلها المعقدة والمتشابكة". 6 بريق اقتصادي آمال كثيرة يعقدها سكان الدارالبيضاء على المجلس الجماعي الراهن لتخفيف انعكاسات الجائحة على الأسر، لا سيما من الناحية الاقتصادية في ظل توقف عجلة التنمية منذ بروز فيروس "كورونا" المستجد؛ وهو ما يستدعي أولوية إرجاع البريق الاقتصادي إلى المدينة. وفي هذا الصدد، أكد عبد الإله الخضري، رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، أنه "لا يمكن الجمع بين منصب وزير في الحكومة ورئيس أكبر مجلس جماعي بالمغرب، خاصة عندما يتعلق الأمر بالقلب النابض للاقتصاد الذي يحتاج إلى العناية به، والعمل على استرجاع حيويته، عبر مواصلة تنفيذ الأوراش المفتوحة والاشتغال بشكل مشترك مع مختلف الجهات لمعالجة الاختلالات الحالية". 7 حكامة بيئية إشكالية كبرى تؤرق القطب المالي للمملكة يمكن تلخيصها في التلوث بمختلف أصنافه؛ وهو ما نبهت إليه تقارير بيئية وطنية وأجنبية على مدار السنوات الأخيرة، على خلفية المنشورات الإعلامية والشكايات الإدارية المتعلقة بالمطارح العشوائية وبناء المصانع بالقرب من المساكن والتمدد العمراني وقلة المساحات الخضراء. وعلق مهدي ليمينة، فاعل مدني مهتم بالشأن البيئي، على هذه الإشكالية بالقول لجريدة هسبريس الإلكترونية إن "التلوث معضلة تؤرق سكان الدارالبيضاء، لا سيما ببعض الأحياء على وجه التحديد، إثر تفشي مطارح النفايات العشوائي وارتفاع مستوى التلوث الهوائي، والهجوم الإسمنتي على المساحات الخضراء". 8 وزارة البيضاء الكبرى تأتي مشروعية مطلب الرأي العام بخصوص إقالة نبيلة الرميلي من منصبها الوزاري من الثقل المالي والديمغرافي لمدينة من حجم الدارالبيضاء، ما يجعها في وضعية استثنائية تتطلب الانكباب على تدبير شؤونها؛ الأمر الذي دفع فعاليات محلية إلى الدعوة إلى إحداث وزارة خاصة بالمدينة بشكل مؤقت إلى حين النهوض بمشاكلها على غرار ما وقع بالعاصمة باريس، لما استحدثت الحكومة الفرنسية وزارة منتدبة مخصصة لتنمية منطقة باريس الكبرى. وعاد ليمينة إلى الحديث عن هذه النقطة بتأكيده على أن "المدينة لا تحتاج فقط إلى تفرغ إداري لتسيير شؤونها المحلية؛ بل يجب التفاعل مع مطالب المواطنين بخصوص إحداث قطاع وزاري خاص بالدارالبيضاء على غرار ما وقع بباريس قبيل سنوات، حيث ضخت حكومة فرنسا مليارات كثيرة في ميزانية عاصمة الأنوار". 9 الطارئ الصحي مبرر آخر ساقته الهيئات السياسية والمدنية للمطالبة بإعفاء نبيلة الرميلي من منصب وزيرة الصحة والحماية الاجتماعية إبان الحملة الرقمية، يتمثل في الخصوصية الصحية التي تعرفها مدينة الدارالبيضاء في زمن الجائحة العالمية، بسبب طبيعة الكتلة الديمغرافية التي تفضي إلى ارتفاع المؤشرات الوبائية. وتتبوأ الدارالبيضاء صدارة الجهات من حيث أعداد الإصابات والوفيات في أغلب الأحايين؛ ما دفع القوات المسلحة الملكية إلى إحداث مستشفيات ميدانية، بمعية وزارة الصحة بنفسها، للسيطرة على انتشار فيروس "كوفيد-19" أثناء الفترات الحرجة، وهو الدافع الصحي الإستراتيجي الذي يستدل به كثيرون لتبرير عدم الجمع بين رئاسة مجلس الدارالبيضاء وتقلد منصب وزارة الصحة والحماية الاجتماعية.