خطاب مهم و منطقي ينتقد التعليم العمومي يليه مباشرة ارتفاع مهول في ثمن التعليم الخصوصي، و السؤال الذي تطرحه بعض العقول هو: ما هذا الورش...؟ لمّا يقرّ خطاب مهم و صريح بفشل التعليم العمومي، فهذا يعني، حسب بعض العقول، أن كل من يحب أبناءه لا يمكن أن يتركهم عرضة للضياع و لا بد له أن يسجلهم في المدارس الخصوصية و لو على حساب قوته اليومي. خلاصة: الطبقة المتوسطة أصبحت فقيرة، و بحكم المديونية التي أضحت تتخبط فيها فستكون مفلسة تماما عما قريب، و السبب: المدارس الخصوصية خاصّة. كيف يمكن لأصحاب بعض المدارس الخصوصية أن يقرّروا فجأة الزيادة في أسعار التمدرس بعشرين أو ثلاثين في المائة دون حسيب و لا رقيب، علما أن الآباء في وضعية الرهينة الضعيفة التي يمكن ابتزازها بأبشع الطرق لأن الدولة لا تحمي المستضعفين. فهل تمت مضاعفة أجور المعلمين و الأساتذة في المدارس الخصوصية مثلا...؟ لا بطبيعة الحال. فلماذا يفرض إذا أصحاب المدارس الخصوصية زيادات صاروخية كلما أرادوا أموالا طائلة إضافية و كأننا في "غابة الابتزاز" يبتز فيها القوي الضعيف دون مواجهته، و يا للجبن المقزز... فلو كنا في غابة طبيعية لكان حالنا أفضل، لأن في الغابة الطبيعية القانون واضح: القوي يأكل الضعيف بعد عراك و مواجهة قانونية أساسها الشجاعة وفقا لقانون الغابة الطبيعية. و يقولون أنه اقتصاد السوق، و ما هو باقتصاد السوق، بل هو ابتزاز من طرف أصحاب سوق متخلّف. ابتزاز جبان لأن الآباء الجبناء، -و كلنا جبناء-، لا حيلة لهم و لا قدرة لهم على المواجهة و رفض ارتفاع ثمن التعليم الخصوصي حسب مزاجية أصحاب المدارس الخصوصية الأثرياء. الوضعية كالتالي: جبناء يبتزون جبناء. الجبناء الأوّلون هم أصحاب بعض المدارس الخصوصية الذين يفرضون زيادات صاروخية مفاجئة مستغلين سقوط التعليم العمومي. و الجبناء الآخرون هم الآباء لأنهم لا يقولون "لا" لهذا الابتزاز الفظيع. لا نقاش في مسألة جودة التعليم الخصوصي مقارنة مع التعليم العمومي الذي تم إضعافه ثم إسقاطه. و لكن هل يجوز، مثلا، لصاحب المخبزة الوحيدة في قرية ما أن يقرر تحديد ثمن الخبزة الواحدة بخمسة مائة دينارا في إطار "اقتصاد السوق" في الجزيرة العجيبة الغريبة الأعجوبة المعزولة...؟ أين الدولة و أين الوزارة و أين النظام؟ النظام أمر ضروري، و ذلك لأن تنظيم القطاعات يضمن وقف الجشع عند حد "مقبول"... صحيح، الجشع في حد ذاته غير مقبول ولكن نظرا لدرجة الهوان في الجزيرة...، فلقد صار الحديث عن "الجشع المقبول" و "الجشع الغير مقبول"... أيها الناس، لقد بلغ الجشع لدى بعض أصحاب المدارس الخصوصية حدودا فرعونية تماما و بالتالي وجب دق ناقوس الخطر. سيداتي سادتي، إنما جيوب الطبقة الوسطى لها حدود، و ليس من الطبقة الوسطى كل مستفيد من اقتصاد الريع و لو كان مدخوله متوسطا، و ذلك لأن ليس من حق هذا الأخير أن يقول "لا" لأي شيء، و هذا أمر مفهوم مفهوم... ولكن المواظبة على "تفقير" الطبقة الوسطى الحقيقية، - و ذلك بتركها رهينة جشع بعض أصحاب المدارس الخصوصية، و هو جشع لا يصفه الواصفون...-، من شأنها أن تقلب كل السياسات العمومية و كل المخططات رأسا على عقب... أما المراهنة على جبن آباء و أولياء تلاميذ المدارس الخصوصية الأسطوري فهذا خطأ، لأن بمجرد أن يزجّ بهؤلاء الآباء في خانة الفقراء ستتغير وجهة نظرهم تجاه الكثير من الأمور... مديونية أولياء أمور تلاميذ المدارس الخصوصية تقترب من الباب المسدود. كل سنة قرض من أجل الدخول المدرسي، زائد قرض من أجل العطلة الصيفية، و آخر من أجل العيد إلى آخره...، و الناس يدبرون أمورهم كما اتفق و لا بأس... ولكن الزيادات المتتالية الفرعونية المزاجية غير المبررة بتاتا في ثمن خدمات التعليم الخصوصي هذه المرة من شأنها أن تقضي على كل شيء... ويقولون أنّ ما على آباء التلاميذ سوى الكف على الإنفاق في الكماليات حتى يستطيعوا الأداء في شبابيك بعض المدارس الخصوصية الفتاكة المفترسة. يقولون أن شراء عطلة صيفية، مثلا، ما هو إلا تبذير فظيع بالنسبة للمنتمين للطبقة الوسطى الذين ما عليهم سوى قضاء فصل الصيف الحارق في انتظار الدخول المدرسي للهرولة إلى شبابيك بعض المدارس الخصوصية الفتاكة المفترسة لإرضاء أصحابها حتى لا يكون مصير أبنائهم الضياع... سيداتي سادتي، من المستحسن أن تتم معالجة طغيان بعض المدارس الخصوصية و ذلك بوضع قوانين معقولة حتى لا يضطر أحدهم لرسم صورة كاملة على كل ما يخص التعليم الخصوصي... ...، مما سيزيد في تعاسة سكان البلد الحبيب... فالجهل في بعض الأحيان رحمة و نعمة...؟ الحزب الذي يعد بالعدالة و التنمية قام بأشياء جد مهمة تم توثيقها في الرواية الأدبية الإبداعية...، و لقد أوشك هذا الحزب على وضع البلد على سكة الطريق الصحيح. ففي مجال الصحة مثلا، مبادرات و قرارات جريئة متزنة صائبة أعادت بعض الأمل إلى نفوس الناس، و لو أن الخدمات الصحية ما زالت متخلفة في البلد الحبيب، فشكرا للوزير التقدميّ الاشتراكي الذي رضي عنه فخامة السيد الرئيس الحكوميّ البطل الشهم و مكّنه من وزارة الصحة. في مجال القضاء أيضا لا يمكننا إلا أن نشكر فخامته السيد الوزير القضائيّ المنتمي إلى الحزب الذي يعد بالعدالة و التنمية الذي وضع ميثاقا متقدما لإصلاح القضاء... أما في مجال التعليم، فلا يمكن إلا أن يتشبث الناس بالوزير المستقل عن استقلال ما بعد "انقلاب العزيزية"...، رغم بعض المؤاخذات البسيطة، لمجرد أن فخامة السيد الرئيس الحكومي رضي عنه و مكّنه من وزارة التعليم، و لا ننسى أبدا أن الوزير المستقل وضع أو أوشك على وضع حد لاستغلال كفاءات التعليم العمومي ظلما و عدوانا لصالح التعليم الخصوصي... الوصية إذا أن يتابع السيد الوزير المستقل عن استقلال ما بعد "انقلاب العزيزية" عمله لأن لا يمكن تغير التغيير كل سنتين... ... و تحية لكل المدارس الخصوصية التي تنهج السبيل الصحيح في التربية و التعليم و التي لم تقرر أي زيادة في أسعارها هذه السنة رغم الفرصة السانحة مع غياب القوانين المنظمة في هذا الشأن... أما نصيحة الرجل الحكيم فهي: لا تشكروا جهرا المدارس الخصوصية و لو كانت جيدة لأنها سرعان ما تترجم شكركم إلى زيادات مهولة في أسعارها... بلاغ من قيادة الرواية الأدبية الإبداعية الخيالية المحضة... : يتمنى راوي الرواية أن تتم معالجة مسألة جشع بعض أصحاب المدارس الخصوصية حتى لا يكون للحديث بقية...، مما سيزيد من تعاسة سكان الجزيرة العجيبة الغريبة الأعجوبة المعزولة... فالجهل في بعض الأحيان رحمة و نعمة...؟ و الله أعلم.