لا نبالغ إذا قلنا إن بلادنا تمر بأزمة اقتصادية ومعيشية خانقة، تساهم في تدمير الحياة الاجتماعية والاقتصادية لقطاعات واسعة من الشعب المغربي خفية. تأكيدا، إذا لم يتدارك القائمون على الأمور هذه الحالة النشاز المعقدة بكل ما تقتضيه من جدية وما تتطلبه من مسؤولية، في إطار البحث عن حلول ناجعة لها فسنشهد لا محالة مزيدا من التدهور والاندحار على المستويين الاقتصادي والاجتماعي. "" حاليا الجميع يعاين تحطيما متسارعا للقدرة الشرائية لأوسع فئات ساكنة المغرب وتدهورا متزايدا للأوضاع الحياتية على مختلف نواحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. خلال السنتين الفارطتين تصاعدت أسعار المواد الضرورية التي يعتمد عليها المواطن ذي الدخل المحدود في منظومته الاستهلاكية، هذا في وقت مازال كاهله مثقلا بضرائب لم يعد يقوى على تحملها وموازاة مع كل هذا عرفت فواتير الكهرباء والماء ارتفاعا لم يسبق أن عاينته البلاد من قبل، وهذا بالرغم من معاناتها من البطالة وضآلة دخل العديد من المغاربة. تدعي أبواق السلطة الإعلامية وبعض خبرائها الاقتصاديين أن الأزمة الحالية ناشئة أساسا من عوامل خارجية طارئة، لكنهم لم يكشفوا أن الدولة ألقت بأعباء هذه الأزمة بشكل خاص على كاهل المواطنين ذوي الدخل المحدود وعلى الفئات الصغرى والمتوسطة، التي يعيش معظمها على تخوم مستوى الفقر، كما أنهم لم يشيروا إلى عدم اتخاذ التدابير المناسبة من أجل تحقيق العدالة وتوزيع الأعباء على جميع الفقراء منهم وكذا الأغنياء. في الواقع، إن السلطة في بلادنا حاليا أصبحت عاجزة عن إيجاد الحلول الناجعة لأزمتنا الوقتية وعن مواجهة الظواهر الشاذة في اقتصادنا الوطني بفعل أن أصحاب النفوذ ومراكز القوى يرعون مافيات الفساد والتهريب التي وصل نفوذها إلى أعلى مستويات الدولة، والآن وقد تقوت هذه المافيات، أضحى دورها الاقتصادي يتسع، وموازاة مع هذا الاتساع يتدنى مستوى حياة أوسع الفئات وتتعمق دوائر الفقر إلى درجة تحطيم الطبقة الوسطى، في وقت ظل أقل من 10 بالمائة من ساكنة المغرب يتحكمون في مصادر الثروة ومفاتيح الاقتصاد المغربي وبالتالي في مصير مجتمع بكامله. على العموم، في مواجهة الهم الخارجي، قد تبدو صفوف المغاربة متقاربة إلى حد التوحد. فالجميع قد يكون في خندق واحد إلا أن هذا الخندق يوحد تحديات داخلية أضحت تمس القوت اليومي لذا فما يسمى ب "الإجماع الوطني" بخصوص بعض القضايا الكبرى، قد يشوبه التصدع، لأنه عندما تصل "الشوكة للعظم" تراجع كل الحسابات، وهنا يكمن الخطر، ما دام واضحا ومؤكدا، أن الأوضاع تسير المزيد من تردي الأحوال، المتزامن مع تنامي وتيرة الاحتجاجات، في وقت يتوفر المغرب على ما يكفي من أجل حياة كريمة ولائقة لكل مغربي .. فأين تذهب مداخيل الفوسفاط ومشتقاته؟ وأين تبخرت عائدات ممتلكات الشعب في سوق الخوصصة؟ وأين هي الثروات البحرية؟وأين.. وأين؟ لكن قبل هذا وذاك، من جلب لنا الفقر وآلياته؟ فهو لم يأت بين ليلة وضحاها ولكن نتيجة تخطيط شيطاني من طرف المتحكمين في مصادر الثروة ومواردها حتى لا يخرج تفكير المواطن وانشغاله عن حيز البطن. إن الأزمة الاقتصادية والأوضاع المعيشية الصعبة لأوسع الفئات، ليست سوى جزء من الأزمة العامة، بل إحدى تعبيراتها الأبرز، وما لم تغير السلطة من رؤيتها ونهجها وأساليب عملها، فإن كل المعالجات الجزئية والمتجزئة وسائر إجراءات الترقيع ستبقى مجرد مسكنات موضعية لا تلامس جوهر الأزمة، وسرعان ما يتبخر أثرها وتؤدي إلى دفع الأزمة عمقا واتساعا وإلى مدى أكثر تعقيدا وأشد خطرا على المستقبل. فهل من مجيب؟!