أدت دور القرآن بالمغرب دورا رياديا كبيرا في مجال الدعوة، ونشر تعاليم الإسلام بأسسه الصحيحة، وغرس السنة في النفوس؛ وهو ما أدى بفضل الله عز وجل إلى أوبة كبيرة إلى الكتاب والسنة من لدن كثير من فئات المجتمع المغربي. "" وقد وجدت دور القرآن إقبالا متزايدا من طرف المغاربة، وتمكن الكثير منهم من حفظ كتاب الله مرتلا حسب القواعد، مشفوعا بحفظ بعض المتون من كتب السنة المتضمنة للأحكام والعقيدة؛ وهو ما جعل من طلبة وخريجي هذه الدور ركائز علمية يتم الاعتماد عليها داخل المجتمع. وتتميز مدينة مراكش المغربية باحتضانها لأكبر عدد من دور القرآن، حيث تحتوي وحدها على ثماني دور للقرآن، من إجمالي 30 دارا تقريبا في المملكة المغربية كلها، وقد صارت مراكش الآن بمثابة المضخة التي تبث العلوم الشرعية في شتى أوصال المجتمع المغربي. ويرجع ذلك إلى اعتبارات عديدة تميزت بها مراكش، منها وجود المعهد العلمي بها، فضلا عن الأعداد الكبيرة لطلبة العلم فيها مقارنة مع باقي المدن الأخرى. أهداف ووسائل يمكن إجمال أهداف دور القرآن في المغرب فيما يلي: 1-خدمة القرآن والسنة، وربط الأمة بهما قدر الإمكان. 2-العناية بحلقات القرآن لتشمل جميع الأعمار. -3إزالة ما علق بأذهان الناس من أحاديث موضوعة مكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم. -4محاولة إحياء السنن التي اندثرت في الأمة. -5إحياء العقيدة الصحيحة المنبثقة من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. -6ربط الناس بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل لحظات الحياة. -7تربية الشباب على الحب في الله والبغض في الله، وموالاة أهل الحق ومعاداة أهل الباطل، كل بحسبه. -8جمع شمل الأمة على الحق، والتعاون العام مع كل مسلم فيما فيه مصلحة عامة. -9ربط الناس بربهم وخالقهم وتعريفهم به، مع توعيتهم بواقع الأمة الإسلامية. ولتحقيق هذه الأهداف تبنت دور القرآن بالمغرب منهجا وسطا، يرفض القلاقل والفتن في المساجد والمجامع والمناسبات، ويشجع على الاحتساب في التعليم والتعلم، وعدم تسخير القرآن والعلم للأغراض الدنيوية. المعهد العلمي بمراكش الذي تم إغلاقه عقب أحداث 16 ماي الإرهابية تبنت دور القرآن الكريم بالمغرب العديد من الأعمال والأنشطة النافعة ورعتها، ومن أهمها (المعهد العلمي بمراكش). ففي مدينة مراكش تم إنشاء معهد علمي تابع لجمعية الدعوة إلى القرآن والسنة بالمغرب، والتي يرأسها الشيخ محمد المغراوي، وذلك بمقر إحدى دور القرآن في المدينة. ويستفيد من المعهد طلبة العلم المتفرغون، سواء كانوا من أهل البلد أو من خارجها، وتتكفل الجمعية بإيوائهم وبالنفقة عليهم طيلة مدة الدراسة المحددة في 6 سنوات، منها 3 سنوات مدة المرحلة الإعدادية، و3 سنوات مدة المرحلة الثانوية. وتدرس في المعهد حوالي 32 مادة دراسية، موزعة على 6 أقسام، هي: -1قسم القرآن الكريم، ويشمل: (علوم القرآن - التفسير – القراءات( -2قسم الحديث، ويشمل (المصطلح - السيرة - فقه السنة( -3قسم اللغة، ويشمل (النحو - العروض – البلاغة) 4-قسم العقيدة. 5-قسم الدعوة 6-قسم التاريخ. والدراسة بالمعهد 6 أيام في الأسبوع، بدءا من الساعة السابعة صباحا إلى الواحدة والنصف ظهرا، بمعدل 6 ساعات في اليوم، على مدى 30 أسبوعا للسنة الدراسية الواحدة، محرَّرة من العطل والإجازات والامتحانات وأيام المراجعة. شروط الالتحاق وضع المعهد شروطا يجب توفرها في المتقدم حتى يتسنى له الالتحاق به، وتتمثل هذه الشروط في: -1حفظ المتقدم لعشرة أجزاء على الأقل من القرآن الكريم. -2 حفظ المتقدم لبعض المتون العقدية والقرائية واللغوية، مثل: كتاب التوحيد، والأصول الثلاثة، والقواعد الأربع، والعقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. -3 تُجرَى مقابلة كتابية وشفوية مع الطالب قبل بداية الموسم الدراسي، على إثرها يتم قبوله أو رفضه. لا مكان للراسبين يُجرَى امتحان واحد في نهاية كل سنة دراسية، يشمل جميع المواد الدراسية، ويستغرق مدة 10 أيام، ويعد مفصولا كل طالب رسب في الامتحان؛ إذ لا مجال للإعادة، كما يشترط النجاح في جميع المواد. ومن الجدير بالذكر أن الفضل في انتشار دور القرآن في المغرب عامة ومراكش خاصة يعود بعد الله عز وجل إلى الشيخ محمد بن عبد الرحمن المغراوي، وهو خريج الجامعة الإسلاميةبالمدينةالمنورة، ويعد تلميذا نجيبا للشيخين: الألباني، وابن باز، رحمهما الله، وقد وهب جُل وقته وجهده من أجل البحث العلمي والتوجيه التربوي المنبثق من الكتاب والسنة. لم ينسوا المرأة من الإنجازات التي حققتها بعض دور القرآن في المغرب وضع منهاج تعليمي تربوي خاص بالنشاط النسوي، يستهدف فئة الصغيرات من 10 إلى 15 سنة، وتستغرق المرحلة الدراسية 5 سنوات، تتلقى فيها الفتاة مجموعة من العلوم والمعارف الشرعية التي تؤهلها لتكون مسلمة متبصرة بدينها، وبما ينبغي أن تعلمه بالضرورة من القرآن الكريم، والتفسير، والفقه، وأدب العشرة الزوجية، وتربية الأولاد، وغيرها من الأنشطة النافعة. أيضا تم تخصيص حصص لتعليم مبادئ القراءة والكتابة في إطار مشروع محو الأمية، وأيضا إنشاء المكتبة المقروءة والمسموعة والمرئية، لحفظ التراث الديني والتعريف بالكتاب والشريط الإسلامي. شاهد من أهلها تتجلى ثمار الدور القرآنية في كثير من المظاهر، فعلى مستوى السلوك ضرب الشباب المنتسب لدار القرآن الكريم أفضل الأمثلة في السلوك والأخلاق الفاضلة، وكذلك على مستوى تصحيح العقيدة والالتزام بها ونبذ الخرافات والشركيات، وأيضا على مستوى الالتزام بالسنة الصافية النقية ومحاربة البدع والمنكرات بالتي هي أحسن. يقول أبو هاجر محمد، وهو أحد خريجي دار القرآن بمدينة "سلا"، لصفحة دعوة ودعاة: "إن دور القرآن الكريم مدرسة لتخريج الدعاة الشباب الذين لا يستطيعون شد الرحال إلى خارج المغرب لطلب العلم، فيدرسون في دار القرآن شتى أصناف علوم القرآن وعلوم العربية المدعمة لفهم القرآن والسنة النبوية الطاهرة". أما علي أبو الفضل فيتحدث عن المعهد العلمي الذي تخرج فيه، فيقول: "إن دور القرآن الكريم والمعاهد العلمية التابعة له تهدف إلى تكوين خطباء لا يقولون على الله بغير علم، ودعاة مخلصين صادقين، لا يبيعون دينهم بعرَض من الدنيا قليل. والحمد لله أن هذه المؤسسات خرَّجت كثيرا من طلبة العلم يستطيعون توجيه الأمة بالحجة والدليل، لا بالرأي الكاسد أو القياس الفاسد". ويبرز الأخ أبو سعد فضائل دار القرآن التي تخرج فيها، وماذا أكسبته من خصال، فيقول: "أهم ما علمتنا دار القرآن هو الإخلاص في طلب العلم، وتقديمه على سائر العبادات المندوبة، وتنزيه النفس عن المعاصي مع التحلي بمحاسن الأخلاق؛ وأيضا ضرورة الرجوع إلى الحق في حالة الوقوع في الخطأ، كما تربينا على احترام الشيخ المعلم وتوقيره، والإنصاف في طلب العلم، وعدم التعصب". عقبات وتحديات من أهم العقبات التي تواجه دور القرآن في المغرب عدم تغطيتها لجميع المدن والبوادي، فرغم أن العدد ناهز الثلاثين دارا للقرآن، فإنها مع ذلك لا تشفي الغليل، فالعدد المتزايد من الطلبة يحتم زيادة عدد هذه الدور. وهنا يطرح الجانب المادي نفسه كمشكلة، لارتفاع تكاليف بناء دار القرآن، وتجهيزها بما يلزم من مكتبة وقاعات للإقراء والاستماع والحفظ والصلاة وغيرها من المرافق. وفي هذا الصدد يتحرك بعض الغيورين على مستقبل الدعوة ليساهموا بأموالهم وجهودهم في شراء أراض بغية إنشاء دور القرآن عليها. أما عن التحديات التي تواجه دور القرآن والجهود المبذولة لإنشائها ونشر نورها فتتمثل في بعض المناوءات والدعوات المغرضة والمشبوهة لإغلاقها، أو الحد من إشعاعها، من طرف بعض الخصوم، بدعوى أنها تتلقى دعما ماليا خارجيا، خاصة بعد الأحداث الأليمة التي ضربت الدارالبيضاء في مايو 2003م. ولكن بفضل السلوك الواعي للقائمين على هذه الدور، والأخلاق الطيبة لطلبتها، وروح التضامن السائدة بينهم، يتم اجتياز هذه العواصف والتحديات بسلام وأمان.