في مواجهة تحديات ضخمة وأنت لا تمتلك الكفاءة العالية لمواجهتها؛ من مشاكل غير خافية على أبسط الناس؛ حينها تقول بالمؤامرة والعوائق والاكراهات وتعدد الأفكار والثقافات في المجتمع... هل هذه الأشياء كانت حاضرة في الوعي؛ أم حدثت بعد دخول غمار التحدي؟ كمن دخل غمار الانتخابات من أجل الفوز؛ ثم اشتكى بعد الفشل أن الفرق والهيئات الأخرى جد متفوقة؛ ولسان حاله يقول: "نحن لم نخسر ولكن هم الذين فازوا علينا..!" فكيف ستعبر داخل عالم فيه أجندات ومناورات وتحديات!؟ إنسان الانتظار المتشبع بفكر المظلومية والمؤامرة؛ غير قادر على أن يحاسب نفسه على دائرة ومساحة الممكن وغير الممكن والمنطقي وغير المنطقي الذي يكمن في ذاته؛ فهو يحاول جاهدًا وعبثًا أن يبرر انتظاره ومظلوميته وما تعرض له من مؤامرة -حسب زعمه- ويعزوها ويجسدها في العنصر الخارجي الذي لم يسمح له بالدخول في الفعل.. (قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ) صدق الله رب العالمين. رجال السلطة بين مطرقة الابتزاز الأفقي والعمودي وسندان الاتهام بالتزوير دون تمييز بين الفعل الجرمي والخطاب اللفظي. كيف يمكن دراسة فعل التزوير الانتخابي؟ ما هي الآليات والمناهج التي يمكن توظيفها في دراسة وتحليل الفعل الانتخابي في المغرب؟ ماذا يقصد بهندسة العمليات الانتخابية؟ هل يمكن السماح لداعش وأخواتها والفاسدين والمفسدين وتجار الدين وتجار المخدرات والمتملصين من الضرائب والانفصاليين وما شابههم؛ بدخول الانتخابات وتدبير شؤون البلاد والعباد داخل الدولة؟ بمناسبة الاستحقاقات الانتخابية؛ يكثر اللغط حول وزارة الداخلية؛ وخاصة حول مؤسسة رجال وأعوان السلطة بمناسبة الانتخابات باتهامها بالتدخل وعدم التزام الحياد؛ لكن ماذا يقصد برجال وأعوان السلطة؟ كيف يقوم الباحث في مجال الانتخابات بتحليل علمي وعملي محايد ويستطيع أن يجعل مسافة بين فِعل رجل العلم وفِعل رجل السياسة والسلطة؟ من خلال إبراز ثقل المسؤولية المنوطة بهذه الفئة، وعلى عاتقهم، والتضحيات الجسام التي يقومون بها بكل شجاعة وبكل جرأة وتجرد؛ رغم مستويات الابتزاز بنوعيه؛ الأفقي والعمودي الذي يتعرضون له؛ سواء قبل أو أثناء أو بمناسبة مزاولتهم لمهامهم؛ كالانتخابات أو عمليات مراقبة البناء؛ أو من خلال السهر على تنفيذ القوانين والأنظمة؛ ومختلف عمليات الشرطة الإدارية وحفظ النظام العام؛ من أمر ونهي ومنع وإدن؛ من أجل الحفاظ على أمن وصحة وسلامة وطمأنينة وسكينة المواطنات والمواطنين؛ حيث يتعرضون لشتى صور الاتهام بالشطط والتعسف في السلطة والتزوير في الانتخابات؛ على حد زعم أصحاب هذه الخطابات. يسهر رجال السلطة؛ من عمال وباشوات وقواد وخلفاء القواد؛ وأعوانهم من شيوخ ومقدمين؛ على جميع عمليات الاستفتاء والانتخابات؛ من التحضير حتى إعلان النتائج وتكوين المكاتب. لكن ما هو نوع الاتهامات بالتزوير في الاستحقاقات الموجهة لرجال السلطة وأعوانهم؛ كخطاب سياسي ولفظي يتشدق به كل من فشل في الانتخابات؟ يجب التمييز بين الاتهام بالتزوير كفعل جرمي؛ يرقى إلى مستوى جناية يعاقب عليها بعشر سنوات سجنًا نافذة زائد الغرامة؛ والذي يتطلب ممن يدعيه اللجوء إلى القضاء من أجل إثباته. فمن السهل جدًا التحقق من ذلك؛ نظرًا لما تتميز به العملية الانتخابيات من تقنيات مضبوطة قانونيًا وتنظيميًا؛ في الزمان والمكان وعمليات حسابية وهندسية دقيقة. وليس الاكتفاء بالإساءة اللفظية لهذه الشريحة من أبناء الشعب المغربي. وكذا التمييز بين الخطاب السياسي واللفظي الذي يراد به صناعة "البوز" وتجسيد أزمة الفشل في الآخرين دون حجة أو دليل؛ مع أن من يزعم ذلك؛ قد عين مراقبًا يتكلف بمهمة تتبع العملية الانتخابية بمكاتب التصويت منذ الافتتاح حتى الإغلاق والفرز وإعلان النتائج. في كل بلدان العالم؛ وحتى التي تسمي نفسها بالديمقراطية؛ لا تخلو العمليات الانتخابية من هندسة معينة تراعي الحد الأدنى والمكانة الحضارية والخصوصية لذلك البلد. وذلك من أجل قطع الطريق أمام الدواعش وأخواتها والمتطرفين والمجرمين والفاسدين من الوصول إلى مراكز السلطة والقرار. في جميع الأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية؛ يكون هاجسها ثلاث قضايا وأبعاد رئيسية كبرى هي: * قضية وجود؛ وتعني ضمان وجود الدولة والإنسان. * قضية استمرار؛ أي ضمان استمرارية وغياب كل مسببات زعزعة الحكم والاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي. * قضية تنمية وبناء وتحضر؛ وتعني ضمان تطور وازدهار في جميع الميادين والمجالات. وحينما نتحدث عن نسبة المشاركة كمعيار لقياس مدى مستوى ودرجة الديمقراطية التي وصل إليها بلد ما؛ في ظل العزوف عن التسجيل وعن المشاركة في العمليات الانتخابية؛ فإنه يطرح مشكل نسبة المشاركة في الانتخابات؛ من خلال عدة مؤشرات لقياس الديمقراطية في ذلك البلد؛ وتتجلى في: العملية الانتخابية والتعددية الحزبية؛ والحريات المدنية؛ كحرية المشاركة؛ وأداء الحكومة؛ من خلال سياساتها العامة والعمومية والمشاركة السياسية؛ والثقافة السياسية السائدة. ويتم تصنيف الدول حسب هذه المؤشرات إلى: * ديمقراطيات كاملة؛ * وديمقراطيات معيبة؛ * وأنظمة هجينة؛ * وأنظمة سلطوية. ولتقييم مدى الانسجام في نظام معين يتم اعتماد المؤشرات التالية: أولًا: نوعية الخدمات العامة المقدمة من قبل الحكومات لتلبية الطلبات الاجتماعية ونوعية أجهزة الخدمة ودرجة استقلاليتها عن الضغوطات السياسية وغيرها من الضمانات الفعلية. والمقصود بهذه الأجهزة بطبيعة الحال ليس سوى مؤسسات الجماعات المحلية. ثانيًا: إبداء الرأي والمساءلة الديمقراطية وحرية التعبير والتنظيم وتكوين الجمعيات، وحرية وسائل الإعلام والاستقرار السياسي وغياب مسببات العنف السياسي الرئيسية وكذا مدى قدرة المواطن في بلد ما على المشاركة في انتخاب أعضاء حكومته بشكل حر ونزيه. ثالثًا: مؤشرات الإرهاب والاستقرار السياسي وانعدام العنف؛ أي مختلف التصورات المتعلقة باحتمال زعزعة استقرار الحكم من خلال وسائل غير دستورية أو عنيفة بما في ذلك الأعمال الإرهابية والانقلابات العسكرية. رابعًا: معيار الفعالية الحكومية؛ أي نوعية الخدمات العامة ووضع السياسات العامة ومدى مصداقية والتزام الحكومات بتلك السياسات، ونوعية الإجراءات التنظيمية وقدرة الحكومة على تنفيذ قرارات وإجراءات تنظيمية سليمة تسمح بتشجيع القطاع الخاص وتنميته ومدى سيادة القانون ومدى ثقة الناس فيه. خامسًا: مؤشرات مكافحة الفساد ومدى محاربة استغلال السلطة العامة لتحقيق مآرب خاصة ومكاسب شخصية، بما في ذلك إعمال الشطط واستحواذ أصحاب المصالح الشخصية على ممتلكات الدولة. هنا نميز في قراءة المحطات الانتخابية في المغرب؛ بين محطتين: الأولى؛ وتنطلق من عهد الاستقلال حتى حدود العام 2002؛ والتي تعتبر غير قابلة للقراءة للحكم على العمليات الانتخابية في المغرب. والثانية؛ وتنطلق من سنة 2002 حتى سنة 2021؛ والتي تتوفر فيها بحق كل معايير ومؤشرات التحليل العلمي الأكاديمي؛ بالنظر لحياد السلطة (كيفما كانت التسمية حياد سلبي أو إيجابي) والشفافية ومختلف صور التسويات التي تمت بين القوى العاملة في المشهد السياسي المغربي. وحتى شراء الأصوات والذمم والرشوة ومختلف صور إفساد العمليات الانتخابية؛ تشبه إلى حد ما السمكة التي تسبح في الماء؛ حيث من الصعب تحديد ومعرفة بدقة؛ هل السمكة وهي تفتح فمها وتغلقه؛ فقط تسبح في الماء؛ أم تشرب منه؛ أم فقط تتنفس تحت الماء! وبالتالي يتعذر على رجال السلطة وحتى على القضاء؛ التدخل لتحقيق الردع الخاص، أو الردع العام بهذا الخصوص. إن عبارة: (فاتني القطار)؛ وتجسيد الأزمة في المحطة والقطار؛ أسلوب قديم أصبح غير مقبول به في العصر الحالي؛ وبالتالي التعبير الصحيح هو أنني فوتت على نفسي فرصة ركوب القطار؛ وعلي انتظار الرحلة المقبلة أو الموالية. تتجاذب المواطنات والمواطنين المغاربة عدة وعود؛ من خلال دراسة أولية في برامج الأحزاب المغربية المشاركة في الانتخابات؛ ومن خلال قراءة أولية في أبعادها؛ ودراستها وإدخالها الحاسوب وإخضاعها لتبويب وتقنية استخراج أوجه التشابه والتقاطع والاختلاف في الأفكار؛ سوف يحصل على نتيجة مفادها: أنها كلها متطابقة في نسبة 95% من حيث المضمون؛ وإن اختلفت في شكل التقديم..! ويمكن تصنيف هذه البرامج إلى ثلاثة أنواع من حيث طريقة الرؤية والأجرأة كالتالي: 1 (C14) – برامج حَرَسُ القديم من كاربون ويزعمون في برامجهم أنهم وحدهم من يمتلك الحقيقة! والآخرون تتوفر لديهم؛ فقط، نسخة رديئة من الحقائق عن تدبير شؤون الدولة؛ وإذا ما حصل وتولوا الآخرين من حَرَسُ الجديد والحديث من الأحزاب الأخرى المنافسة؛ المسؤولية؛ سوف يقودون البلاد والعِباد إلى الهاوية والكارثة على حد زعمهم!! 2- برامج حَرَسُ المعبد؛ ويدعون أنهم وحدهم من يستفرد بتملك النسخة الأصلية للدَّين! وأن خطتهم تطابق خطة الإله والكوْن؛ وأن الآخرين لديهم النسخة المزيفة فقط عن الدِّين! وحتى إذا ما حدث ووصلت هذه النسخة الأصلية صدفة بين أيدي هؤلاء الأحزاب؛ سوف يسيئون استعمالها على حد اعتقادهم! وكأنهم كانوا يجلسون منها مقاعد للسمع؛ فاسترقوا السمع من الملأ الأعلى؛ وعرفوا وخطفوا كل ما يجري هناك في اللوح المحفوظ مما (كَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا) في مسلسل ومسارات حياة الناس، والصيرورة التاريخية للشعوب. حَرَسُ المعبد هؤلاء؛ يحاربون بشكل متطرف كل أشكال العصرنة في الدولة ومتشبعون بالوتوقية المفرطة. 3- برامج حَرَسُ التقليد والحتميات الذين يحاربون كل تحديث وعصرنة في الإدارة ومؤسسات الدولة؛ وهم متشبعون؛ بالفكر الماركسي التروتسكي الاشتراكي الشيوعي؛ الذي يقوم على ميكانيكا الحتمية التاريخية. وفي النقيض؛ نجد المتشبعون بالفكر المادي الرأسمالي المتوحش. يتجاذب كل هؤلاء؛ حَرَسُ الدولة العميقة؛ أو حَرَسُ حكومة الظل؛ أو حَرَسُ الدولة الموازية؛ أو حَرَسُ الحكومة السرية؛ وهو مفهوم يحيل إلى إحدى مبادئ الآلية الديمقراطية في بلدان العالم؛ والتي تقوم على مبدأ التداول للسلطة بين الأفراد والجماعات. وهي إحدى الآليات المتعارف عليها؛ حيث يتولى جهاز خاص استلام مقاليد الحكم من أجل ألا تنهار موارد ومقدرات الدولة وأمنها ووجودها واستقرارها وكذا استمراريتها. يعمل حَرَسُ الظل كضابط للنسق؛ على بلورة السياسات العامة والعمومية؛ التي في جميع الأنظمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية؛ تستهدف ثلاث قضايا وأبعاد رئيسية كبرى التي هي. * قضية وجود؛ وتعني ضمان وجود الدولة والإنسان. * قضية استمرار؛ أي ضمان استمرارية وغياب كل مسببات زعزعة الحكم والاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي. * قضية تنمية وبناء وتحضر؛ وتعني ضمان تطور وازدهار في جميع الميادين والمجالات. لو أن سلالة القنافذ انسحبت من الساحة؛ أو ماتت؛ أو حتى انقرضت؛ أو أبيدت عن آخرها؛ فمن يجرؤ آنذاك على أن يقف أمام متجبر ومتسلط متعجرف فاسد؛ ويستطيع أن يقول له بكل شجاعة وجرأة: توقف؛ فأنت فاسد لا تصلح..!! فأصحاب المظلومية و"الحُگْرة"؛ هم أسياد التهويل عندما تكون الأمور ضدهم. في حين هم أسياد التهوين عندما تكون الأمور في صالحهم...