عرف ولوج مهنة التربية والتكوين بالمغرب تغييرات عديدة شهدها إصلاح منظومة التربية والتكوين، منذ إصلاح المبادئ الأربعة، مباشرة بعد الاستقلال، مرورا بالميثاق الوطني والرؤية الإستراتيجية (2015-2030) إلى اليوم. وقد كان الاشتغال بالتعليم الابتدائي يتم باستقبال روافد فسيفسائية تضم جميع التخصصات، سواء بالباكالوريا أو الإجازة. وهذا الولوج كان يتم بعد مدة تتراوح بين سنة أوسنتين من التكوين بمراكز المعلمين سابقا أو بالمراكز الجهوية للتربية والتكوين حاليا، في إطار ما يعرف بأطر الأكاديميات أو ما يطلق عليه شعبيا بالتوظيف بالتعاقد. على الرغم من طول حياة هذا البراديغم التربوي بالمغرب، فإنه تبين أن التعليم الابتدائي المعتمد بهذا الشكل أنتج معضلات بيداغوجية عديدة. وهذا ما عرته بعض التقويمات الدولية للتحصيل والمردودية، سواء على القدرة القرائية، بالفرنسية والعربية ، أو العلوم خاصة الرياضيات؛ بل إن المجلس الأعلى للتربية والتكوين شخص هذا الوضع المتردي للتعليم الابتدائي المغربي، ونشر نتائج تقاريره حول الموارد البشرية وتكوين المدرسين. وتبعا لهذا الوضع، تم لأول مرة في المغرب ولادة الإجازة في التربية، تخصص التعليم الابتدائي ابتداء من الموسم الجامعي 2018، حيث أسندت مهمة هذا التكوين إلى المدارس العليا للأساتذة الست وبعض المؤسسات الجامعية كجامعة محمد الخامس والكلية متعددة التخصصات بتارودانت، لتضاف إليها المدارس العليا للتربية والتكوين المحدثة مؤخرا. وهكذا، تخرج الموسم 2020-2021 الفوج الأول بعد ثلاث سنوات من التكوين الأساسي الذي صاغته الوزارة الوصية وفق توصيف لكل فصل ولكل مجزوءة. لكن ماذا بعد هذا التكوين؟ وما هو مآل ومستقبل المتخرجين من هذا المسلك؟ وما هي الإجراءات التي تضمن استمرار صحي لهذا التكوين؟ هذه الأسئلة الجاثمة على قلوب الطلبة في كل الأفواج والتي تؤرق حتى فرق التكوين هي التي سنقاربها عبر هذه الملاحظات: – خلق مسلك جامعي للتعليم الابتدائي فكرة محمودة ومطلوبة؛ فهي ستحل مشكلة التكوين متعدد الأطراف للمدرس، كما ستخلق أطرا ذات دربة في التكوين الأكاديمي والمهني، حيث إن الطالب يتلقى تكوينا أساسيا في مختلف المواد المدرسة بالمدرسة الابتدائية. – على الرغم من أن عدة التكوين في هذا المسلك تتضمن مجزوءات تزاوج بين النظري والعملي، فإن صياغة المضامين والتوصيفات تمت بطرق متسرعة، حيث تم استنساخ ما هو معتمد في المراكز الجهوية لمهن التربية. وقد اعترفت الوزارة بهذا الخلل، ووقعت اتفاقية مع جامعة اريزونا الأمريكية وبمساهمة أطر مغربية. وكان الغرض هو صياغة برامج للتكوين تكون ذات جودة وأكثر ملاءمة، علما أن مآل تنزيل مقتضيات هذه الاتفاقية كان متعثرا ولم يعد يعرف له أثر، على الرغم من أن العملية تطلبت تخصيص ميزانية ضخمة جدا، تقدر بالملايير في إطار طلب عروض. – المعلوم أن الفرق الساهرة على التكوين، على الرغم من اجتهاداتها المتميزة، تعاني من شح في الموارد؛ فالمؤسسات المسؤولة هي جامعية، ولها باع في تكوين أساتذة الثانوي التأهيلي، ولأول مرة تشرف على تكوين أساتذة الابتدائي. وهذا يتطلب منها المزيد من البحث والعمل، في غياب أي تشجيع أو تكوين من طرف الوزارة. يضاف إلى ذلك غياب تخصصات عديدة ومدرسين في الجامعات، حيث يتم الاستعانة بالكثير من الأساتذة العرضيين- الساعات الإضافية – من المراكز الجهوية لتغطية هذا الخصاص المهول في الأطر المتخصصة. – على الرغم من أن خريج هذا المسلك يتلقى تكوينا أكاديميا وبيداغوجيا في جميع المواد المدرسة في الابتدائي بما فيها الاجتماعيات والتربية الإسلامية والتربية البدنية والتنشيط التربوي... إضافة إلى الانغماس في الوسط المهني، فإن المباراة بالشكل المعروف في السنوات الماضية لا تمنح لهذا الخريج أية امتيازات تشجع على ولوج هذا المسلك. وللتذكير، فالطلبة الذين يلجون هذا التكوين هم من نخبة الحاصلين على الباكالوريا، حيث إن نقط الانتقاء تضاهي ما يتم اعتماده في بعض المباريات للمدارس العليا للمهندسين، إضافة إلى مباراة الدخول التي تتم عبر غربال من المعايير الدقيقة. يلي ذلك تكوين نطري وعملي رصين ودقيق. ويمكن أن نقول إن هذا المسلك، مثل باقي الإجازات في التربية، يخرج أستاذا كاملا، ولا يحتاج إلى تكوين آخر، أو على الأقل أن ولوج مباراة المراكز الجهوية يكون ميسرا. – ولما كانت مهمة تكوين الأساتذة (جميع الأسلاك) أسندت إلى المراكز الجهوية للتربية والتكوين ابتداء من سنة 2012، فإن هذه المراكز كانت تنظم مباريات وطنية ينجزها المركز الوطني للتقويم والامتحانات؛ علما أن مضمون هذه المباريات كان يختلف من سنة إلى أخرى، وكان جوهره يتمحور حول مواد التخصص وديداكتيك المواد ومستجدات علوم التربية، وفق التقويم الموضوعاتي الذي يتأسس على اختبار الإجابة عن أسئلة متعددة الأجوبة QCM. كما أن المباراة كانت تفتح أمام حاملي الإجازة الأساسية والمهنية مع تخصيصها لبعض السنوات ل10 آلاف إطار والإجازة الجامعية في التربية. اليوم تغير الوضع، حيث تخرج لأول مرة، هذه السنة، فوج من سلك الإجازة في التربية لجميع التخصصات، من المدارس العليا للأساتذة، هذه الإجازة التي وفرت للطلبة تكوينا رصينا ومتميزا في مواد التخصص والديداكتيك والبيداغوجيا وعلوم التربية على مدى ثلاث سنوات. وستكون السنة الدراسية (2021 – 2022) هي أول سنة ستستقبل المراكز هذه الجهات. والسؤال المطروح هو كيف يمكن للمباراة أن توفق في استقطاب هذه الأفواج؟ وماذا ينبغي توفره فيها لاستثمار ما تم تحصيله في المدارس العليا؟ لمقاربة هذه التساؤلات، نقترح ما يلي، وهو مقترح يشمل كل المسالك في التربية، ومنها مسلك التعليم الابتدائي: 1 التنسيق بين المركز الوطني للتقويم والامتحانات، باعتباره المسؤول عن تصور ووضع المباريات، والمراكز الجهوية للتربية والتكوين، باعتبارها الجهة المنظمة والمشرفة على المباراة، والمدارس العليا للأساتذة والمدارس العليا للتربية والتكوين، باعتبارها الجهة المشرفة على التكوين الأساسي. 2 ضرورة بناء وتأسيس محتويات المباراة على محتويات التكوين الأساسي الذي توفره المدارس العليا، سواء في الشق الكتابي والشق الشفوي من المباراة، بحيث ينبغي أن يكون التطابق بين التكوين الأساسي للإجازة في التربية ومضمون المباراة. 3 خلق الانسجام والتماثل بين الملف الوصفي للتكوين الأساسي وتوصيف المباراة. 4 التشاور الفعلي والمستعجل، قبل المباراة، مع المدارس العليا حول مضامين المباراة وتقويمها، خاصة ما يتعلق بالبيداغوجيا والديداكتيك المعتمد في المباراة. 5 إشراك فعلي لبعض أطر المدارس العليا في صياغة مضمون المباراة وصياغة سلم التنقيط. 6 اعتبار مباراة الولوج إلى المراكز مجرد تقويم تنبؤي وتوقعي، يكون الغرض منه فحص مدى توفر المترشح على الكفايات الأساسية لمتابعة التكوين اللاحق بالمراكز. 7 بالنسبة إلى الشق الشفوي للمباراة، ينبغي استثمار ما تقرر في التكوين الأساسي واحتسابه في شبكة التقويم؛ ومن ذلك: التنقيط بناء على ما استفاده المترشح من الانغماس في الوسط المهني ومن التداريب الميدانية ومن دروس التعليم المصغر؛ والتركيز على القدرات التواصلية، وخاصة الكفايات الحياتية الناعمة وعلى النمو الشخصي والتطوير الذاتي؛ استثمار بعض المجزوءات غير المعتمدة في المباراة الكتابية، خاصة للإجازة في التعليم الابتدائي، ومن ذلك التربية الإسلامية والاجتماعات والتشيط التربوي باعتبارها مواد تدرس بحصص وافرة في هذا المسلك. جامعة القاضي عياض، مراكش