استهلت بوادر استهداف المراكز بنقاشات (2014 2015)، وبلغت ذروتها مع معركة الأساتذة المتدربين (2015 2016)، وتفاعلات عطالة الطلبة حاملي الإجازة المهنية من المدارس العليا للأساتذة، واحتجاجات تنسيقية خريجي 10 آلاف إطار (2016 2017)، واستفحال خصاص مهول في هيئة التكوين بالمراكز، (2017 2018)؛ إلا أن عدم توحيد رأي العاملين بالمراكز لم يموقعهم كقوة اقتراحية تبلور خيارا صلبا، يجعلها شريكا مركزيا في محاولات إصلاح مسارات واختيارات تأهيل تكوين المدرس، وتأهيل تكوين الباحث المغربي. فجرت دواعي عدة ملحاحية إعادة نظر شاملة في نمط تأهيل هيئة التدريس؛ لما تتسم به من تشتت وتكرار وضعف تكوين، يفقد التعليم وهجه، ويعيق تجويده، وينذر بمظاهر فساد مرافقة... يطرح معها بقوة غير مسبوقة التساؤل حول موقع المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، ومآل مهامها بخصوص تأهيل هيئة التدريس وإثراء دينامية الباحثين. ومساهمة في النقاش الدائر، تتدرج المحاولة الأولية الآتية عبر سبع نقط رئيسية، يمكن التوسع في مضامينها في محاولات أكثر نضجا. 1- رداءة تكوين مكرور تتقاطع المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين والمدارس العليا للأساتذة على مستوى مضامين التأهيل في تقديم تكوين مكرور، سيبدأ تشكيل الصورة الأشمل حوله، وتوطين تكراراته بجرد مختلف المواد والتكوينات المفتوحة بالمؤسستين. ولعل تحليلها سيسعف في اتخاذ القرار المناسب لبلورة خط تكويني رصين يخدم البلاد، ويقطع مع مسارب هدر المال العام، وتضييع زمن تأهيل الموارد البشرية. يمتد على ربوع الوطن 12 مركزا جهويا وحوالي 31 مركزا فرعيا، في حين يقع تحت لواء الجامعات المغربية 7 مدارس عليا للأساتذة، يشتغل بها عدد معتبر من الأساتذة والموظفين، علاوة على تعدد وتضخم المسؤوليات وتكاليفها المالية.. وعموما، بعد خيار فصل التوظيف عن التكوين وبلوغ مشروع تكوين 10 آلاف إطار نهايته، وضعف عدد الحاصلين على الإجازات المهنية... سَيفك ارتباط المراكز الجهوية والمدارس العليا للأساتذة بسوق الشغل في قطاع التعليم. سيعتبر تداخل المدخلات والمخرجات التي تضطلع بها المؤسستان مدعاة لتفكير جيد، يباشر إصلاحات تكوين متشابه ومكرور. فمن خلال فحص برامج بعض التخصصات بالمدارس العليا والمراكز الجهوية، وانطلاقا من حصيلة استطلاع رأي، هم عينة 100 من الخريجين، نجدها تقدم تكوينا مكرورا. لا يجد المتتبع فارقا ملموسا في المواد المقدمة، يجعل التكوينين متمايزين، لا على مستوى الغلاف الزمني ولا على مستوى المحتوى؛ بل سجلت حالات خريجين مكروري التكوين داخل نفس المدرسة العليا والمراكز الجهوية، قد تتوسع الحالات بتوسيع التجربة عن طريق فتح تكوينات جديدة بالمدارس والمعاهد العليا. فمن الخريجين من حصل على الإجازة المهنية في تخصص ما، وترشح لتكوين 10 آلاف إطار ليعيد التكوين نفسه تحت إشراف نفس هيئة التكوين، ويحصل على شهادة مهنية ثانيا من المؤسسة نفسه، ثم يتقدم لمباراة ولوج التكوين بالمراكز الجهوية. وبسبب غياب ضوابط لن يجد خريجو المدارس العليا والمكررون أو المطرودون من المراكز الجهوية مانعا في ولوج جديد للمراكز والمدارس وبرنامج تكوين 25 ألف إطار. لعل الامتياز الوحيد الذي سيحوزه خريجو الإجازات المهنية سيتمثل في اختصار الطريق إلى المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين بامتياز الإعفاء من اجتياز مرحلة الانتقاء الأولي كوسيلة لشرعنة وتقوية تكرير التكوين لمرات إضافية؛ باعتبارها البوابة الوحيدة لولوج وظيفة التعليم العمومي. بلا توظيفات بالقطاع الخاص أو ولوج المراكز سيضطر الخريجون إلى التظاهر بالشارع العام. وإذا استمر نهج فصل التوظيف عن التكوين، فإننا سنصبح أمام تكوينات، تقدم شهادات ليس من شأنها سوى تيسير التجوال بين مؤسسات، تكون النسخة نفسها لمدة أطول، تنتهي بتشكيل تنسيقيات لتنظيم احتجاجات ما بعد تكوين لم ينته بتوظيف. قصد تجاوز التضارب وتشتت تكوين، قد يحتكر تداول ولوجه على وجهه المستنسخ ثلاث مرات أو أكثر في فئة من المترشحين، فيمكن تجريب توحيده في إطار واحد؛ أي تفادي تكرارات، لا تتمثل في محتوى التكوين وتعدد جهات تأطير، لا تنسق ولا تتكامل فقط، ولكن تفتح بابا لتضييع قسط كبير من جهود هيئة التكوين المكررة تستعمل لوجستيكا مكرورا. 2 مفسدة لوجستيك مكرور التكرار لا يلمسه المتتبع في مضامين برامج المؤسسات والموارد البشرية فحسب، وإنما سيتجلى أيضا في تكرار اللوجستيك. فمكتبات المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين والكليات تتكرر بتكرار المدارس العليا والكليات والمراكز وفروعها، إذ إن جرد الوحدات المُقتنية لفائدة المكتبات قد لا نجد بينها فروقات كبيرة. ما يسجل من استنساخ على مستوى البرامج وفضاءات المكتبات ينسحب على شأن المختبرات العلمية المكرورة بكليات العلوم والعلوم والتقنيات والمدارس العليا والمراكز، علما أن الطلبة خلال تكوينهم بالكليات يفترض أنهم استفادوا من استعمالات نفس العتاد البيداغوجي. لذا، يمكننا ببساطة أن نجد أكثر من ثلاث مكتبات وثلاثة مختبرات مكرروة في المدينة الجامعية ذاتها، دون حصيلة كبيرة تنعكس على تكوين أطر هيئة التدريس وتثري البحث. سيعتبر استمرار تكرار وتشتيت الموارد والإمكانات بعد توصيفه مؤشرا عن تردي الحكامة العمومية، مقارنة بمداخل تكوينات، تقابلها مخرجات متواضعة العدد وجودة التكوين. هذه الوضعية تطرح أكثر من أي وقت ضرورة الاجتهاد في إيجاد صيغة توحيد، تعود بالنفع على البحث التربوي والعلمي والمجتمع بتخريج أطر وكفاءات في المستوى المنشود. في هذا الصدد، يمكن لتركيز المقدرات أن يتخذ صيغة تقضي بإغلاق جميع التكوينات المكرورة. فإمعان النظر في عرض بديل لهندسة التكوينات، سيتمخض عن تواصل حقيقي بين قطاعي التعليم العالي والبحث العلمي والتربية الوطنية والتكوين المهني، ينتهي بتدشين تجربة تكوينية جديدة، توحد بتدرج في إطار التعليم العالي استدراكا لمحدودية الأساس المعرفي في التكوين. 3 محدودية المعرفي في التكوين التكوين لا يعاني التكرار فقط، وإنما يعوقه الفراغ الملحوظ على المستوى المعرفي؛ ذلك أن الحاصلين على إجازات وشواهد علمية غالبها لا يستجيب لحاجيات التدريس بمستويات أسلاك التعليم، فالحاصل على إحدى الإجازتين في التاريخ أو الجغرافيا مثلا مرغم على تدريس المادتين معا في الثانوي الإعدادي والتأهيلي، والحال ذاته بالنسبة إلى المجاز في الفيزياء أو الكيمياء، والمطلب نفسه نجده عند حامل الإجازة في البيولوجيا أو الجيولوجيا... والأمثلة تتعدى الحصر. في إطار إدماج الجامعة في محيطها الاقتصادي والاجتماعي، وربطها بالشغل والتنمية سنجد اعتمادا على إمكانات الكليات الحلول الكفيلة بتجاوز معضلة هزالة المعارف، باستثمار كفاءات مختلف الشعب. فلإنجاز تكوين رصين ستتآزر فيما بينها خصوصا حينما يتعلق الأمر بمسلك التربية والتكوين لفائدة التعليم الابتدائي، الذي سيحتاج إلى تعاون أساتذة كليات العلوم والآداب لإنتاج رجل تعليم مؤهل. فالمدارس العليا إلى حدود الساعة سواء على مستوى الإجازة المهنية ولا تكوين خريجي 10 آلاف اطار لا تسهم في تكوين أساتذة التعليم الابتدائي؛ وهو ما يجعل البرنامج يحتاج إلى تطوير وتنقيح وتجاوز نقائصه واستحضار احتياجات مختلف الأسلاك التعليمية. 4 حتمية تكييف التكوين يكاد الإجماع يقع على عدم كفاية سنة واحدة أو حتى ثلاث سنوات لبناء أستاذ ذي تكوين يلائم متطلبات التعليم العصري. لذا، فإن الاستمرار في تقزيم زمن التكوين، والتساهل في مدة تربصات الأساتذة الجدد داخل المراكز والمدارس، والاكتفاء بتقديم عموميات في ظروف الاكتظاظ... سيتفجر بحجرات الدراسة على شكل ضعف التحصيل وتنامي الشغب وممارسات العنف وتفاقم نسب التكرار والهدر... في إطار نظام الفصول، سينتعش التكوين في تخصص التربية والتكوين، حيث سيتم تجاوز إشكالية زمن تكويني قصير، لا تتحقق معه الجودة بسبب الحجم الكبير من المواد والمجزوءات، التي يتحتم إقرارها بشكل يفي بتغطية جوانب تأهيل المدرس، وإعداده على مستويات التكوين الأساس والديداكتيك وعلوم التربية والتشريع التربوي... كما سيضمن التصور الشمولي إرساء حلقات متسلسلة، تنطلق بنيل الاجازة وتنتهي بالدكتوراه. من الممكن فتح إجازة مهنية داخل الكلية الواحدة مثلا: الإجازة المهنية في التاريخ والجغرافيا إلى جانب الإجازة في التاريخ العام والإجازة في الجغرافيا العامة، على أساس أن طالب الاجازة المهنية سيعتبر فوجا ثالثا يدرس بالشعبتين معا المعارف المتطلبة في مهنة التدريس بالإضافة إلى ديداكتيك المواد وعلوم التربية واللغات وتيكنولوجيا الاعلام والتواصل... قد يبدو مفيدا التوجه إلى فتح وحدات الإجازة والماستر والدكتوراه في ميدان علوم التربية والديداكتيك بالكليات. يترشح لها حاملو البكالوريا. ويخضعون لتكوين نظري معمق وتداريب ميدانية حقيقية، تنتهي بالحصول على شهادة عليا، تؤهل لمباريات ولوج مختلف مصالح التربية الوطنية. فما دام الأستاذ المتدرب في الوضع الحالي قد حصل على إجازة، ومضطر للخضوع لتكوين يمضي سنة في المدرسة العليا أو المركز أو كلية أو معهد... يختمها بشهادة أقل أفقا من الإجازة، فإنه سيفضل الاستفادة من تكوين يتوج بشهادة أكاديمية، تؤهله لخيارات ولوج الشغل أو الاستمرار في متابعة دراسته حتى نيل الدكتوراه، دون هدر الوقت. 5 رهان ترشيد الكفاءات في إطار هندسة التكوين، لا يمكن إغفال تركيبة هيئة التكوين؛ فالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين تتضمن فئات الأساتذة الباحثين والمبرزين والمهندسين وفئة أساتذة الثانوي التأهيلي والإعدادي والابتدائي والاداريين والاعوان... لم تواجه تلك الفئات مشاكل حين تم إلحاق المدارس العليا للأساتذة بالجامعة. كما أن الإبقاء على المراكز سيتيح إمكانات أوسع؛ ففي حالة إناطة تكوين هيئة التدريس للجامعة، تحتضنها بتنسيق مع مختلف التخصصات، يمكن تخيير الأساتذة الباحثين وكل المكونين بين الالتحاق بالجامعة والبقاء في مقرات عملهم بالمراكز. يعد تكوين هيئة الإدارة والتسيير وتنزيل برامج التكوين المستمر معطى محوريا لتأطير مستقبل المراكز الجهوية وتحديث مهامها والتخفيف عنها من عبء تأهيل هيئة التدريس باعتبارها مهمة بعيدة عن المهمتين الأولى والثانية من حيث المضمون ومن حيث الرهانات. كخلاصة، من الحكامة إسناد مهمة تأهيل هيئة التدريس للجامعة، والإبقاء على التكوينين الأخيرين ضمن المراكز على أساس توظيف خبراء وكفاءات في ميدان الادارة والتبريز والتكوين المستمر. كما يمكن الفصل بين التكوينات، وخلق أقطاب متخصصة، تضطلع بمهام التكوين باستقلالية. لعل بادرة متدرجة على شاكلة هذه التجربة ستعد رافعة للبحث التربوي، تؤسس مجموعات بحث، تنصهر فيها طاقات الأساتذة العاملين بالمراكز والجامعيين. وستتعاون الكفاءات المنسجمة في ربط علاقات مع الجامعات الدولية لبلورة مشاريع تخريج رجل التربية والتكوين في حلة تليق بمرامي الارتقاء بالمدرسة والمجتمع المغربي. 6 رهان توازي التكوين والبحث ترتبط حيوية تأهيل هيئة التدريس والنهوض بالتبريز وتكوين أطر الادارة التربوية بالبحث، الذي يعد من مسؤوليات الأساتذة الباحثين. ومن ثمّ، فإن التكوينات لا يمكن أن تسير متوازنة بدون عجلة البحث، التي تستلزم هياكل وميزانيات وادارة يقودها أساتذة باحثون. لذلك لا يمكن تصور تكوين جيد لا توازيه مشاريع بحث تنمي درايات ومؤهلات هيئة التكوين. داخل مؤسسات التكوين، لا يمكن الفصل بين ثلاث حلقات متناغمة، وهي الإدارة القائمة على أساتذة باحثين لهم تقاليد وثقافة وقيم البحث، ستنعكس على أخلاقيات فرق إدارية تسخر قدراتها وجهودها للارتقاء بالتكوين والبحث، وتخريج كفاءات تؤدي رسالتها الوطنية في التدريس والادارة والبحث. سيبرز وقع المؤسسات والهياكل وقيادتها على صلب مجموعات وهياكل البحث، إذ ليس من المنطقي إسناد إدارة المراكز وهياكلها لغير الأساتذة الباحثين؛ فالتكوين والبحث وهياكلهما تستلزم أساتذة باحثين لهم قدرات وكفاءات تجعلهم في مستوى سلطة قيادة التغيير في قضايا التكوين والخوض في شؤون البحث والنشر والتكوين العلمي وتدبير مستقبل الأساتذة الباحثين.. 7 سيناريوهات المأسسة يتخبط تكوين المدرس في مأزق غير قابل للتأجيل، ويدعو بإلحاح إلى الحسم في صيغ التكوين، والنظر في مهام المؤسسات الثلاث، التي تسهم مفصولة غير متمفصلة بشذرات متفرقة غير متناسقة في تأهيل مدرس الغد وتوفير مناخ مناسب لممارسة الباحثين واجب البحث العلمي التربوي. ويمكن تلخيص السيناريوهات الرائجة في ثلاثة. يتمثل المقترح الأكثر واقعية في فتح تكوينات التربية والتكوين بالجامعة، بما هي محيط مؤهل لاستدماج التكوين المعرفي العالم والديداكتيكي النظري والتطبيق الميداني، على أساس تطوير تجربة المدارس العليا للأساتذة وكلية علوم التربية وكليات الحقوق، وتوسيعها للاستفادة من الكليات، وإلحاق كل الأساتذة الباحثين وغيرهم ذوي رغبة الانخراط في التجربة. أما المقترح الثاني فيتمثل في النهوض بالمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين على أساس الارتقاء بها إلى مستوى مؤسسات التعليم العالي غير التابعة للجامعة، وتمكينها من نظام الفصول (LMD)؛ وهو ما يبدو متعذرا بسبب ما يستلزم من تغيرات عميقة على مستوى الموارد البشرية، وإعداد فضاءات الاستقبال وسن ترسانة تشريعية، والأهم هو تعذر ترسيخ التمايز في ماهية مجزوءات التكوين بين ما سيقدم في الكليات والمراكز، وما إمكانية تفادي تكريس ما سبق ذكره في شأن التكرار؟ يقوم المقترح الثالث على تنسيق الجامعة والمراكز الجهوية على أساس أن تشكل أقطابا، تستكمل التكوين الجامعي، حيث تستقبل طلبة يتلقون تأهيلا ديداكتيكيا طيلة السنة الثالثة بالمراكز الجهوية؛ إلا أن الخيار يبدو غير معقلن بسبب هوية الشواهد التي ستمنح، وضرورة تكرار عدة التكوين الجامعي بالمراكز، ثم إن هذا الخيار يستلزم اعتماد نظام الفصول (LMD) كشرط للتنسيق. أما التجربة الحالية في ظل التبعية للأكاديميات فقد أبانت عن محدودية إسهامها في التنمية الوطنية؛ فهي بسبب محدودية تكوين الموارد البشرية لا تؤهل المدرسين والإداريين والمبرزين بالشكل المطلوب. ومن جهة ثانية، لا توفر فضاء حيويا للبحث العلمي، إذ إن غالبية الباحثين العاملين بالمراكز ينشطون حاليا بفضاءات الكليات والمدارس والمعاهد العليا حيث تتوفر بينة البحث العلمي. *أستاذ باحث المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين الدارالبيضاءسطات.