بعد طول انتظار وترقب، صدرت المذكرة المنظمة لمباراة المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين للموسم 205-2016. وإذا كانت هذه الوثيقة يمكن أن تعتبر نشازا في تاريخ التعليم في المغرب بسبب خروجها عن قاعدة التوظيف المباشر بعد التخرج وتحصيل شهادة التأهيل التربوي، فإن الخطير فيها هو غموض معاييرها في الانتقاء. ونظرا لأن هذا الإبهام لم يستأثر بالاهتمام الناظر العادي، فإن مقصدنا في هذا القول هو الكشف عن بعض وجوه التحايل التي يمكن أن تقع فيها المذكرة، بالشكل الذي سيجعل المعايير المعتمدة في الانتقاء تتعرض للتأويل الذي يمكن أن يتولد عنه التلاعب والفساد. أما سبب هذا التأويل فراجع إلى الطريقة التي سيتم اعتمادها في انتقاء المرشحين لاجتياز المباراة. وبالفعل، فالمذكرة ترتب المحظوظين المفترض انتقائهم على الشكل التالي : فئة أولى يتم انتقاؤها بدون اللجوء إلى مسطرة المعدلات. وهؤلاء هم أصحاب الإجازة في المسالك الجامعية للتربية – FUE -، والتي تسلمها المدارس العليا للأساتذة. فئة ثانية يتم قبولها بنفس المعيار. وهم أصحاب الإجازة الأساسية أو المهنية، المثبتون توفرهم على كفايات نظرية وعملية تستجيب لنفس شروط التكوين في الإجازة التربوية. وهؤلاء هم المرشحون الحاصلون على شهادة التأهيل في مهن التربية - - LPQME، المسلمة المعروفة ب 10000 إطار تربوي، والتي تسلمها المدارس العليا للأساتذة بعد سنة من التكوين وفق شروط وضوابط بيداغوجية معتمدة من طرف الجامعات ووزارة التعليم العالي. يبدو أن هذه المعايير واضحة، ولا تحتاج إلى جهد في التأويل. لكن المذكرة تضيف معايير أخرى متصفة بالغموض والإبهام، مما يستوجب التباين في الفهم، بشكل يولد الاختلاف في اتخاذ قرار القبول في الانتقاء. وقد ورد في المذكرة بصيغة حرفية هذا المعيار : " المرشحون المتوفرون على الشروط النظامية والحاصلون على الأقل على شهادة الإجازة في الدراسات الأساسية أو شهادة الإجازة المهنية أو ما يعادل إحداها والذين يثبتون توفرهم على كفايات نظرية وعملية مماثلة للتكوين في المسالك الجامعية للتربية، وذلك من خلال إدلائهم بالوثائق اللازمة." هذا الشرط المشار اليه في هذا التصريح هو واحد من صيغ الإبهام والغموض. فالقول يتضمن عبارات تستدعي التعمق في التحليل لكشف المستور عما خفي من أمور في هذا القرار. ومن ذلك : عبارة " مماثلة للتكوين في المسالك الجامعية للتربية ". ولفهم مدلولها نشير إلى أن المقصود بالمماثلة في هذا السياق هو التطابق مع المضامين المعرفية والمناهج الدراسية والإجراءات العملية، أي التشابه في مقتضيات ولوازم التكوين، في كم التكوين ونوعه. وللاقتراب من هذا التماثل نذكر أن التكوين في المسالك الجامعية للتربية يتم وفق ضوابط بيداغوجية مقعدة ومحددة، يصادق عليها اللجنة البيداغوجية على مستوى الجامعة ثم وزارة التعليم العالي التي تمنح الاعتماد. علما أن عدة التكوين يشرف عليها أساتذة المؤسسة وتخضع لمعايير صارمة في الانتقاء الأولي الذي يتماشى مع قانون مؤسسات التعليم العالي ذات الاستقطاب المحدود، إضافة إلى قوانين دقيقة في تتبع الحياة المدرسية والتقويم. ونفس الأمر ينطبق على 10000 إطار تربوي، المفترض استقطابهم من طرف التعليم الخصوصي. معنى هذا أن مماثلة أي تكوين ينبغي أن يساير دفتر التحملات والضوابط البيداغوجية السابقة، وخاصة حصوله على ترخيص واعتماد من طرف وزارة التعليم العالي، باعتبارها المؤهلة لرسم مسار هذا النوع من التكوين. هنا يتبادر إلى الدهن السؤال التالي : ما هي الفئة الملمح لها في عبارة المذكرة ؟ الجواب يحضر مباشرة. إنهم المستفيدون من تكوين خصوصي. ولكن السؤال الجوهري هو : هل تكوين هذه المؤسسات يماثل تكوين الإجازة الجامعية للتربية ؟ هذا ما يمكن ملامسته من خلال ما يلي : منذ السنة الدراسية الماضية، فتحت بعض المؤسسات الخصوصية أبوابها للتكوين الطلبة الأساتذة خاصة في مجال علوم التربية والديداكيك، بعد أن تبين أن مباراة المراكز الجهوية تتضمن امتحان في تلك المواد وتحتسب بالنصف في عملية التقويم. ولما تم قبول طلبة تلك المؤسسات، الدين كان عددهم قليل، في الانتقاء بدون احتساب معدل الإجازة، فإن الموسم الدراسي الحالي عرف تناسل وتكاثر المؤسسات الخاصة التي تحتضن نفس التكوين، بل وعرفت هذه المؤسسات إقبالا منقطع النظير، يتجاوز أحيانا 500 مستفيد في المؤسسة الواحدة، وفي جميع التخصصات. هنا يعاد طرح السؤال : هل يستجيب التكوين بهذه المؤسسات لنفس شروط المدارس العليا للأساتذة ؟ مقاربة هذا الإشكال تقتضي تكرار شروط دفتر التحملات الخاص بالمسالك الجامعية للتربية، ومنها : أ – وجود ضوابط بيداغوجية تحدد المحتويات والمناهج وزمن المجزوءات والأطر الخاصة بالتقويم. ب – ضرورة المصادقة على هذه الضوابط من طرف عدة لجان ومجالس ثم الحصول على اعتراف وزارة التعليم العالي التي تمنح الترخيص، وهو ما يسمى بالاعتماد. ج – لكل مسلك منسق رسمي بالمؤسسة ويمتلك من الكفايات المعرفية والبيداغوجية ما يؤهله للقيام بهذه المهمة. علما أن الحصول على الاعتماد يتطلب أن يكون المنسق أستاذا للتعليم العالي أو على الأقل أستاذا مؤهلا. د – تتم عملية الانتفاء وفق معايير مضبوطة وصارمة، وفق معدلات الإجازة في الانتقاء الأولي وبعد النجاح في مباراة الدخول بشقيها الكتابي والشفوي. وهذا يشمل أيضا طلبة 10000 إطار تربوي. ه – لا يحصل كل المستفيدين من التكوين على شواهد أو دبلومات، فكل من لا يستوفي المجزءات يكون راسبا. هنا نعود للسؤال السابق، ما حظ المؤسسات الخاصة من هذه الضوابط البيداغوجية ؟ إذا كنا نتحاشى الحكم بالتعميم على كل المؤسسات الخاصة، لأننا لا نتوفر على خريطة إحصائية لها، فإن الكثير من المؤسسات الخاصة لعلوم التربية والتكوين، والتي نشبهها بالدكاكين التربوية، لا تماثل مطلقا الضوابط السابقة ولا تتقيد بنفس الشروط المعمول بها في المسالك الجامعية للتربية. ومن عيوب التكوين التربوي الخاص، نذكر : ولوج المؤسسات الخاصة مفتوح للجميع، فهو لا يخضع للانتقاء. إنه تعليم بالمقابل، مؤدى عنه، ما بين 600و1200 درهم شهريا. وهذا ما يخالف شروط الولوج الانتقائي للمسالك الجامعية للتربية وحتى 10000 إطار تربوي. لا تتوفر غالبية هذه المؤسسات على اعتماد ممنوح من طرف التعليم العالي، المخولة قانونا للأشراف على تكوين الأطر. وحتى بعض المؤسسات التي تدعي توفرها على ترخيص، يظهر أنه ترخيص تمنحه النيابة أو الأكاديمية أو ربما وزارة التربية الوطنية. وفي كل الحالات فهذه التراخيص لا تقوم مقام الاعتماد الجامعي الذي له القوة القانونية لمنح الشواهد الجامعية، علما أن وزارة التربية الوطنية لا تمنح إلا الشواهد المهنية فقط. بل حتى مسطرة المعادلة موكولة للتعليم العالي. والأدعى أن ليس ثمة قوانين تجيز منح المعادلة بين هذه المؤسسات الخاصة وإجازة المسالك الجامعية للتربية. نظرا لكون وزارة التعليم العالي لا تدخل في التكوين بالمؤسسات الخاصة، فإن مضامين التكوين بها ومناهجه وزمنه والقائمون عليه، يختلف من مركز لاخر. وهذا يبين التفاوت الحاصل في الجودة والمردودية. استناد على ما سبق، يتبين أن المماثلة غير قائمة والمعادلة غير ممكنة. لكن الغريب في الموضوع هو المسكوت عنه في القضية. فوزارة التربية الوطنية لم تصرح بمنطوق اللفظ وصيغة الدلالة للتكوين بالمؤسسات الخاصة، وتركت الغموض يسيطر على تنظيم عملية الانتقاء. حيث أسندت تلك المهمة إلى اللجان الجهوية. وفي حالة العجز تتم استشارة الإدارة المركزية لفك الغموض والإبهام. وهذا دليل واضح على كون الوزارة وسمت مذكرتها باللبس والإبهام في المعايير. والمعرف أنه لو كانت المعايير واضحة لما تمت الإشارة في المذكرة إلى الاستعانة باللجنة المركزية. علما أن هذا الغموض هو الذي سيخلق لدى القائمين على أمر الانتقاء نوعا من التباين في القرارات، انه نوع من التحايل الذي سيسمى اجتهادا. وما يخيف في القضية هو القبول غير المشروط للمستفيدين من التكوين التربوي الخصوصي بناء على الشهادات التي تمنحها المؤسسات الخاصة بمبرر مماثلتها لاجازة المدارس العليا للأساتذة. فحصول هذا الأمر سيكون خرقا واضحا لتكافؤ الفرص، وسيعطي الأسبقية لهذه الفئة، التي ستحتل لوائح العدد المطلوب، أي ثلاثة أضعاف، وذلك بسبب قلة العرض وكثرة الحاصلين على الشواهد الخصوصية، وحتى الذين يشتروها. وهذا طبعا سيكون له انعكاس خطير وسلبي على حاملي الإجازة الأساسية والمهنية فقط. فحتى الحاصلين منهم على معدلات مرتفعة وجيدة لن ولن ولن يستفيدوا من الانتقاء الأولي، مادامت المذكرة تشترط على هؤلاء التوفر على شواهد أخرى تشهد على توفرهم على خبرة وتجربة مهنية. فالمعدل وحده غير كاف، والتجربة وحدها غير مجدية. فمثلا أصحاب عملية " سد الخصاص " أو من لهم تجربة مهنية بالتعليم الخصوصي لن يجتازوا المباراة إلا إذا كانت لديهم معدلات جامعية مرتفعة إضافة للتجربة المهنية. وهذا هو الحيف الظاهر والإقصاء الممنهج وضرب تكافؤ الفرص كحق دستوري للمواطن.