المشهد السياسي المغربي وعوائق التنزيل السليم للدستور : الأحزاب السياسية كنموذج لقد عرف المشهد السياسي المغربي منذ العشرية الأخيرة تطورات مهمة من حيث المضمون ومن حيث السياق والظروف ، هذه المتغيرات وضعت الأحزاب السياسية المغربية على محك العمل السياسي و كذا العمل الطبيعي للحزب كمكون من مكونات المشهد السياسي . ذلك أن متغيرات السياق العام للمشهد السياسي أفرزت صنفين من الأحزاب السياسية المغربية ، صنف في طور التشكل والبحث عن التموقع، وصنف آخر في طور الانهيار المذهبي . فباستقراء الماضي القريب لهذين الصنفين من الأحزاب ، نجد أن الروح الوطنية كانت بمثابة الرابط بين الأحزاب السياسية كما أن المصلحة الوطنية هي الأخرى كانت حاضرة في البرامج السياسية لهذه الأحزاب لردح من الزمان ونخص بالذكر الفترة الما قبل الاستقلال . وربما هذه السمة هي التي أضفت نوعا من الكاريزماتية والإحترام للزعماء السياسيين آنذاك . كما لا ننسى مدى ثقل البعد الفكري الثاقب، وقوة الشخصية، التي يتميز بها أولئك الزعماء وبالرجوع إلى تاريخ المشهد السباسي المغربي سنرى كيف استطاعوا (الزعماء السياسيين) التغلب على بعض المراحل العصيبة من تاريخ هذا الوطن ، وذلك باستحضارهم لوطنيتهم الغالية بعيدا عن المصالح الشخصية والفئوية الضيقة التي أصبحت المذهب المعتمد لدى ما تبقى من الأحزاب السياسية بالمغرب. وبالرجوع إلى صنفي الأحزاب السياسية التي أفرزته مخلفات العشرية الأخيرة نرى أن : - الصنف الأول : أحزاب في طور التشكل والبحث عن التموقع. - الصنف الثاني : أحزاب في طور الإنهيار المذهبي والإيديولوجي. أولا : إذا كانت الديمقراطية تعني فتح المجال أمام مشاركة الجميع في بناء النظام الديمقراطي، وإذا كانت التعددية السياسية وجها من اوجه الديمقراطية في البلدان الغربية ، فإن الحزب ليس مجبرا أن ينخرط في السياسة من خلال صناديق الإقتراع وظهوره الموسمي من أجل حصد أصوات الناخبين ، بل أدوار الحزب أكبر من ذلك لأنه القناة التواصلية بين المواطن وبين النظام وبين مختلف مكونات المشهد السياسي كما أن للحزب دور تثقيفي و مواكبتي accompagnement للشباب من أجل تكوين شباب مواطن ومشارك في استكمال بناء الدولة المغربية . لكن الملاحظ أن الأحزاب الحديثة العهد بالسياسة والتي مافتئت تبحث عن موطأ قدم لها في عالم السياسة مازالت لم تحظى بالفرصة لكي تجرب حظها في التدبير السياسي مما يجعلها في غرفة الانتظار مما يحيلنا إلى إعادة طرح سؤال حول جدوى التفريخ الحزبي من أجل التمويه على أننا بلد ديمقراطي ، كما يحز في النفس أن تكون الأحزاب السياسية منصبة اهتمامها على السياسة متناسية الفكر والفن والثقافة أليس من الممكن المزج بين السياسة و الفكر في ظل وجود هذا الفيسفاء الحزبي بالمغرب . وإذا تأملنا في البرامج الانتخابية لكل الأحزاب فإننا سنجد أنها تحمل خليطا من الأهداف والوعود ودائما ما تنبني على تشغيل الشباب ذلك لكون الشغل حلم يراود جميع شباب هذا الوطن مما يضمن للحزب شريحة مهمة إن صدقت وعود هذا الحزب في تشغيلها ، كما أن بعض الوعود في البرامج الانتخابية تكون في قالب تحقيق مطالب ذات طابع البنيات التحتية كالربط الطرقي والكهرمائي باعتبارها ثلاثية المطالب لدى الفئات المهمشة خصوصا في الأرياف والعالم القروي. أليس جدير بالأحزاب السياسية وضع مخططات بعيدة المدى أو متوسطة المدى من أجل النهوض بالدور الفعلي والطبيعي للحزب ، وذلك بتحمله هموم المواطن في راهنه ومستقبله ؟ كما نسائل الأحزاب الحديثة العهد بالتشكل إن كانت ترغب في البقاء طويلا في قاعة الانتظار السياسي ريتما يصلها دورها في التدبير السياسي أم أن المصلحة العليا للبلد تقتضي منها الخروج من طابور الإنتظار والمساهمة في استكمال بناء الدولة المغربية بعد دستور 2011 . وإن كان هذا حال الأحزاب في طريق التشكل والتهيكل فماذا عن الأحزاب التي أخدت في الإنهيار المذهبي والايديلوجي . - ثانيا : أحزاب في طور الإنهيار المذهبي. تعتبر الأحزاب التاريخية كما يطلق عليها ربما لكونها قديمة من حيث التاريخ أو من حيث النضال، مكونا من بين مكونات المشهد السياسي مند بداية تأسيس الدولة المغربية الحديثة أي قبيل الإستقلال إلى اليوم . وبالرجوع إلى تاريخ العمل السياسي لهذا الصنف الثاني من الأحزاب ، فلابد من استحضار الزعماء السياسيين والذين أبلوا البلاء الحسن من أجل هذا الوطن ، وسجل التاريخ مواقف جريئة لهؤلاء الزعماء بعيدا عن منطق الشعبوية أو الشخصنة التي أصبحت المحرك لبقايا هذه الأحزاب اليوم . ولقد كانت الإيديلوجية سواء اليسارية ، اليمينية او الليبرالية لردح من الزمن السياسي مكون أساسي للحزب بعيدا عن المصالح الشخصية إذ كل حزب يقاتل من أجل تنزيل برنامجه محتفظا ببريق ايديلوجيته المذهبية كعلامة مميزة لهذا الحزب عن الآخر، كما كان التنافس الفكري على أشده بين الأحزاب ، ولعلها سمة المشهد السياسي العالمي وذلك قبيل انهيار جدار برلين . وخلال العشرية الأخيرة من نظام العهد الجديد وما واكب ذلك من تحولات وتطورات متسارعة، سواء على المستوى الدولي أو المستوى الوطني وما لذلك من بالغ الأثر على المشهد السياسي المغربي ، فقد تغيرت مفاهيم الحقل السياسي المغربي خصوصا في الشق المتعلق بالأحزاب السياسي كمؤثث للمشهد ، إذ أصبحت الإيديلوجية عند الأحزاب في طور الإنهيار المذهبي متجاوزة وذلك لخلط المفاهيم المشكلة للحزب وتوجهه فتارة نجد حزب من أقصى اليمين يتحالف مع حزب أقصى اليسار متدرعا بالمصلحة العليا للبلاد في الوقت الذي يبدو الخوف على المصلحة الشخصية هو الأبرز في المعادلة ، ولم يسبق قط أن تنازل زعماء هذه الأحزاب في البدايات الأولى لتشكلها عن ايديلوجيتها وأفكارها تحت مبررات واهية (المصلحة العليا للبلاد) ، وربما هذه العبارة أصحت لازمة يرددها كثيرا من كلفوا بتدمير بقايا الأحزاب التاريخية تحت يافطة الدفاع عن مكاسب الحزب كأن الحزب منفصل عن الوطن أو مستقل عن الشعب . وشكل خطاب 9 مارس2011 والذي قام من خلاله محمد السادس بثورة شخصية عجز الزعماء السياسيين الجدد حتى البوح بها، مما يجعلنا نتسائل عن جدوى الحديث عن الحزب في ظل انتهاج سياسة الانتظارية والترقب بل وسياسة السكوت حكمة ، لينتقل هذا الصنف الثاني من الأحزاب السياسية بعد الاستفتاء على دستور 2011 إلى التغني بالمكاسب والإنجازات في تناقض صارخ مع الذات. ويجسد الوضع المحتقن للمشهد السياسي المغربي بمختلف مكوناته خصوصا المكون الحزبي ، صورة قاتمة عن الوضع المترهل للأحزاب التي تسمي نفسها تاريخية ، وما نعاينه اليوم من وصول المد الشعبوي إلى سدة تسيير الأحزاب السالف ذكرها يجعلنا كشباب تواق إلى الإنخراط في العمل السياسي نفكر في إيجاد مكون بديل عن الأحزاب التي فقدت دلالاتها العضوية والوظيفية داخل المجتمع المغربي، وإذا كان دستور 2011 قد وضع الأحزاب المغربية على المحك الحقيقي للعمل السياسي فإنها ( الأحزاب) قد وصلت إلى مرحلة التخمة مما يلزم معها عملية شفط الدهون ولما لا عملية إعادة التجميل مع إزالة الأعضاء المعطلة أو التي أصابتها عاهة مستديمة . إن وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة شكل الضربة القاضية للعمل السياسي في المغرب من خلال إعتماد التهريج تارة والبكائية تارة أخرى والحال أن علم الساسة لا يؤمن بالعاطفة بقدر ما يعتمد تخطيط محكم مع وضع استراتيجيات متوسطة وبعيدة المدى قصد مواكبة ما تمليه الديمقراطية في عصر الأيفون والبلاك بري ، أي الإنتقال من ديمقراطية التنظير والتأمل إلى ديمقراطية عملية تطبيقية والحال أن دستور2011 حافل بالقوانين التنظيمية ذات الطابع التطبيقي العملي على أرض الواقع من أجل مواكبة مطالب المواطن المغربي ، والذي أعطاه الدستور الحق في المشاركة في الديمقراطية العملية والتطبيقية من خلال دسترة هيئات الحوكمة ( الواردة في باب هيئات الحكامة الجيدة من الدستور) وهيآت المجتمع المدني كشركاء جدد في تدبير الشأن العام مما يجعل الأحزاب السياسية بصنفيها ( الصنف الأول والصنف الثاني) ملزمة بتغيير نظرتها إلى العمل السياسي وذلك بتوسيع برامجها وشموليتها حتى لا تقتصر على المراهنة على ما ستجود به صناديق الإقتراع التي تكون نعمة أو نقمة على الأحزاب السياسية . وإذا كانت الوطنية والمصلحة العليا للبلاد من بين ما يتغنى به زعماء الأحزاب السياسية فلماذا لا يتم الإستمرار في الغناء خصوصا في ظل المتغيرات الجديدة التي عرفها المجتمع المغربي في الأونة الأخيرة على سبيل المثال : قضية العفو، القرار الأممي في قضية الصحراء، ... وفي الختام لا يمكن للمغرب أن يعرف الديمقراطية التطبيقية والعملية كمرحلة ثانية من البناء الديمقراطي الشمولي ما لم يتم إعادة النظر في المفاهيم السياسية سواء المستعملة في التأطير من قبل الأحزاب من جهة ، والحفاظ على نقاء المشهد السياسي من خلال إزاحة كل الألفاظ السوقية والشعبوية الدخيلة على الممارسة السياسية من جهة ثانية، كما تتحمل الأحزاب السياسية التاريخية منها والحديثة مسؤوليتها كعائق للتنزيل السليم للدستور . *طالب باحث وفاعل جمعوي