هنالك حرب غير معلنة في المغرب بين بعض أصحاب المحلات التجارية والمنازل وعدد من الفضاءات الخاصة وهواة الجلوس في الهواء الطلق ، ولا بد أن تستوقف الإنسان مجموعة من التمظهرات , ولعل أبرز مثال على ذلك قيام هؤلاء بالكتابة على جدران منازلهم وأبواب محلاتهم وفضاءاتهم جملا وتعبيرات تأخذ لهجة الترغيب حينا , والترهيب أحيانا أخرى ... "" يتعلق الأمر هنا بظاهرة تلتقي فيها المسؤولية بين المجتمع والدولة ويتحمل كل منهما جزءا من المسؤولية , ولعل النصيب الأكبر منها يعود للدولة لعدم قيامها بواجبها في تأطير الفئة المعنية , والتي غالبا ما تكون من الشباب العاطل والمحبط والذي يعاني من نقص حاد في الفضاءات العمومية باختلاف تشعباتها , سواء تعلق الأمر بالفضاءات الثقافية والرياضية أم بالمساحات الخضراء . وتوجد في المغرب مدن لا تتوفر فيها مكتبة عمومية واحدة تمكن من اللجوء إليها ومطالعة كتبها ومحتوياتها , وكي يقف الإنسان على حجم الفراغ والخطر الذي يتهدد الجيل الحالي من المغاربة والأجيال القادمة فعليه أن يقوم بجولة في عدد من المقاهي والعلب الليلية حيث تنشط تجارة المخدرات والتعاطي لها,فكم من قاصر أدمن , وكم من عاقل تخبل. وعلى امتداد الرقعة الجغرافية للمغرب وتنوع مدنه تتنوع المهرجانات التي يقال عنها أنها ذات حمولة فنية , بل إن المدينة ذاتها تتنوع فيها تلك الأنشطة والتي يبدو أن ظاهرها ثقافي وباطنها تجهيلي , لأنه غالبا ما يتم صرف ميزانيات ضخمة تقدر بالملايير في ظرف لا يتجاوز الأسبوع . ولو أن الجهات المعنية بالقطاع بما فيها وزارة الثقافة كانت تسعى إلى الاشتغال على ماهو ثقافي لكانت قد قامت باستثمار المال العام الذي يتم صرفه في أنشطة لا تربطها صلة بالفن والثقافة في خلق دور للشباب وتشجيع ثقافة القراءة . فإذا كان المغرب يرى بأن الحداثة والانفتاح تتجسد في تفريخ المهرجانات وتشجيع ثقافة التعري كما وقع للفرقة الإسبانية بمهرجان موزاين , فإنه بذلك سيكون القائمون عليه يمارسون التطرف الحداثي والحداثة الصورية , فالحداثة أيها السادة التي نريد هي الانكباب على إصلاح التعليم والقضاء وخلق فرص الشغل وأنسنة قطاع الصحة والسكن ... سيبدو الأمر غريبا لو تحدثنا عن مشاريع طموحة من قبيل "مكتبة لكل حي ""حاسوب لكل أسرة" , " فرصة شغل لكل مواطن" , وطبيعي لو قلنا " مغنية لكل مواطن" . ويعتبر منتدى أصيلة الذي يشرف عليه وزير الشؤون الخارجية السابق محمد بنعيسى من بين نقاط الضوء القليلة والتي قلما نجدها حينما نبحث عن الإضافات التي تقدمها تلك المهرجانات للحركة الثقافية والفنية بالمغرب , فبالرغم من أن المنتدى نخبوي إلى حدما إلا أنه تجربة ناجحة تستحق التنويه لكون المغاربة بحاجة إلى حركية ثقافية حقيقية وليس إلى ثقافة نانسي وأخواتها. وكي يقف المرء على حجم اللامبالاة التي تتعامل بها الجهات المسؤولة مع الشأن الثقافي والتربوي فعليه أن يقف على البرامج الانتخابية للأحزاب والصراعات التي تنشب حول وزارات بعينها ساعة اقتسام الغنيمة الحكومية , أو ليست وزارات كالشغل والتربية والتعليم هي التي تهربت منها الأحزاب المغربية , أوليس المحجوبي أحرضان هو الذي قال عن وزارة التشغيل بأن حزبه ليس بمكنسة كي يمسك بوزارةمتعبة. طبعا هذا حدث مع الحكومة الحالية , لذا لا يجب علينا أن ننتظر من هذه الحكومة والأحزاب الشيء الكثير. * عمود بدون مجاملةيستمر نشره بانتظام في انتظار عودة الزميل محمد الراجي