مخاوف إسبانية من تعثّر إمدادات الغاز القادمة من الجزائر بعد انقضاء الشهر الحالي، في حال توقيف "قصر المرادية" لاتفاق الغاز الذي يربطها بالمغرب بسبب الخلافات السياسية بين البلدين، حيث تتوجّس الحكومة الإيبيرية من ارتفاع كلف استيراد "الذهب الأسود" في المرحلة المقبلة. وتحدثت صحف إسبانية عن انخفاض كميات الغاز الطبيعي المستوردة من الجزائر بعد الاستغناء عن خط أنابيب الغاز العابر للمغرب؛ لأن أنبوب الغاز البديل المسمى "ميد غاز"، الذي يربط الجارة الشرقية مباشرة بإسبانيا عبر البحر المتوسط، بإمكانه نقل شحنات غازية أقل من تلك التي يضخها خط الأنابيب إلى مدريد. وأشارت مصادر إعلامية إلى مساعي مدريد لإقناع العاصمة الجزائرية بتجديد عقد الغاز مع الرباط، خلال أشغال الزيارة الدبلوماسية التي تزعمّها وزير الخارجية الإسباني بحر الأسبوع الجاري، لافتة إلى اتجاه الحكومة الإيبيرية صوب تنويع مصادر الغاز تطمينات الجزائر، عبر الانفتاح على منتجين آخرين، خاصة أمريكا وقطر. ورقة سياسية هشام معتضد، أستاذ باحث في العلاقات الدولية، قال إن "ارتفاع كلفة التزود الإسباني بالغاز الجزائري بدأ منذ مدة، وسيستمر ارتفاعه في الأشهر والسنوات المقبلة نظرًا لسياسة الجزائر الطاقية، وأسلوبها الإستراتيجي في تسويقه بالمنطقة، بالموازاة مع استمرار انخفاض كمياته في المستقبل بسبب عزم الجزائر وقف خط الأنابيب". وأضاف معتضد، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "ارتفاع تكلفة الغاز بالنسبة إلى إسبانيا راجع أيضا إلى عدم عزم الجزائر على مراجعة هيكلة قطاع التسويق الدولي المرتبط به، وتشبثها بالمناهج التقليدية المكلفة وغير الصديقة للبيئة المرتبطة بهذا القطاع". وأوضح الباحث عينه أن "إسبانيا ستكون دائما أكبر المتضررين من السياسة الغازية الجزائرية؛ وذلك لاعتمادها الكبير على إمداداته واستمرارها في عقد أملها على تنمية هاته الامدادات بشكل مسؤول من طرف الجزائر، وبدون تسييسه من طرفها كورقة ضغط على المستوى الإقليمي". تقلبات مزاجية وإمعانا في التوضيح، أردف هشام معتضد: "التقلبات المزاجية لحكام الجزائر والاعتماد على الغاز كورقة سياسية في المنطقة من أجل خلق ارتدادات جيوستراتيجية، تعتبر رؤية متجاوزة ومرتبطة بعقلية كلاسيكية تقبع في فكر السنوات الأولى للقرن الماضي على مستوى التدبير السياسي". لذلك، فإن "الإسبان سيستمرون في استثمار المزيد من الوقت والمال لضمان الإمدادات اللازمة لمتطلباتهم على إيقاع الهواجس السياسية للجزائر غير مسؤولة، والتي تأخذ منحنيات غير مستقرة ومنتظمة بسبب غياب رؤية وحكمة سياسية لدى حكام الجزائر وسكان المرادية"، يوضح المحلل الإستراتيجي. وخلص المتحدث إلى أن "الإسبان سيكونون مضطرين إلى تغيير سياستهم المتعلقة باستيراد الغاز من الخارج، وربطه بمصادر تُدبرها مؤسسات وحكومات ذات استقرار سياسي ومسؤولية إستراتيجية بعيدًا عن الحسابات السياسية الضيقة؛ لأن الجزائر ماضية في خلق نوع من الفوضى السياسية الاقليمية، بداية بإقدامها على المساس بركائز الاستقرار في المنطقة، ودفع شعبها إلى انعزال إقليمي، ومؤسساتها إلى انزواء جيو-ستراتيجي". ضغط جزائري عبد الفتاح الفاتيحي، خبير قانوني متتبع التطورات العلاقات المغربية- الإسبانية، أفاد بأن "العسكر الجزائري يوظف مختلف إمكانياته لممارسة الضغط، أو بالأحرى صناعة حصار اقتصادي وتجاري وسياسي على المغرب؛ فيما ترجع إسبانيا الخيارات الاقتصادية الواقعية بالتوقع الذي يضمن لها إمدادات آمنة ومستدامة وبأقل كلفة". وأورد الفاتيحي، في حديث لهسبريس، أن "إسبانيا ترى أن أفضل الضمانات لوصول إمدادات غازية مستدامة يتم من خلال استمرار العمل بأنبوب الغاز (الجزائر المغرب اسبانيا)؛ لأن توقيف العمل بهذا الخط يعني ضياع مصالح الشركات الإسبانية المسؤولة عن صيانة الأنبوب". واستطرد الخبير القانوني: "ومن جهة أخرى، فإن إسبانيا معنية بتخفيف حدة التوتر بين المغرب والجزائر تفاديا لتداعيات أمنية وعسكرية"، كاشفا بأن "ما تأمله الجزائر من ضغوط على المغرب لن يكون ذا تأثير كبير على موازنة الدولة". وختم الفاتيحي تصريحه لجريدة هسبريس الإلكترونية بالقول: "لا أعتقد أن المغرب يرد بأوراق ما حيال سلوك العسكر الجزائري؛ وهو ما سيجعل الأخير يتمادى في ارتكاب مزيد من الأخطاء على المستوى الجيو-سياسي".