شكل بيان الخارجية الموريتانية الذي أصدرته الأربعاء الماضي، والذي انتقد بشدة الاحتجاجات التي نظمها مؤيدون للرئيس المصري المعزول محمد مرسي أمام سفارات كل من مصر والسعودية والإمارات بنواكشوط، وأحرقوا خلالها أعلام وصور قادة هذه الدول، أول موقف رسمي صريح يدين التعاطف الشعبي المحلي مع الثورات العربية منذ اندلاعها قبل سنتين، بحسب محللين. ورأي هؤلاء المحللين أنه علاوة على الضغط الذي تعرضت له السلطات الموريتانية قبيل إصدار البيان بيوم واحد من قبل سفراء بعض هذه الدول، فإن الحكومة الموريتانية أرادت أن تسجل موقفها مما يجري في مصر بشكل "صريح" بعد أن كانت مواقفها في بداية الأزمة الحالية في مصر يشوبها الكثير من الضبابية. ومع أن الردود على بيان الخارجية الموريتانية اقتصرت لحد الساعة على بيان ل "المبادرة الطلابية لمناهضة الاختراق الصهيوني وللدفاع عن القضايا العادلة"، التي دعت للأنشطة الاحتجاجية أمام السفارات، اتهمت فيه الخارجية الموريتانية ب"الانحياز لأنظمة البطش والإجرام"، فإن الموقف الرسمي الموريتاني يترجم في واقع الأمر توجها سياسيا معلنا من الربيع العربي بوجه عام. فالنظام الموريتاني الذي أدان احتجاجات شعبية لمواطنيه أمام سفارات عربية يصفها المتظاهرون بأنها "مناوئة للربيع العربي وداعمة للانقلاب بمصر" سبق وأن رفض انتقاد أنشطة احتجاجية قام بها مؤيدون للزعيم الليبي معمر القذافي أمام السفارة القطرية بموريتانيا، أيام الثورة الليبية، أحرقوا خلالها أعلام قطر بسبب دعمها لثوار ليبيا، ورفعوا لافتات تسيء لأميرها السابق، الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، متذرعا وقتها ب"حماية حق التعبير" لمواطنيه. ويبدو جليا إذن أن النظام الموريتاني يظل "متوجسا" من الربيع العربي، خاصة بعد ركوب المعارضة الموريتانية وبعض القوي الشبابية لموجة حراك الثورات العربية، ونزولها للشارع قبل سنتين للمطالبة برحيل الرئيس محمد ولد عبد العزيز عن السلطة. ودفع هذا الأمر السلطات الموريتانية لاتخاذ موقف "متحفظ" من التحولات التي تشهدها المنطقة العربية، فقد ظهرت في البداية كداعم لنظام القذافي في وجه الثورة عليه، وكان في ذيل الأنظمة العربية التي اعترفت بالمجلس الليبي الانتقالي. الموقف الرسمي الموريتاني من القضية السورية اتسم أيضا بذات الخصوصية؛ حيث لا تزال موريتانيا ترفض التنديد بممارسات الرئيس السوري بشار الأسد ضد شعبه. كما شكل تزعم التيارات الإسلامية لحراك الربيع العربي وتصدرها للمشهد السياسي الجديد، "هاجسا" إضافيا لدي نظام نواكشوط "المتخوف" من تنامي هذا التيار محليا بعد وصوله إلي السلطة في المغرب وتونس. ولم يخف النظام الرسمي بموريتانيا في مناسبات عديدة امتعاضه من الثورات العربية، فالرئيس ولد عبد العزيز يحرص دائما على أن يقول "ما يسمي بالثورة"، كما أن السياسيين الداعمين له من قيادات حزبية وبرلمانيين لا يتحدثون عن الربيع العربي بلغة ايجابية أو تصالحية، بل يعتبرونه في معظم أحاديثهم الإعلامية "مصدرا للقلاقل والأزمات". كل هذه المواقف تعكس مؤشر بأن الربيع العربي يشكل "هاجسا" وربما "عقدة" للمسؤولين الموريتانيين. *وكالة الأناضول