مقدمة لا يخفى على أحد أن انتخابات الثامن من سبتمبر من هذا الشهر ستجرى في سياق يهيمن عليه استعمال الوسائط الإلكترونية من قبل الأحزاب السياسية والمرشحين من أجل التواصل السياسي مع الكتلة الناخبة ومحاولة التأثير على قراراتها يوم الاقتراع. هذا يعني أن شبكة الإنترنت، وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي، أصبحت الوسيلة المفضلة للأحزاب السياسية ومرشحيها من أجل التواصل السياسي، خاصة في فترة الكوفيد التي نعيشها. السؤال الذي يطرح في هذا الصدد هو التالي: كيف يمكن ضمان سلامة (نزاهة وشفافية) العملية الانتخابية التي يتم جزء مهم منها اليوم (الحملات الانتخابية في انتظار إقرار التصويت الإلكتروني) عبر الوسائل الإلكترونية؟ من أجل الإجابة على هذا السؤال، لا بد من الوقوف على أهمية الفضاء الرقمي في العملية الانتخابية من جهة، وعلى الجرائم الانتخابية التي تتم في هذا الفضاء من جهة أخرى، وذلك قبل التفصيل في الشروط القانونية التي من شأنها ضمان انتخابات نزيهة وشفافة، خاصة في الجزء المتعلق بالدعاية الانتخابية التي تتم عبر الوسائط الإلكترونية. أولا: أهمية الفضاء الرقمي في العملية الانتخابية في إطار الوضعية الوبائية التي يعيشها المغرب، فرضت السلطات المختصة مجموعة من الإجراءات الاحترازية (منع التجمعات/...) على المرشحين والهيئات السياسية. هذا الأمر ساهم في لجوء الأحزاب السياسية والمرشحين بكثافة إلى البدائل التي يوفرها الفضاء الرقمي، وخصوصا وسائل الاتصال الإلكتروني (البريد الإلكتروني/الرسائل النصية القصيرة/الرسائل متعددة الوسائط/...) ووسائل التواصل الاجتماعي (فيسبوك/تويتر/إنستاغرام/يوتيوب/كلوب هاوس/...) من خلال الرسائل والتدوينات والفيديوهات والصور والتعليقات من أجل التواصل السياسي مع الكتلة الناخبة. حيث تمت ملاحظة تدشين الأحزاب والمرشحين لمواقع رسمية وحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي (إطلاق قنوات على يوتيوب/تدشين صفحة أو صفحات على فيسبوك أو حساب أو حسابات على تويتر) من أجل التعبير عن برامجهم الانتخابية وإنجازاتهم والرد على منتقديهم وتغطية نشاطاتهم. لا بد من الإشارة في هذا الصدد إلى تطبيق "كلوب هاوس" (Clubhouse) حديث النشأة الذي أتاح للأحزاب السياسية ومرشحيها والكتلة الناخبة إمكانية طرح ومناقشة المواضيع الخاصة بالانتخابات والبرامج الانتخابية. الاستخدام المتزايد للوسائط الإلكترونية في الدعاية الانتخابية تنتج عنه في العديد من الحالات جرائم انتخابية ذات طبيعة إلكترونية. ثانيا: الجرائم الانتخابية الإلكترونية الجرائم الانتخابية الإلكترونية هي مجموعة الأفعال التي تتم عبر الوسائط الإلكترونية، خاصة مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تنتهك النصوص القانونية المنظمة للدعاية الانتخابية. ويمكن في هذا الصدد أن نميز ما بين الجرائم الانتخابية الإلكترونية التي تتعلق بوسائل الدعاية الانتخابية وتلك التي تتعلق بمضمون الدعاية الانتخابية. أ-الجرائم الإلكترونية التي تتعلق بوسائل الدعاية الانتخابية: يتعلق الأمر بالجرائم المرتبطة باستخدام المعطيات الشخصية للكتلة الناخبة دون موافقتها من أجل التواصل السياسي معها عبر إرسال رسائل نصية قصيرة أو رسائل متعددة الوسائط أو رسائل إلكترونية. نشير في هذا السياق إلى أن مدونة الانتخابات في المغرب لا تتضمن أي مقتضى قانوني يؤطر عملية الاستقراء السياسي هذه. علاوة على ذلك، فإن مدونة الانتخابات لا تتضمن أي إحالة على القانون رقم 08-09 المتعلق بحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، الذي يعتبر القانون الذي يحكم أي معالجة أو استعمال تجاريا كان أم سياسيا للمعطيات الشخصية للأشخاص الذاتيين. وفي ظل غياب أي نص قانوني يستثني العمليات الانتخابية من نطاق تطبيق هذا القانون، فإن المقتضيات الحمائية التي يحويها هذا القانون تجد حتما طريقها إلى التطبيق. ذلك أن المادتين 9 و10 من القانون 08-09 السابق ذكره يمكن تطبيقها من أجل تجريم التواصل السياسي الإلكتروني الذي يتم بطريقة غير مشروعة، أي باستعمال المعطيات الشخصية (أرقام الهواتف/عناوين البريد الإلكتروني/...) للكتلة الناخبة في هكذا تواصل دون موافقتها. ب-الجرائم التي تتعلق بمضمون الدعاية الانتخابية يتعلق الأمر بمضمون الرسائل والتدوينات والتغريدات والصور وشرائط الفيديو ذات الطبيعة السياسية التي قد تمس بشرف أو اعتبار المنافسين أو بحياتهم الخاصة، أو تتضمن عبارا السب أو القذف أو التشهير. علاوة على ذلك، قد تتضمن الوسائط الإلكترونية التي تستخدم في الحملة الانتخابية أخبارا زائفة تتعلق بالمرشحين أو بالأحزاب السياسية المنافسة التي ينتمون إليها. ومن أجل ذلك، تلجأ الأحزاب السياسية إلى ما يسمى بالجيوش الإلكترونية (الذباب الإلكتروني)، وهو مصطلح يطلق على مجموعات مدربة تعمل وفق أجندات خاصة وتهدف إلى التأثير على الخصوم، والترويج لوجهة نظر معينة، وإسكات وتشويه سمعة المناوئين، إلى جانب ترويج الإشاعات والأكاذيب وخلق البلبلة، عبر حسابات بأسماء وهمية تدار عن طريق روبوتات. كما يجب أن لا ننسى كذلك استخدام الوسائط الإلكترونية من قبل مخابرات الدول الأجنبية من أجل التأثير على نتائج هذه الانتخابات عن طريق النشر المكثف للأخبار الزائفة، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي كما حدث في العديد من البلدان. وأعتقد جازما أنه لا بد من وجود بلدان أجنبية لها مصلحة في فوز هذا الحزب المغربي أو ذاك فتقوم بنشر أخبار زائفة أو وقائع كاذبة من أجل التأثير بشكل غير مباشر على العملية الانتخابية من خلال التأثير في آراء الناخبين. إن هذه الجرائم أصبحت ملازمة لأي عملية انتخابية تستخدم فيها الوسائط الإلكترونية، خاصة خلال الحملة الانتخابية. لذلك، يتعين اتخاد مجموعة من الإجراءات القانونية من أجل حماية العملية الانتخابية، خاصة عندما تتم عبر الوسائط الإلكترونية لغاية إرساء دعائم انتخابات إلكترونية نزيهة وشفافة. ثالثا: نحو انتخابات إلكترونية نزيهة وشفافة نخلص إلى أن نزاهة وشفافية العملية الانتخابية التي تستخدم فيها الوسائط الإلكترونية، خاصة خلال الحملة الانتخابية، تتوقف على إيلاء العناية اللازمة لأمرين في غاية الأهمية: أ-إصدار قانون يحارب الأخبار الزائفة خلال فترة الانتخابات لا يمكن بأي حال من الأحوال إنكار أن مواقع التواصل الاجتماعي تعج خلال الحملة الانتخابية، وحتى قبلها، بالأخبار (تدوينات/تويتات/تعليقات/صور/فيديوهات/...) الزائفة من أجل التلاعب بالرأي العام. صحيح أن المسؤوليات المدنية والجنائية في ما يتعلق بالأخبار الزائفة يمكن البحث عنها في القوانين الموجودة: المادة 417-2 من القانون 103-13 يتعلق بمحاربة العنف ضد النساء والمادة 72 من القانون 88-13 يتعلق بالصحافة والنشر. غير أن هذه المقتضيات القانونية غير كافية من أجل إتاحة السحب السريع للمحتويات السياسية الإلكترونية الضارة بالعملية الانتخابية لتجنب انتشارها أو عودة ظهورها من جديد. لهذه الغاية، صدر بفرنسا القانون رقم 2018-1202 الصادر بتاريخ 22 ديسمبر 2018 يتعلق بمحاربة التلاعب بالمعلومات خلال فترة الانتخابات. نرى إذن أن المشرع المقارن جرم وعاقب على نشر الأخبار الزائفة، خاصة خلال مرحلة الحملات الانتخابية، وألزم المنصات الرقمية (مثل مواقع التواصل الاجتماعي) بإزالة هذه الأخبار في أقل من 24 ساعة، الشيء الذي لم يفعله المشرع المغربي حتى الآن. لذلك، فإن أول شيء يتوجب على المجلس الأعلى للسمعي البصري القيام به هو وضع قانون حول الأخبار الزائفة، خاصة في المواقع الإلكترونية أو مواقع التواصل الاجتماعي، وبالخصوص خلال فترة الانتخابات. ب-إصدار قانون يؤطر استخدام الوسائل الإلكترونية في الدعاية السياسية يتوصل العديد من الناخبين دون إرادتهم بمجموعة من الرسائل النصية الهاتفية ورسائل البريد الإلكتروني تعرف بهذا المرشح أو ذاك وبرنامجه الانتخابي ومنجزاته التي حققها، ويدعوهم من خلالها إلى التصويت له. هذه العملية التي تسمى بالاستقراء السياسي (خلافا للاستقراء التجاري الذي يستخدم المعطيات الشخصية من أجل إرسال رسائل إلكترونية غير مرغوب فيها من أجل الدعاية للسلع والخدمات) تعتبر غير مشروعة، لأنها تضر بالمعطيات الشخصية للأشخاص المستهدفين. لذلك، يتعين إصدار قانون خاص بالاستقراء السياسي يمنع الأحزاب السياسية والمرشحين من استخدام المعطيات الشخصية (أرقام الهواتف/عناوين البريد الإلكتروني/...) التابعة للأشخاص الذاتيين في التواصل السياسي دون موافقتهم. خاتمة تعتبر شبكة الإنترنت، وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي، وسيلة مشروعة للدعاية الانتخابية تنطبق عليها النصوص القانونية الناظمة لضبط وسائل الدعاية الانتخابية التقليدية. غير أن الاستعمال غير المشروع للوسائط الإلكترونية من طرف الأحزاب السياسية والمرشحين من أجل التواصل السياسي من شأنه إفساد العملية الانتخابية. لذلك، ومن أجل ضمان سلامة (نزاهة وشفافية) العملية الانتخابية التي تستخدم الوسائط الإلكترونية، لا بد من اتخاد الإجراءات التالية: – وضع النصوص القانونية القمينة بحماية الانتخابات في مواجهة جرائم نشر عبر الوسائط الإلكترونية للأخبار الزائفة والمضللة خلال المرحلة الانتخابية. – إعطاء دور أكبر للجنة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية التي يتعين عليها أن تتدخل طيلة مدة الحملة الانتخابية، وحتى قبل ذلك، عبر وصلات إشهارية تبين واجبات المرشحين والأحزاب السياسية وحقوق الكتلة الناخبة في ما يتعلق باستخدام المعطيات الشخصية في الاستقراء السياسي. وقد لاحظنا في هذا الشأن ضعفا كبيرا إن لم نقل غيابا تاما لهذه اللجنة في مواكبة العملية الانتخابية، اللهم إصدارها قبل سنوات مضت لبعض التوصيات المتعلقة باستخدام المعطيات الشخصية من قبل الأحزاب السياسية والمرشحين لغاية الاستقراء السياسي. كما يتعين على السلطات المعنية بسلامة العملية الانتخابية أخذ رأي هذه اللجنة من أجل وضع ضوابط تتلاءم واستخدام الوسائط الإلكترونية في هذه العملية. – إجبار الأحزاب السياسية والمرشحين على وضع قائمة بعناوين مواقعها الإلكترونية وحساباتها الرسمية ورفع الغطاء عن بقية المواقع والحسابات التي تنتحل هوياتها. – إنشاء مرصد خاص بمراقبة الجوانب الرقمية للحملات الانتخابية، أو على الأقل تطعيم اللجنة الوطنية لمراقبة الانتخابات واللجنة الوطنية لحماية المعطيات الشخصية بكفاءات في مجال الحملات الانتخابية الإلكترونية. في الختام، يتعين على المغرب أن يحدو حدو العديد من البلدان الديمقراطية التي تسعى إلى ضمان سلامة عملياتها الانتخابية التي أصبحت تجري في سياق يتميز بهيمنة وسائل الاتصال والتواصل الإلكترونيين. في انتظار ذلك، لا يحق لأي كان الادعاء بشفافية ونزاهة العملية الانتخابية الحالية أو العمليات الانتخابية المقبلة. مع كل الاحترام والتقدير للجميع.