الإقصاء الممنهج الذي تعكسه تصرفات الحكومة الإنتقالية في مصرضد جماعة الإخوان المسلمين لن يسجل نقطة لصالح القضية بشكل عام ولن يشكل سكة عبور نحو الإستقرار والأمان الذي يحلم به كل مواطن مصري . فهذه الجماعة ليست وليدة اليوم حتى يتم إجتثاثها بكل هذه السهولة التي يتصورها البعض . فجماعة الإخوان المسلمين تمكنت من شق طريقها منذ عقود من الزمن متحدية مختلف الصعاب مخترقة جدران المضايقات لتتمكن منذ عام من الوصول إلى السلطة عبر أول إنتخابات ديمقراطية يتم تنظيمها بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير . تلاحق الأحداث والتطورات الخطيرة التي شهدها البلد في الأيام الأخيرة ساهم في تعميق الفجوة بشكل كبير بين مختلف الأطراف والفرقاء وباتت الحلول السياسية غائبة تماما في ظل تمسك كل طرف برؤيته وإيغاله في مجابهة الآخر . وهي خطوة تؤسس لمرحلة جديدة ومغايرة تماما لما كان الوضع عليه فبعد سماعنا قبل إحتدام الموقف عن محاولات متكررة من العسكر للتواصل مع بعض القيادات الإخوانية ورفض هذه الأخيرة لكل تلك المساعي بات التنافر وتبادل الإتهامات اليوم هو السمة الأبرز بعد لجوء العسكر إلى خيار القوة عبر فض الإعتصامات المناوئة لهم والمطالبة بعودة الرئيس مرسي والذي اسفر عن سقوط مئات القتلى وآلاف الجرحى . المرحلة الجديدة يمكن وصفها بمرحلة مابعد التفاوض و التي دعمتها بصورة مباشرة تصريحات الوزيرالأول حازم البيلاوي التي قال فيها بأن الحكومة غير مستعدة للمصالحة مع من تلطحت أيديهم بدماء المصريين إضافة إلى تقدمه بطلب لحل جماعة الإخوان المسلمين واصفا إياها بالإرهاب . لا تبدو هذه المرحلة مبشرة وتدق أكثر من ناقوس خطر حول ما يمكن أن تكشف عنه الأيام القاد مة بعد أن تحول الصراع من شرعية مرسي إلى شرعية تيار مؤثر في الحياة السياسية وله حضور معتبر في مختلف الأوساط المصرية . ولا يخفى على أي كان أن المسار الحالي لا يخدم أمن ولا وحدة ولا إستقرار مصرفإلقاء جهة كالإخوان كان لها دور فاعل في ثورة الخامس والعشرين من يناير على نظام مبارك وتتمتع بقاعدة جماهيرية عريضة عوضا غن وصولها لسدة الحكم إلقاءها غير مبرر وبالتالي فإن الدعوة إلى التفكير بجدية في سبيل الخروج من المأزق الحالي باتت مطلبا ملحا والبحث عن مبادرة للحوار بعيدا عن كل أنواع الصدام والصراع يجب أن توضع على قائمة الأولويات خلال المرحلة القادمة التي ينبغي أن تغيب تماما مرحلة مابعد التفاوض التي أخذت في بسط ظلالها القاتمة على المشهد السياسي في مصر. لا أحد في مصر يمكن أن يستفيد من حرب أهلية إذا قدر الله فالضرر سيكون على الجميع بدون إستثناء والتكلفة ستكون باهظة على بلد كمصر يحتل مكانة إستيراتيجية هامة ويتوفر على مقدرات جيدة تتيح له لعب دور معتبر في المنطقة . ولكن من اين يمكن أن تأتي هذه المبادرة ؟ لعل مؤسسة الأزهر أول إحتمال يمكن أن يتبادر إلى الذهن نظرا لكونها أهم مؤسسة دينية في البلد إلا أن وقوف هذه المؤسسة مع الإنقلاب الذي تم على مرسي في الثالث من يوليو الما ضي يجعل منها طرفا في الأزمة والطرف يصعب عليه لعب دور الوسيط رغم أنه من غير المستبعد أن تقدم وساطة أزهرية على أن يتوقف الأمر على مستوى تقبل الإخوان لها مع تطيرهم من موقف شيخ الأزهر المتمثل في دعمه للإنقلاب . ولا شك أن الأزهر قلق بفعل التطورات الأخيرة و لن يدخر جهدا إذا أتيحت له الفرصة من أجل المشاركة في تقارب وجهات النظر. من غير المستبعد ايضا أن يتم تقديم مبادرة من طرف علماء السلفية غير المتحزبين الذين حافظوا بنسبة كبيرة على قدر من الوسطية في تعاطيهم مع الأزمة وهو مايتيح لمبادرتهم قدرا من القبول وقد يكون لها الأثر اللافت في المساهمة في الخروج من الأزمة الراهنة. المبادرات العربية ايضا إحتمال مطروح لكنه يبدو ضعيفا نظرا للجو العام الذي يطبع المناخ العربي في الوقت الحالي من عدم إستقرار ووجود مشاكل في بلدان عربية عدة إضافة إلى تداعيات الأزمة وتأثيراتها وتباين المواقف حولها . ربما تكون إحدى دول الخليج الأوفر حظا لتقديم مبادرة في الوقت الحالي وهو مطلب مطروح وإن تم التشكيك في نجاحها إلا أنها على الأقل ستكون محاولة وفرصة لإقناع الأطراف بضرورة الحوار كسبا لمزيد من التأني والروية وقطعا للطريق أمام الحلول الأمنية التي أثبتت عدم فاعليتها وأكدت على أنها ليست سوى طريقا لتعقيد الموقف أكثر والسير بمصر على طريق الصدامات الذي لاتعرف نهايته . المبادرة قد تكون ذات طابع دولي خارج إطار العالم العربي ولكن المؤكد أن هذه المبادرة أيا كانت جهتها ينبغي أن لا تعمل على إقصاء أي طرف وأن يكون هدفها الأول وقف الصدامات ثم الشروع في بسط بنودها . من غير اللائق ولا الممتع أن يتم التفرج على بلد كمصر صنع شعبه ثورة صارت نموذجا لمقدرة الشعوب على التغييروإرادتها التي لاتقهر وهو ينهار دون أن يتم تحريك ساكن لإنقاذه . لا يمكن التشكيك في عمق فكر السياسيين في مصر ولافي ثقافتهم ولا مستوى إطلاعهم على تجارب البلدان التي شهدت حروبا ونزاعات داخلية وبالتالي فحري بهذه النخب أن تدرك إلى اين تسير بمصر ؟ [email protected]