تابعت بتمعن عرض رئيس الحكومة المغربية حول حصيلة ما حقق من إنجازات خلال السنوات الأخيرة، وهو طبعا كان مسرورا بما يعتقد أنه حققه على أرض الواقع، وبين الفينة والأخرى كان يوعز ما لقيه من مشاكل إلى الوضع العالمي المزري الذي سببته الجائحة، ولولا هذا الوباء لكانت الحصيلة جيدة جدا في جميع المجالات كما ذهب إلى ذلك. وفي بعض الأحيان كان يخفف عنه ثقل ما عاشه أثناء مهامه بالقول بأن الأحزاب المشاركة معه في تسيير الأمور هي كذلك مسؤولة عن حصيلته. السيد رئيس الحكومة أن يقول شخصيا، وكمهتم بالوضع اللغوي بالمغرب، كنت أنتظر من كلمة لو بسيطة بخصوص هذا الوضع. هناك لغتان مدسترتان، ولكن كما يلاحظ الجميع، وقعت انتكاسة كبيرة في السنوات الأخيرة بالنسبة للغة العربية الفصحى بالأخص. ولا أفهم لماذا، وعلى بعد رشقة حجر فقط من الانتخابات المقبلة، يثير رئيس الحكومة، موضوع الأمازيغية في وثيقة خاصة بعثها للمسؤولين في الإدارة المغربية دعا فيها القطاعات الحكومية إلى العمل على تفعيل كافة الإجراءات الواردة في المخطط الحكومي لتفعيل رسمية الأمازيغية. لا أدري عن أية أمازيغية يتحدث، علما وتذكيرا أن السيد رئيس الحكومة عندما يتكلم بلغته الأمازيغية الأم فهو يستعمل اللغة الأمازيغية السوسية، وهي لغة تختلف عن الأمازيغية المعيارية التي جاء بها المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية واستعمل لكتابتها حرفا، كان الأجدر أن يكون إما الحرف العربي بحكم أن المغرب دولة إسلامية قبل كل شيء وأن اللغة التي انتشر بها الإسلام هي اللغة العربية الفصحى، وإما الحرف اللاتيني المعروف لدى الجميع في الداخل والخارج. وفي حصيلته لا يشير السيد رئيس الحكومة بتاتا إلى الوضع الكارثي الذي عرفته اللغة العربية الفصيحة أثناء تسييره للحكومة. المغرب يعيش وضعا صعبا على المستوى اللغوي ويبدو لي أن البلاد سائرة نحو اختيار اللغة الفرنسية كلغة لجميع المغاربة، إذ هي السائدة الآن في الإدارة وفي شتى الميادين، وربما كان هذا هو الحل بالنسبة لأصحاب القرار لتجنب ترجمة ما يٌكتب بالأمازيغية المعيارية إلى اللغة العربية الفصحى ومن هذه الأخيرة إلى الأمازيغية المعيارية... وهذا يعني أن اللغة الفرنسية وحدها كافية وصالحة لقضاء مهام الدولة في جميع الميادين... وهكذا تغيب اللغتان المدسترتان من الساحة. وهنا لا بد من التذكير أن الحزب الذي يترأسه السيد رئيس الحكومة كان، وهو في المعارضة يدافع عن اللغة العربية بشراسة، فكيف اختار التغاضي عن محنة ما تعانيه اللغتان المدسترتان؟ طبعا سيختبئ كما العادة، في أن هذه المسألة تتجاوزه وأن الأمر بيد السلطات العليا في البلاد. لكننا نذكره بأن خطب صاحب الجلالة، حفظه الله، والتي يوجهها إلى شعبه الأبي هي جميعها بالعربية الفصحى والدفاع عن هذه اللغة من طرف السيد رئيس الحكومة يعني الوقوف إلى جانب صاحب الجلالة في اختياره الصائب، والعمل بقدوته التي ستزيد من قوة اللغة العربية الفصحى ومن مصداقية التعامل بها. هذا الهروب المخجل من وضعية لغة الضاد يعطي الدليل على أن الحزب الذي يرأسه رئيس الحكومة بعثر وحطم الثوابت التي كان يقول بأنه متمسك بها، ونحن لا نفهم كيف يحرص على أن يظل متشبثا بمقاليد الأمور إذا كان فعلا مرغما ألا يطبق ما يؤمن به وأن يجبر، إذا كان فعلا مجبرا، أن يتخلى عن مبادئه في الميدان اللغوي. لتبيان التناقض الفاضح الذي يميز الحزب الذي ينتمي إليه رئيس الحكومة، أذكر أن جريدة "التجديد" التي كانت تعبر عن موقف هذا الحزب نشرت بصفحتها الأولى وفي عنوان عريض يوم 13 شتنبر 2009، خبرا دعت فيه الأستاذ عباس الفاسي، الوزير الأول آنذاك، أن يقدم استقالته إذا كان لا يستطيع فعل أي شيء لإنقاذ اللغة العربية الفصحى من الضياع، وقد كان الحزب في ذلك الوقت في المعارضة، وهو ما يقودني للقول: "لماذا لم يطبق رئيس الحكومة على نفسه هذا الحكم وهو يرى أن أمر التشبث باللغة العربية الفصحى ينفلت من يديه؟" الجواب على هذا التساؤل هو أن حزب العدالة التنمية لم يكن صادقا ولا صائبا في ما كان يدعي أنه سيفعله في الميدان اللغوي. وسيسجل التاريخ هذه المراوغات السياسية بكل أسف.