نشر الأستاذ أحمد عصيد تعليقا تضمن الرد على مداخلتي المقدمة يوم 03/05/2011 خلال لقاء دراسي حول : "دسترة الأمازيغية"، وهي المداخلة المضمنة في ورقة تحمل عنوان:" لماذا لا يمكن حاليا دسترة الأمازيغية كلغة رسمية" وهو التعليق الذي يحمل عنوان :" إلى الفاسي الفهري، الأوراغي، بن عمرو، وآخرين". وقد ارتأيت، في نطاق المزيد من التوضيح والإضافة والكشف عن الحقائق الموضوعية، التعقيب على الأفكار الواردة في التعليق، ومن وجهة نظري الخاصة، تاركا لمن ورد اسمهم في العنوان ولكل المعنيين بالتعليق الرد عليه من وجهة نظرهم الخاصة في الموضوع. أولا: الرد على فكرة " تحامل التعريبيين في الآونة الأخيرة مع اقتراب الموعد الحاسم للإعلان عن الدستور المراجع...، ليس لكي يطالبوا بحقوق مشروعة... بل فقط من أجل الحيلولة دون أن ينال غيرهم حقوقه التي ناضل من أجلها لما يقرب من خمسين سنة..." إنني أرد على هذه الفكرة بما يلي: -1- إنني لا أنتمي لما يمكن أن يسمى ب " التعريبيين " ولا لما يمكن أن يسمى " التمزيغيين" وإنما أنتمي إلى "المغربيين" الذين يجمعهم تاريخ واحد ودين واحد وحضارة واحدة، هي الحضارة "العربية الإسلامية" ومشاكل واحدة ومستقبل واحد، وتم، منذ الفتح الإسلامي، وعبر الزواج المختلط إنتاج النسل المغربي، الذي لا يحق لأي فرد من أفراده الإدعاء بأنه أمازيغي خالص أو عربي خالص. نعم أدافع، كغيري من الشرفاء، عن القومية العربية، ليس من منطلق عنصري وإنما من منطلق حضاري، هي الحضارة العربية الإسلامية، التي ساهم في إنتاجها وتطويرها وإغنائها مختلف مكونات العالم الإسلامي المشكل من عرب عاربة وعرب مستعربة، وأعاجم مسلمة. وللعلم، فإن التاريخ يقول بأن العرب الأصليين باليمن انقرضوا وهم من يعرف بالعرب البائدة وإن من بقي منهم هم العرب العاربة (دول الخليج)، والعرب المستعربة المتواجدون بمصر ذات الأصول الفرعونية، وبالعراق ذات الأصول البابلية وبالشام الآشورية والفينيقية (سوريا – لبنان – الأردن – فلسطين) وللعلم فإن جميع هذه البلدان المستعربة تنتمي في الأصل إلى حضارات كبيرة خلفت وراءها معالم فكرية ومادية لا زالت شاهدة على مستواها العالي حتى الآن، سواء على مستوى الآثار أو التأليف أو الكتابة بأحرف غير عربية، ومع ذلك لا يوجد، لغاية تاريخه أية منظمة في العالم العربي تطالب بإحياء حضارتها المنتهية وترسيمها واستعمالها، بحروفها الأصلية، في مختلف المرافق العمومية... وإذا كنت أدافع عن استعمال اللغة العربية الفصحى ( وأضع خطا أحمر على كلمة "فصحى") فليس من منطلق عنصري منحاز وإنما من منطلق قانوني، وهو أن اللغة العربية الفصحى هي الوحيدة المرسمة دستوريا دون باقي اللهجات الأمازيغية والعربية التي تقدر بالعشرات، ومن المعلوم، كما بينت ذلك مداخلتي المشار إليها، فإن ترسيم لغة من اللغات يترتب عليه قانونا وجوب استعمالها في جميع مرافق الدولة وإدارتها ومؤسساتها العمومية والشبه العمومية. ولا حاجة للتذكير بأن القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة وعلى الجميع احترامه. ومن المؤسف جدا، أن تكون اللغة العربية مرسمة دستوريا ولا تستعمل في أغلب إدارات الدولة ومؤسساتها العمومية، بينما اللغة الفرنسية، الغير مرسمة دستوريا تستعمل في أغلب إدارات الدولة ومؤسساتها العمومية بل وفي الأغلبية الساحقة من المؤسسات والشركات والمقاولات الخاصة...هذا في نفس الوقت الذي تستعمل العربية، كلغة رسمية ضمن ست لغات في جميع أجهزة الأممالمتحدة بدون أن يخلق ذلك أية عقدة عند باقي الدول الأعضاء في الأممالمتحدة لتطالب بترسيم لغتها ومنها دول تحتل الرتب الأولى في الاقتصاد الدولي (ألمانيا واليابان مثلا) والتي وصل بعضها إلى أعلى درجة من الحضارة، وتستعمل كذلك في جميع أجهزة المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو) كلغة رسمية ضمن ثلاث لغات (العربية – الإنجليزية - الفرنسية)، دون أن يخلق ذلك أية عقدة لدى باقي الدول الأعضاء المقدر عددها بالعشرات ومنها من فاق جميع الدول العربية في العلوم والاقتصاد والصناعة فتطالب بدوها بترسيم لغاتها (الباكستان - اندونيسيا – ماليزيا – تركيا - إيران). هذا مع العلم بأن دول العالم الإسلامي، التي تضم أكثر من مليار نسمة والتي تتكلم المئات من اللهجات واللغات، لم يرسم أغلبها الساحقة سوى لغة واحدة، وهي الدول العربية بدون استثناء، مضاف إليها دول تركيا (التركية) وإيران (الفارسية) واندونيسيا (الملاوية) وأفغانستان (البوتشوا). وهناك دولتان إسلاميتان تستعمل أكثر من لغة مرسمة وهما ماليزيا (الماليزية والصينية والإنجليزية) وباكستان (اللغات الأردية والفارسية والإنجليزية) -2- لم يحدد الأستاذ عصيد نوع الحقوق التي ناضل من أجلها غير "التعريبيين" منذ ما يقرب خمسين سنة: فإذا كان يقصد بها الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية الواردة في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، ويقصد بعبارة "غير التعريبيين" "التمزيغيين" فإننا لا نشاطره هذا الرأي: فجميع المغاربة الشرفاء بمختلف انتماءاتهم، ومنهم مناضلو حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، كانوا وما زالوا يدافعون عن حقوق الإنسان في شموليتها ليس فقط بالشعارات والتحليلات والمواقف وإنما أيضا بالممارسة والمواجهة بما نتج عن ذلك من تضحيات جسام (اعتقالات – اختطافات – تعذيب – محاكمات – عقوبات سجنية وإعدامات...). وإذا كان الأستاذ عصيد يقصد بحقوق الغير الحقوق الثقافية واللغوية للأمازيغ فإننا نرد على هذا الافتراض المقصود بما يلي: فجميع المغاربة الشرفاء، جماعات وأحزابا وأفرادا متفقون على: -أ- تنمية وتطوير وحماية الأمازيغية ثقافيا ولغويا، وذلك بمختلف لهجاتها شأنها في ذلك شأن باقي اللهجات العربية، وبما في ذلك اللهجة الحسانية ذات المنبعين العربي والأمازيغي، وهو أمر يجد سنده الحقوقي في إعلان مكسيكو لسنة 1982 بشأن الثقافة. - ب- بشأن دسترة اللغة الأمازيغية، فالآراء المطروحة في الساحة، بغض النظر عن حجم كل "رأي" هي: 1- رأي يقول بعدم دسترتها، سواء كلغة وطنية أو كلغة رسمية: - كلغة رسمية: لأنها تنطوي على عدة لهجات مختلفة ومحاولة توحيدها أو تنميطها في مختبر التنميط (المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية) يبعدها عن واقعها الشعبي المعاش، ولأن الأمازيغية المنمطة غير مؤهلة لكي تكون صلة وصل بين مختلف فئات الشعب المغربي ولأن المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان لا تنص على وجوب ترسيم أية لغة من اللغات كيفما علا شأنها وحجم الناطقين بها. - وكلغة وطنية: لأن الأمازيغية بمختلف لهجاتها، ليست اللغة الوطنية الوحيدة فاللغة العربية الفصحى لغة وطنية، واللهجات العربية وطنية أيضا، والحسانية لهجة وطنية،... هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وفي مقدمتها إعلان مكسيكو لسنة 1982، لا توجب دسترة جميع اللغات واللهجات كلغات وكلهجات وطنية. - ب – رأي يطالب بدسترة الأمازيغية كلغة وطنية، أي نسبة إلى الوطن، وذلك لرمزية ما تعنيه كلمة " وطنية ". - وقد ذهب تحالف اليسار الديمقراطي في ورقته " حول مبادئ وأسس ومتطلبات الملكية البرلمانية " إلى إعطاء محتوى معين لكلمة الوطنية، حيث اقترح بأن يتضمن تصدير الدستور كون " الأمازيغية لغة وطنية ولذلك يجب أن تحظى بكافة أنواع الدعم المادي والمعنوي من أجل تنميتها وتطويرها ونشرها ". ج- رأي يطالب بدسترة كل من الأمازيغية والعربية كلغتين وطنيتين: ويظهر أن هذا الرأي ينطلق من باب المساواة بينهما: وتوجه إلى هذا الرأي الانتقادات التالية: + كما يقول الفقهاء لا قياس مع وجود اختلاف، وكذلك لا مساواة مع وجود اختلاف في الشروط والوضعيات مع الأشياء المراد المساواة بينها. + إن إدراج العربية (العربية الفصحى) في الدستور، كلغة وطنية، بعد أن كانت بموجب استفتاءات شعبية متتالية، وقبل سنة 1962 مرسمة دستوريا يعني أن العربية هي بدورها، كالأمازيغية، غير مؤهلة حاليا للاستعمال في المرافق العمومية على المستوى الوطني وفي المؤسسات الدولية (جميع أجهزة الأممالمتحدة – الجامعة العربية – الدول العربية – منظمة الوحدة الإفريقية – المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم الثقافية تستعمل العربية...) وإن الدول التي عملت وصوتت من أجل ترسيمها في هذه المنظمات الدولية وتحملت التكاليف المالية الناتجة عن ذلك كانت خاطئة... + إن تحويل اللغة العربية من لغة رسمية بالدستور إلى مجرد لغة وطنية به يعني الزيادة في ترسيخ وتوسيع استعمال الفرنسية في مختلف المرافق والمؤسسات العمومية والخاصة وعلى اعتبار أنها الوحيدة المؤهلة للتواصل في مختلف المجالات والميادين الرسمية وغير الرسمية وذلك بعد أن ستتخلص من منافس قوي يهدد وجودها في الاستعمال وهو اللغة العربية الفصحى. د- رأي يطالب بالدسترة كلغتين رسميتين لكل من الأمازيغية والعربية : وقد انتقدنا هذا الرأي، بناء على اعتبارات شرحناها في مداخلتنا التي تحمل عنوان: " لماذا لا يمكن حاليا دسترة الأمازيغية كلغة رسمية " ونزيد الأمر توضيحا عن طريق التساؤل الآتي : هناك تساؤل عريض ومبرر موجه إلى أصحاب هذا الطلب وهو: أن أصحاب هذا الرأي، الذين ينتمي بعضهم إلى منظمات حقوقية وآخرون إلى منظمات سياسية والذين يطالبون الدولة والمجتمع بالعمل على دسترة الأمازيغية كلغة رسمية، بما سينتج عن هذا الترسيم من وجوب استعمالها في جميع المرافق والإدارات والمؤسسات العمومية والشبه عمومية، لماذا لا يكونون منسجمين مع مطلبهم فيبدؤون بأنفسهم وذلك باستعمال الأمازيغية في أنشطتهم ومناقشاتهم وتحرير محاضر اجتماعاتهم وفي أبحاثهم وكتاباتهم ومقرراتهم وفي التواصل فيما بينهم وبين الشعب. إنهم يكتفون، على مستوى الممارسة، بكتابة سطر أو سطرين بحروف تيفيناغ في مطبوعاتهم أو لافتاتهم، هي عبارة عن الترجمة لاسم المنظمة أو لشعارها أو لموضوع اللقاء (مهرجان – مؤتمر - ندوة)، أليس هذا نوع من الضحك على الذقون إن لم نقل نوعا من التضليل والديماغوجية والابتزاز الانتخابي والدغدغة على العواطف ؟! ... إن هذا السلوك (التناقض بين المطلب والممارسة) يذكرنا بسلوك الإدارة المغربية في تعاملها مع رسمية اللغة العربية وذلك عندما تكتفي، في مطبوعاتها، بكتابة اسم "المملكة المغربية" بالفرنسية وبالعربية بينما محتوى المطبوع كله محرر باللغة الفرنسية. ثانيا: الرد على ما جاء من كون : "أغلبية التعريبيين مختصون في اللسانيات العربية أو في الأدب العربي أو مناضلون في أحزاب قومية... وأنهم وظفوا في هجماتهم الصغيرة...، ترسانة من المفاهيم المتقادمة التي تعتمد دائما، دون شعور بالضعف أو بالخجل، المرجعيتين الأجنبيتين عن الوطنية المغربية: النموذج الفرنسي اليعقوبي القائم على التوحيد القسري والعروبة الخالصة كفكرة شرقية لم تدخل إلى المغرب إلا في غشت 1930 مع سفيرها شكيب أرسلان ... وأن "التعريبيين يشتركون في أمور ثلاثة: - اعتبار الأمازيغية غير مهيأة لاعتراف دستوري... - سرد الشروط التعجيزية لاستعمال الأمازيغية في الإدارة (التكاليف ...) - اعتبار المساواة بين اللغتين تهديدا للوحدة بين المغاربة... وإننا نرد على ما جاء في هذا الخصوص بما يلي: 1- لا يمكن لأي أحد، داخل المغرب أو خارجه أن يزعم بأنه يجيد التحدث أو المعرفة التامة بجميع اللهجات الرائجة ببلده، ومع ذلك فإن ذلك لا يمنع أي شخص وأي متتبع من أن يعتمد في تقييمه لأية لهجة من اللهجات على ما كتب بشأنها من طرف المختصين في اللسانيات. وتبعا لهذا المفهوم فإذا جاز لنا الاستئناس بما كتب عن الأمازيغية من حيث وضعيتها ومنابعها وحجم المتكلمين بها فيمكن الاستئناس بما كتبه ويكتبه السيد سعدي عثمان رئيس الجمعية الجزائرية للدفاع عن اللغة العربية، والذي توصلت منه، عقب نشر مداخلتي بمراسلة مؤرخة في 8 ماي 2011 من بين ما جاء فيها ما يلي: "... أنا أمازيغي أنتمي إلى أكبر قبيلة أمازيغية هي قبيلة اللمامشة، لي عدة كتب في المسألة الأمازيغية آخرها معجم الجذور العربية للكلمات الأمازيغية حيث فرغت خمسة قواميس للهجتين في الجزائر ولثلاث لهجات بالمغرب، وأعدتها إلى جذورها العربية، وأثبتت بأن تسعين في المائة من كلمات الأمازيغية عربية عاربة أو مستعربة، لأن الأمازيغية لغة عروبية عاربة قحطانية، بينما العربية مستعربة عدنانية، وأن الأمازيغية لهجة عروبية تفرعت عن العربية الأم قبل آلاف السنين...، وأنه لا توجد لغة أمازيغية، وأن الباحث "هنري باسي" أكبر متخصص في البربرية يقول بأن عدد اللهجات البربرية هو خمسة ألاف لهجة وينكر عليها حتى صفة اللهجة...." 2- لم أختر النموذج الفرنسي فقط للقول، بأن القاعدة الأصلية هو أن الأغلبية الساحقة من الدول ترسم لغة واحدة من بين كل اللغات واللهجات التي يتحدث بها مواطنوها، وأن الاستثناء هو القلة القليلة من الدول التي ترسم أكثر من لغة، وقد سقت أسماء العديد من الدول التي ترسم لغة واحدة بادئا بدولة فرنسا. وقد تعمدت أن أبدأ بفرنسا لما لعبته في عهد استعمارها للمغرب، ولا زالت تلعبه في عهد الاستقلال من أدوار خطيرة لعرقلة استعمال العربية، المرسمة دستوريا، في جميع المجالات الرسمية وغير الرسمية، حتى تبقى اللغة الفرنسية، الغير المرسمة دستوريا، هي السائدة في الاستعمال، ولأن النظام السياسي بالمغرب، ومعه العديد من المثقفين الفرانكفونيين المتفرنسين، كان وما زال مبهورا بالنموذج الفرنسي، ليس فقط على مستوى الثقافة واللغة الفرنسية، وإنما أيضا على مستوى الإدارة والتعليم والاقتصاد والتكنولوجيا وتسيير البنوك والشركات والمقاولات...الخ ومن بين العراقيل، التي استعملتها وتستعملها فرنسا، للحيلولة دون استعمال اللغة العربية على أوسع نطاق، حتى تظل الفرنسية هي المهيمنة في الاستعمال، ما يلي: -أ- في عهد استعمارها للمغرب استعمال الفرنسية وحدها في الإدارة وفي المؤسسات العمومية والخاصة وفي العلاقة والتواصل مع المواطنين... تدريس كافة المواد الفرنسية في المدارس العمومية المخصصة لأبناء المغاربة مع استثناء بعض المواد المحصورة في تعليم مبادئ اللغة العربية والنحو والصرف مع اعتبارها موادا غير موجبة للسقوط في الامتحان... القضاء العصري الذي كان مختصا بالفصل في النزاعات المتعلقة بكل القضايا المهمة ذات الطبيعة المدنية والإدارية والتجارية والاجتماعية والعقارية...، وذلك على مستوى المقالات والمذكرات والوثائق والمناقشات والمرافعات والأحكام وكافة الإجراءات... خلق صراع بين العربية والأمازيغية وذلك عن طريق محاولة تقعيد هذه الأخيرة (محاولة خلق قواعد لها) وتعليمها وحدها، دون العربية، في المناطق التي تتكلم اللهجة الأمازيغية (كوليج أزرو نموذجا). + إنشاء محاكم خاصة في المناطق التي تتكلم اللهجات الأمازيغية مختصة بالفصل، في النزاعات المدنية والتجارية والعقارية والأحوال الشخصية، طبقا للتقاليد والعادات البربرية وليس طبقا للشريعة الإسلامية أو طبقا للنصوص القانونية الجاري بها العمل (الفصل 2 من ظهير 16/5/1930. المتعلق بتنظيم العدالة بقبائل العادات البربرية والتي لا تخضع لمحاكم الشرع)، -ب- في عهد الاستقلال: الذي بقي لغاية تاريخه، يحمل رواسب الاستعمار الفرنسي، سواء على مستوى الثقافة واللغة والقوانين والإدارة والمؤسسات والاقتصاد والتجارة أو على مستوى الرموز المدافعة عن هذه الرواسب والتي لا زال العديد منها يتحمل مسؤوليات كبرى في مختلف دواليب الدولة... ومن بين مظاهر هذه الرواسب الاستعمارية، التي رغم الاستقلال المعطوب لا زالت فرنسا تعمل جاهدة من أجل المحافظة عليها، ومن خلالها المحافظة على مصالحها، استمرار استعمال الفرنسية بالمغرب في جل الميادين، إن لم نقل كلها وذلك على حساب العربية المرسمة شكليا، هذه العربية التي تساهم فرنسا في وضع مختلف العراقيل لكي لا تحل محل لغتها في الاستعمال. ومن بين هذه العراقيل: - احتضان العديد من التنظيمات والتوجهات الداعية إلى ترسيم الأمازيغية. - احتضان التوجهات الداعية إلى ترسيم اللهجة العربية بدل اللغة العربية الفصحى. - فتح مدارس البعثة الفرنسية أمام أبناء البورجوازية المتحكمة في دواليب الدولة، إداريا واقتصاديا، وذلك مع بعض الاستثناءات التي لا يعتد بها... - المساهمة في إنعاش التوجهات التي تقول بأن المسؤول عن تدني مستوى التعليم ومستوى القضاء، هو تعريب هذين القطاعين، مع أن المسؤول عن تدنيهما ليس هو التعريب وإنما السياسة والمنهجية المتبعة في إصلاح التعليم وفي إصلاح القضاء، هذا بالإضافة إلى أن التعريب في التعليم انحصر في الثانوي دون أن يمتد إلى العالي، على مستوى العلوم، واقتصر، في القضاء، على المذكرات والأحكام دون أن يمتد إلى الوثائق التي بقيت تصل مفرنسة إلى القضاء، عبر الإدارة المغربية التي لا زالت مفرنسة، باستثناء وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ووزارة التربية الوطنية التي لم تقطع علاقتها مع الفرنسية ونفس الشيء بالنسبة لوزارة العدل. وهنا يوجه سؤال عريض، مطروح على الدولة المغربية وهو: ما الفائدة من ترسيم اللغة العربية إذ لم يترتب على هذا الترسيم استعمالها في جميع الميادين؟! وهناك سؤال آخر يطرح على الأستاذ عصيد ومن خلاله على من يسير على ركبه أو يسير على ركبهم، وهو كالتالي: هناك لغة مرسمة، لا تستعمل في أغلب الحقول، وهي العربية التي ساهم الأمازيغ في إنمائها وتطويرها ونشرها، وهناك لغة أجنبية، هي الفرنسية، وهي غير مرسمة ومع ذلك تستعمل في جل الميادين إن لم نقل كلها، ومع ذلك لم نسمع، في يوم من الأيام أن أحد الجمعيات الأمازيغية استنكرت أو انتقدت عدم استعمال العربية المرسمة واستعمال الفرنسية الغير المرسمة. وما يسمع ويكتب من هذه الجمعيات هو رفض "التعريب" ورفض كلمة "العروبة" وعبارتي "المغرب العربي" و"الشرق العربي".. مع أن: - كلمة "التعريب" لا تعني سوى، استعمال العربية الفصحى في المرافق والمؤسسات العمومية ولا تعني فرض التكلم بالعربية الفصحى على المغاربة بدل التحدث، في حياتهم اليومية بما تحفل به من معاملات وعلاقات، بلهجاتهم الدارجة، سواء منها ذات المنبع الأمازيغي أو العربي أو التكلم باللهجة الحسانية... - وكلمة "العروبة" لا تعني محو اللهجات المتحدث بها في منطقة كبيرة تمتد من الخليج إلى المحيط، وإنما تعني فقط أن هذه المنطقة يجمعها أكثر من سبب يدعوها إلى التعاون الاقتصادي والاجتماعي والثقافي في أفق تحقيق الوحدة السياسية التي لا يمكن أن تقل عن الوحدة الأوروبية (الاتحاد الأوروبي) وذلك متى توفرت شروط هذه الوحدة السياسية، هذا الاتحاد الذي يعتبر أقوى من الجامعة العربية التي يطالب بعض "التمزيغيين" مغادرة المغرب لها...؟! - ومن بين الأسباب التي تدعو المنطقة المعنية إلى التعاون في أفق الوحدة السياسية: - الجوار الجغرافي. - التاريخ الحضاري الذي يجمع أقطارها والذي ساهم في إنجازه كل الشعوب والفئات التي تعايشت في هذه الأقطار بمن فيهم الأمازيغ الأحرار. - الكفاحات المشتركة لدفع الغزو الصليبي وإنهاء الاستعمار الأجنبي ومقاومة الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين. وهل يمكن للشعب المغربي أن ينسى، أثناء كفاحه ضد الاستعمار الفرنسي، ما قدمته الدول العربية المستقلة وقتها، وعلى رأسها جمهورية مصر العربية، من مواقف سياسية ومساعدات مادية ودعم إعلامي داخلي ودولي، والذي لم يكن له مثيل سواء من قبل الدول الإسلامية أو من طرف الدول الغربية... - والنضال المشترك ضد التسلط والظلم والاستغلال والحكم الفردي من أجل القضاء على هذه الوضعية الغير المشروعة ومعها الأنظمة الفاسدة وإقامة بديلا لها وهو الأنظمة الديمقراطية..، وإلا كيف، يمكن أن نفسر هذه الانتفاضات الشعبية العارمة المتفاعلة زمانيا ضد الأنظمة الفاسدة، بالعالم العربي والتي لا زالت مستمرة في تجاوب، تضامني ملموس بين شعوبها ومناضليها... - والترسيم في دساتيرها للغة العربية الفصحى دون اللهجات المحلية وما أكثرها. - ولأن العروبة لا تعني الانتماء إلى الأصل العربي، وإنما تعني الانتماء إلى الحضارة العربية التي ساهم ولا زال يساهم في بنائها مختلف الشعوب العربية والإسلامية، سواء منها التي تقطن العالم العربي أو خارجه. ومن المعلوم، حسب المؤرخين، فإن العرب الأصليون لم يعد لهم وجود (العرب البائدة) وأن ما بقي منهم هم: العرب العاربة بدول الخليج العربي، والعرب المستعربة ذوو الأصول غير العربية ومع ذلك تتكلم العربية ويقطنون بالشرق العربي (العراق – سوريا – الأردن – فلسطين - لبنان) وشمال إفريقيا (مصر – ليبيا – تونس – الجزائر - المغرب) وبجنوب غرب إفريقيا (موريتانيا) وتبعا لما ذكر، فإنني أتحدى أي مغربي أن يثبت، من خلال تحليل جينات دمه، بأن أصله أمازيغي خالص أو عربي خالص. 3- إذا كانت اللغة العربية الفصحى المرسمة تختلف عن اللهجات العربية الغير المرسمة، فإن ذلك لا يبرر، حاليا، ترسيم الأمازيغية المختبرية المنمطة والتي تختلف بدورها عن اللهجات الأمازيغية وذلك للاعتبارات الآتية: أ- إن اللغة العربية الفصحى يعرفها حاليا وفي الوقت الذي يطالب فيه البعض بترسيم الأمازيغية المنمطة، فئات واسعة من الشعب، سواء منهم المتكلمون باللهجات الأمازيغية أم باللهجات العربية، على خلاف ما هو الأمر عليه بالنسبة للمعرفة بالأمازيغية المنمطة. ب- إذا كانت الأمازيغية المختبرية المنمطة تختلف كل الاختلاف عن اللهجات الأمازيغية وغير واسعة الانتشار كما هو الحال بالنسبة للغة العربية الفصحى، فلماذا يا ترى يطالب بترسيمها دستوريا بجانب العربية مع أنه لن يترتب عن ترسيمها سوى مضاعفة تكاليف الاستعمال... - قد يقال بأن استعمال اللغة العربية الفصحى يعتبر بدوره مكلفا ماليا فلننزع عنها (عن اللغة العربية الفصحى) الرسمية، ولكن يرد على هذا القول من زاويتين: - الأولى: لو أسقطنا الرسمية عن اللغة العربية، فلن تبقى هناك لغة رسمية تقوم بالتواصل بين المواطنين، وحتى الفرنسية "المرسمة واقعيا وليس قانونيا" لن تستطيع أن تقوم مقام اللغة العربية، ليس فقط لأنه ليست بلغة وطنية، وإنما، بالإضافة لذلك، تعتبر محدودة المعرفة جدا بين فئات الشعب المغربي ويكاد لا يعرفها سوى فئات صغيرة من المتعلمين والمثقفين، بالإضافة إلى أن استعمالها مكلف ماليا أكثر من استعمال اللغة العربية الفصحى. - الزاوية الثانية: لا يمكن حذف ترسيم لأن الأمازيغية المنمطة لم ترسم، لأنه، وكما يقول الفقهاء، فإن ما لا يدرك كله لا يترك بعضه. وأحسن للمنظمات الأمازيغية أن تطالب بإنهاء استعمال اللغة الفرنسية في مرافق الدولة الأمر الذي سينتج عنه تحويل التكاليف المالية الناتجة عن استعمالها إلى تعزيز الدراسات والأبحاث المتعلقة بالعربية والأمازيغية. وكما قلت في مداخلتي ليوم 3 ماي 2011 فإنه لا مانع من ترسيم الأمازيغية دستوريا بجانب العربية متى توفرت فيها كافة شروط التأهيل، بل ذهبت إلى أبعد حد من ذلك بالقول بأنه إذ تفوقت الأمازيغية على العربية في التأهيل، فلا مانع من نزع الرسمية عن العربية والاكتفاء بترسيم الأمازيغية... 4- لا يمكن القول بأن الأمازيغية يجب ترسيمها لكون لهجاتها تم تنميطها في لغة واحدة تحكمها قواعد معينة وأنها أصبحت قابلة للكتابة بحروف معينة، هي حروف تافيناغ، لا يمكن القول بذلك للاعتبارات الآتية: فمن ناحية: فإن كل لهجة لها قواعد معينة تحكمها سواء كانت لهجة عربية أو أمازيغية، وفي زمن الاستعمار كانت اللهجتين الأمازيغية والعربية تدرس في مستويات معينة ولفئات خاصة... - ومن ناحية أخرى، فإن أية لهجة من اللهجات قابلة للكتابة بأي حرف من الحروف (عربي – أمازيغي – لاتيني..) - ومن ناحية ثالثة: فكل مجموعة من اللهجات يمكن تنميطها في لهجة واحدة أو لغة واحدة في مختبرات التنميط، ولكن من المؤكد أن ما سينتج عن ذلك هو لغة أو لهجة جديدة غير مفهومة من طرف المتحدثين باللهجات الأصلية المشكلة للغة أو اللهجة المنمطة... - قد يقال أن عدم فهم اللغة المنمطة، هو صعوبة مؤقتة سيتم التغلب عليها خلال مدة معينة وعن طريق التعليم، ولكن يد على هذا القول من جهتين: - فمن جهة: فإن تنميط اللهجات المختلفة لا يمكن أن يخلق من هذا التنميط لغة مؤهلة للتعبير عن كافة الأفكار المجردة ولإنتاج المعرفة في كافة المجالات والإبداع. - ومن جهة أخرى: إذا كان فهم اللغة المنمطة يتطلب زمنا ومجهودا لفهمها من قبل المواطنين، فلماذا، يا ترى لا يصرف هذا الزمن والجهد في تعلم اللغة العربية الفصحى، اللغة الرسمية والمؤهلة للتعبير المجرد في جميع العلوم ولإنتاج المعرفة والإبداع في جميع المجالات. ومن المعلوم أن اللهجات العربية هي بدورها عاجزة عن التعبير عن الأفكار والمفاهيم المجردة أو التجريدية. - وإذا كان من القبول تنميط اللهجات الأمازيغية في لغة واحدة ترسم فلماذا لا يكون أيضا من القبول، كما يطالب البعض، بتنميط اللهجات العربية في لغة واحدة هي التي ترسم في الدستور بدل اللغة العربية الفصحى، ويتم التدريس بها، وتستعمل في سائر المرافق العمومية؟! 5- وفما يخص التعقيب على ما جاء بخصوص تكاليف استعمال اللغة العربية واللغات الأجنبية ومن يتحملها...، فإنه: - من جهة: فإن التكاليف الضريبية يتحملها كل المغاربة وبدون أي استثناء وهي الضرائب التي تحسب نسبتها، من الناحية القانونية، على أساس حجم المداخيل. - ومن جهة أخرى: فإن العربية الفصحى إذا كانت تستعمل في بعض المرافق العمومية فإن هذه المرافق يستفيد منها كل المغاربة بدون استثناء. - ومن جهة ثالثة: فإن هناك لغة أجنبية واحدة، وليس أكثر، وهي الفرنسية التي تستعمل في جل المرافق العمومية، إن لم نقل في كلها وتكلف ميزانية الدولة أضعاف ما يكلفه استعمال اللغة العربية... - لقد مضى على ترسيم اللغة العربية (الفصحى) بمقتضى القانون الأساسي للمملكة المعلن عنه بظهير 2 يونيو 1961، نصف قرن، ومع ذلك ولغاية تاريخه لا زالت الدولة المغربية ترفض العمل على استعمال اللغة العربية في جميع المرافق العمومية مع بعض الاستثناءات التي لا يعتد بها. 6- أما فيما يخص تعدد الترسيم في بعض الدول فإنه: أ- وكما قلنا في مداخلة 3/5/2011، فإن الأصل هو ترسيم لغة واحدة والاستثناء هو أكثر وأن الاستثناء لا يقاس عليه ولا يتوسع في تغييره... ب- إن تعدد الترسيم لأكثر من لغة كثيرا ما يتم في دول ذات نظام فيدرالي: - والنظام الفيدرالي هو عبارة عن اتحاد مركزي بين دولتين أو مجموعة من الدول أو الدويلات وتكون فيها الشخصية الدولية للحكومة المركزية مع احتفاظ كل وحدة من الوحدات المكونة للاتحاد نوع من الاستقلال الداخلي الذي يحكمه نظام أساسي يحدد للوحدة سلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية، وهكذا تكون هناك حكومة مركزية وحكومات خاصة بكل وحدة من الوحدات المكونة للاتحاد الفيدرالي، وهي وحدات دستورية لا وحدات إدارية مثل الجهات والأقاليم... - ومن بين ما يتميز به الاتحاد الفيدرالي: أ- أن مواطنيه يتميزون بوعي سياسي مرتفع بالولاء للحكومة المركزية بصورة أكبر من الولاء للحكومة المحلية التي يقطنون بها أو على الأقل بصورة متساوية وذلك على خلاف ما هو عليه الأمر في الدول المتخلفة. وما أكثرها في إفريقيا، حيث يكون الولاء الأكبر للقبيلة والعشيرة والجهة أو المنطقة والتي يحكمها المثل العربي الذي يقول: "أنا وأخي على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغير". إن تصور تشكيل فيدرالية في مثل هذه الدول لا يمكن إلا أن يكون مقدمة للانفصال... ب- إن كل وحدة من وحدات الاتحاد الفيدرالي تقطنها مجموعة يتكلم أغلب أفرادها لغة واحدة. ج- إن الاتحاد الفيدرالي يرسم لغة أو لغتين على الأكثر تستعمل في جميع دويلات أو وحدات الاتحاد ويضيف إليها ترسيم لغة أو أكثر لا تستعمل إلا على المستوى المحلي: إن الاتحاد الفيدرالي إذا كان يرسم أكثر من لغة فهو لا يذهب أبعد من ذلك فيرسم جميع اللهجات واللغات المتحدث بها في دويلات الاتحاد بحيث تظل الأغلبية الساحقة منها بدون ترسيم. - ولنلق نظرة على نماذج من هذه الدول الفيدرالية التي رسمت أكثر من لغة والتي من بينها: سويسرا – بلجيكا – كندا – جنوب إفريقيا – الهند – استراليا: - فسويسرا: رسمت ثلاث لغات هي الألمانية والفرنسية والإيطالية. وكل لغة من هذه اللغات تستعمل بصورة واسعة في الوحدة التي يسكن أغلبيتها المتكلمين بأحد اللغات الثلاث. - بلجيكا: رسمت لغتين هما: الفلمنكية والفرنسية وكل لغة تستعمل بشكل واسع في الوحدة التي يتكون أغلبية سكانها من الناطقين بالفلمنكية أو بالفرنسية. - كندا: وهي فيدرالية أيضا ولها لغتان رسميتان هما الإنجليزية والفرنسية التي لا تستعمل عمليا إلا في منطقة الكيبك بجانب الإنجليزية. - جنوب إفريقيا: التي مساحتها 1.221.037 كلم مربع والتي تتعايش فيها العشرات من اللهجات لم يرسم بها على مستوى مجموع البلاد سوى لغتان هما الإنجليزية والأفريكانية مضاف إليهما حوالي تسع لغات محلية. - الهند: وهي شبه قارة يتجاوز عدد سكانها المليار يتحدثون بالمئات من اللهجات على مساحة من الأرض تصل إلى 3287762 كلم مربع، بها فقط لغتان رسميتان على مستوى بلاد الهند وهما: الإنجليزية والهندية مضافا إليهما 12 لغة رسمية محلية. - أستراليا : وتسمى القارة الاسترالية، مساحتها 7.682300 كلم مربع ليس بها سوى لغة رسمية واحدة تستعمل في مجموع القارة وهي اللغة الإنجليزية. هذا ومن الخطأ القول بأن هناك الترسيم بالكامل والترسيم بالتدريج، فالترسيم لا يتصور إلا تاما كاملا على مستوى النوع وأن من المتصور أن يكون محدودا على المستوى الجغرافي ونقصد بالنوع أن الترسيم عندما يتقرر يجب أن يشمل جميع المرافق العمومية للدولة، أما على المستوى الجغرافي فيمكن أن يشمل الترسيم على كل الوطن أو جزء منه (الترسيم الجهوى)، وفي بعض دول الاتحادات الفيدرالية، التي ترسم أكثر من لغة واحدة، كثيرا ما يتقرر نوعا من الترسيم: أحدهما ترسيم عام يترتب عليه استعمال اللغة المرسمة في مجموع دويلات أو وحدات الاتحاد. وثانيهما ترسيم خاص يترتب عليه استعمال لغة خاصة بكل دويلة من دويلات الاتحاد، وفي جميع الأحوال، أي سواء كان الترسيم عاما أو خاصا فإنه يجب أن يكون شاملا لجميع مرافق الدولة لا بعضها ودفعة واحدة وليس بالتدريج. 7- كما أنه من المغالطة القول بأن القناة الأولى والثانية تنتجان أزيد من 80 ساعة بالعربية بينما لا تنتجان إلا ساعة وخمسين دقيقة في الأسبوع بالأمازيغية. كما لم يتعد تعميم الأمازيغية في التعليم نسبة 10%. فلنفرض أن هذه النسبة صحيحة ودقيقة ألا يحتاج الأمر إلى مناقشة وجدال؟! - فمن ناحية فإن اللغة المستعملة بالقناتين الأولى والثانية هي اللغة العربية الفصحى وهي اللغة الوحيدة المرسمة بالمغرب وبالتالي فهي لغة المغاربة جميعا سواء منهم المتكلمون باللهجة الأمازيغية أم باللهجة العربية أم باللهجة الحسانية. وإذا كانت هذه اللغة الفصحى لا يفهمها الأميون الأمازيغ فإن الأمر كذلك بالنسبة للأميين العرب والحل الوحيد هو القضاء على الأمية بالمغرب. - ومن ناحية ثانية: فإن هناك قناة تلفزية خاصة باللهجات الأمازيغية تشتغل من الصباح إلى ساعة متأخرة من الليل الأمر الذي لا وجود لمثله بالنسبة للهجات العربية التي لم تحظ بقناة خاصة بها. - ومن ناحية ثالثة فإن الأستاذ عصيد لم يتساءل كيف أن لغة أجنبية وهي الفرنسية تكاد تساوي أو تفوق الحصص البرامجية المخصصة للعربية بالقناة الثانية التلفزية. - أما لماذا لم يتم تعميم الأمازيغية في التعليم إلا بنسبة 10 %، فبغض النظر عن صحة هذه النسبة، فإن الجواب عن هذا السؤال متروك لوزارة التربية الوطنية وللمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية...!! 8- أما القول بأن ترسيم لغتين أو أكثر لا يهدد الوحدة الوطنية وأنه لا يمكن الركون إلى هذا القول لأنه يتناقض مع الديمقراطية التي وجدت أساسا ليس لمحو التعدد والاختلاف وإنما لتدبيرهما بشكل سلمي وعقلاني، فإننا نرد على ما جاء في هذا الخصوص بما يلي: - بأن الحق في الاختلاف وفي التعدد لا يعني ترسيم جميع اللغات واللهجات المستعملة في التعبير عن الاختلاف. كما أن الترسيم لا يعني القضاء على تعدد الأفكار والتنظيمات سواء كانت سياسية أو غير سياسية... - كما أن الترسيم لأكثر من لغة له جانبان أحدهما قانوني والآخر سياسي: - قانوني: ويتجلى في كون الترسيم يفرض استعمال جميع اللغات المرسمة في كل المرافق العمومية. - وسياسي: وهو أن ترسيم أكثر من لغة في دولة معينة يساهم في تسهيل الانفصال وبالتالي في تقسيم الدولة لينبثق عنها أكثر من دولة : - والأمثلة عديدة في هذا الخصوص: - فبلجيكا، التي تعيش أزمات سياسية باستمرار، مهددة بالانقسام إلى دولتين.. - والكيبيك بكندا: المرسم به لغتان (الفرنسية والانجليزية) مهدد بالانفصال عن كندا لأن أغلبية قاطنيه، من الناطقين بالفرنسية، يفضلون الانفصال عن كندا وكادت هذه الأغلبية أن تنجح في الانفصال عن كندا في أحد الاستفتاءات المتعلقة بهذا الخصوص. - والمنطقة الكردية : بالعراق شاهدة على هذا القول، فالدستور العراقي لسنة 1970 نص في مادته السابعة على أن اللغة الكردية لغة رسمية إلى جانب اللغة العربية في المنطقة الكردية وفي ظل الاحتلال العسكري الأمريكي للعراق سنة 2003، بدعم من المجندين الأكراد (جيش البشمركة) والذي لا زال قائما حتى الآن بالعراق، أصبحت المنطقة الكردية تسير بخطى سريعة نحو الانفصال التام عن العراق بتأسيس دولة كردية ومن مظاهر السير نحو الانفصال: إحداث علم خاص بالمنطقة الكردية واستعمال اللغة الكردية وحدها بالإدارة والتعليم واعتبار العربية كلغة أجنبية لتعلمها وليس للتعليم بها وتأتي رتبة تدريسها، بعد الإنجليزية. هذا مع العلم بأن الأكراد احتفظوا بالحروف العربية في كتابة اللغة الكردية. 9- أما فيما يخص موضوع علاقة ترسيم الأمازيغية بحقوق الإنسان، فإنني أرد على ما جاء في هذا الخصوص بما يلي: - أؤكد من جديد ما قلته في مداخلة 3/5/2011 بعدم وجود أي ميثاق لحقوق الإنسان يدعو الدول إلى ترسيم لغة أو أكثر من اللغات واللهجات المتداولة بين مواطنيها، وكل ما تدعو إليه هو حماية جميع الثقافات واللغات واللهجات المرسمة وغير المرسمة من التهميش والاندثار، وهذا هو الذي يفسر لنا لماذا رسمت الجمعية العامة للأمم المتحدة ست لغات فقط من بين الآلاف من اللغات واللهجات المتداولة بين مواطني الدول الأعضاء بها، وكل ما تدعو إليه هو حماية جميع الثقافات واللغات واللهجات، المرسمة وغير المرسمة من التهميش والاندثار، وهذا هو الذي يفسر لنا لماذا رسمت الجمعية العامة للأمم المتحدة ست لغات فقط من بين الآلاف من اللغات التي يتكلم بها الملايير من المواطنين المنتمين للدول الأعضاء في الأممالمتحدة. هذا مع العلم أن الجمعية العامة للأمم المتحدة هي المصدر الوحيد لإصدار الإعلانات والمواثيق الدولية والعالمية لحقوق الإنسان، إذن علاقة حقوق الإنسان، كما هي متعارف عليها عالميا محصور في الحماية دون الترسيم... - وفي نطاق الحماية الحقوقية للثقافة واللغة الأمازيغية بكل تفرعاتها، قمت بواجبي الحقوقي عندما كنت رئيسا للجمعية المغربية لحقوق الإنسان لولايتين متتاليتين، وهو الواجب الذي لا زلت أسير على منهجه حتى الآن: - ففي عهد رئاستي للجمعية المغربية صدرت عن الجمعية المطالب الحقوقية الآتية: - حماية الثقافة الأمازيغية. - حماية اللغة الأمازيغية - تدريس اللغة الأمازيغية. - تأسيس معهد لحماية وتطوير الثقافة واللغة الأمازيغية . بطبيعة الحال طول مدة رئاستي للجمعية وعضويتي بها، وهي الوضعية التي لا زالت مستمرة حتى الآن، كنت أعارض صدور أي قرار من الجمعية يطالب بترسيم اللغة الأمازيغية دستوريا، لأن مثل هذا الطلب لن يكون حقوقيا طبقا للمعايير الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وحسب التفاصيل التي استعرضناها في مداخلة 3 ماي 2011 وفي هذا الرد لأن مثل هذا الطلب لن يكون مشروعا وبالتالي يعتبر باطلا ولو صدر بالإجماع من المؤتمر الوطني للجمعية، فمن باب أولي أن يصدر، ولو بالإجماع، من لجنتها الإدارية... - ويظهر أن خلفيات سياسية وانتخابوية تحكمت في الموضوع في المؤتمر الأخير للجمعية (المؤتمر التاسع المنعقد في سنة 2010) فأحيل أمر المطالبة بترسيم اللغة الأمازيغية دستوريا للبث فيه من قبل اللجنة الإدارية المنبثقة عن المؤتمر وهو ما تم فعلا بحيث صدرت عن أحد اجتماعات اللجنة الإدارية المطالبة بترسيم الأمازيغية دستوريا... - على أن النقيب عبد الرحمن بن عمرو، كحقوقي وكمحام، وكمنتمي لحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، لم يكتف، خلال مشواره النضالي، بالدفاع عن الحقوق الثقافية واللغوية الأمازيغية من الوجهة الحقوقية، وإنما تجاوز ذلك إلى الدفاع عن معتقلي حرية الرأي والتعبير من الأمازيغ حتى في الحالات التي تجاوز رأيهم الحدود الحقوقية للأمازيغية.. وإلى الأستاذ عصيد بعض الأمثلة: - في سنة 1982 ارتأى المناضل الأمازيغي المرحوم الأستاذ صدقي أن يدبج مقالا في أحد المجلات من بين ما جاء فيه: أن الفتح العربي للمغرب لم يكن من أجل نشر الديانة الإسلامية وإنما هو غزو يستهدف تحقيق مصالح مادية للإمبراطورية العربية... وبسبب هذا المقال نسبت إليه تهم معينة، أحيل بسببها إلى المحاكمة بابتدائية الرباط وكان المحاميان الوحيدان الذين دافعا عنه هما النقيب عبد الرحمن بن عمرو والمرحوم الصادق العربي شتوكي وكلاهما من حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي وطالبا ببراءته على اعتبار أن عبارة الغزو تدخل في إطار حرية الرأي والتعبير. ولم تقتنع المحكمة بوجهة نظر الدفاع حيث قضت عليه بسنة حبسا نافذا... وعندما حكم علي في سنة 1983 بثلاث سنوات حبسا نافدا بمناسبة ما عرف باعتقالات 8 ماي 1983 التي استهدفت قمع المعارضة داخل حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وتم إيداعي، مع عدد من رفاقي الحزبيين المعارضين، وذلك بأمر من النيابة العامة، السجن المدني بالرباط حيث التقيت بالأستاذ صدقي الذي كان يقضي عقوبته به... - والمثال الثاني يتعلق بالأستاذ حسن إذ بلقاسم، المناضل الأمازيغي الحقوقي، الذي سمح لنفسه، منذ سنين، أن يكتب على لوحة باب مكتبه وبالشارع العمومي التعريف به كمحام باللغة الأمازيغية وبحروف تيفيناغ وهو أمر لم يكن مسموحا به وقتها من قبل السلطة، فكانت النتيجة أن اعتقل من قبل الشرطة وحبس بأحد زنازين الأمن الإقليمي بالرباط لعدة أيام كنت خلالها أتردد يوميا على وكيل الملك لدى ابتدائية الرباط من أجل الإفراج عنه وهم ما تم فعلا بدون إحالته على المحاكمة... 10- بقي في الأخير الرد على موضوع معارضة إصدار توصية من مؤتمر الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان الذي سبق له أن انعقد بالدار البيضاء – المغرب وكنت وقتها رئيسا للجمعية. - وبالفعل اعترضت على صدور توصية من المؤتمر تدعو الدولة المغربية إلى ترسيم اللغة الأمازيغية دستوريا، وهي التوصية التي تقدم بمشروعها بعض الطوارقة الصحراويين المنتمين إلى جمعية حقوقية: - وقد انبنى اعتراضي على الأسباب القانونية التالية: 1- إن مشروع التوصية لا يمكن مناقشته لأنه لم يكن مندرجا في جدول أعمال المؤتمر حسب الإجراءات التي ينص عليها النظام الأساسي للفيدرالية في مادته 18 التي تنص على أن جميع الوثائق المتعلقة بالمؤتمر وبالانتخابات وبالتقارير وبالتوصيات التي ستعرض عليه يجب أن تبعث إلى المنظمات المنخرطة في الفيدرالية وذلك قبل شهرين على الأقل من انعقاد المؤتمر وهو الأمر الذي لم يتوفر في مشروع التوصية المعنية. 2- حتى مع الفرض جدلا بأن التوصية مقبول مناقشتها من الناحية الشكلية، فإنها غير مقبولة من الناحية الموضوعية، لأن موضع التوصية، وهو المطالبة بترسيم اللغة الأمازيغية من طرف مؤتمر الفيدرالية لا يدخل ضمن المطالب الخاصة بحقوق الإنسان حسب التفاصيل التي بيناها في هذا الرد وفي مداخلتنا ليوم 03/05/2011، هذا مع العلم بأن الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، وكافة الجمعيات والمنظمات الحقوقية في العالم، لا تصنع مبادئ حقوق الإنسان الكونية، وإنما تلتزم بتطبيقها وبالتالي تلتزم بعدم التعارض معها. إن الذي يصنع مبادئ حقوق الإنسان، كما هي متعارف عليها عالميا، هو الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكان أهم ميثاق صنعته هو الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وقد أشارت الفيدرالية في المادة الأولى من نظامها الأساسي عن كونها: " ... تهدف إلى الدفاع والتفعيل للمبادئ المصرح بها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في سنة 1948." 3- إن رئاستي للجمعية امتدت من دجنبر 1994 لغاية أبريل من سنة 2001، وخلال هذه المدة لم يصدر أي قرار من الجمعية يطالب بترسيم الأمازيغية في الدستور وبالتالي لم يكن مسموحا لي قانونيا، أن أساند توصية تصدر عن مؤتمر الفيدرالية، الذي انعقد خلال مدة رئاستي، ولو ساندتها، وهذا ما لم أسمح به لنفسي، لتعرضت، وقتها، للمحاسبة والمساءلة من طرف الجمعية... 4- لو كانت الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، التي يوجد مقرها بفرنسا والتي تضم، أكثر من 143 جمعية حقوقية منبثة في مختلف بقاع العالم، مقتنعة بأن ترسيم اللغات هو عمل حقوقي، لقامت، انسجاما مع قناعتها بما يلي: أ- دعوة الدولة الفرنسية التي يقع مقرها المركزي بها (باريس)، إلى ترسيم جميع اللغات السبع المتكلم بها بفرنسا بدستورها. ب- لاستعملت جميع لغات المنخرطين بها في وثائقها ومحاضرها وأجهزتها وأنشطتها ومؤتمراتها، ولكنها لا تستعمل سوى الفرنسية أساسا تم يليها الإنجليزية والإسبانية. ج- لأعدت مشروع توصية عامة، يعرض على أحد مؤتمراتها للمصادقة وبكون موضوعه: دعوة جميع دول العالم، وليس المغرب وحده، إلى أن تصبح جميع اللغات وجميع اللهجات مرسمة دستوريا لدى كل دول العالم التي تنتمي إليها هذه اللغات واللهجات. النقيب عبد الرحمن بن عمرو الرباط في 20 ماي 2011