تعتبر الحرية في التجمعات العمومية والتظاهرات من أهم الحريات التي جاءت في أغلبية المواثيق الدولية، وعلى المستوى الداخلي عملت الدول على دسترة هذه الحقوق إذ تكمن أهمية هذه الحريات في كونها أهم مجال للتعبير عن الرأي والاعلان عما يفكر فيه المواطنين بشكل جماعي، كما أن لحرية التجمع والتظاهر السلمي أهمية سياسية نظرا للعلاقة الوطيدة بينها وبين التمتع بالمواطنة في جو ديموقراطي. على المستوى الداخلي كانت البداية الفعلية لسن هذه الحريات قد بدأت في السنوات الأولى للاستقلال حيث تم إصدار ظهير الحريات العامة: تأسيس الجمعيات، الصحافة والنشر، والتجمعات العمومية. إن الإشكالية الأساسية المطروحة هي محاولة طرح موضوع التجمعات العمومية من الناحية القانونية بشكل نقدي ومقارنته بالواقع والتطرق لما يجب أن يكون في مجال الحقوق والحريات العامة للانضمام للدول الديموقراطية سيرا على خطى الاختيار الديمقراطي الذي قمنا باختياره. تعريف التجمع والتظاهر والتجمهر بالعودة للظهير رقم 1.58.377 المتعلق بالتجمعات العمومية نجد في الفصل الأول منه في الفقرة الأولى أن الاجتماعات العمومية حرة، ورغم أن الظهير يتعلق بالتجمعات إلا أن المشرع وضع كلمة الاجتماعات! في الفقرة الثانية سيعرف المشرع الاجتماع العمومي كما يلي: "يعتبر اجتماعا عموميا كل جمع مؤقت مدبر ومباح للعموم وتدرس خلاله مسائل مدرجة في جدول أعمال محددة من قبل". نستشف من هذا التعريف شروط التجمع العمومي وإذا إجتمعت كلها نكون أمام اجتماع عمومي: جمع مؤقت ومدبر ومباح للعموم ودراسة مسائل وفق جدول أعمال محدد. ويلاحظ أن المشرع المغربي أحجم عن تعريف التظاهر والتجمهر. بينما يعرف الفقه المظاهرات العمومية على الشكل التالي: "المظاهرات العمومية هي المواكب والاستعراضات، أو تجمعات الأشخاص، وبصورة عامة جميع التظاهرات التي تجري على الطريق العمومي." والتجمهر بكونه "تجمع عدواني أو هائج لأشخاص بصفة عفوية وغير متوقعة بالطريق العمومي، أو بأي مكان عمومي أو مكان خصوصي مفتوح في وجه العموم يخل أو قد يخل بالأمن العمومي". الأسس القانونية للتجمعات والتظاهرات بالمغرب بما أن المغرب يعتبر عضوا نشيطا في المجتمع الدولي وجعل الاتفاقيات الدولية تسمو على التشريعات الوطنية بمجرد المصادقة عليها وأكد على المرجعية الكونية لحقوق الانسان فيجب التطرق إلى الدستور المغربي ثم لظهير الحريات العامة المعدل والمتمم بقانون. الدستور كأساس قانوني للتجمعات والتظاهرات كثيرا ما يقع الاصطدام بين هاجسين تكون أمامهما الدولة إذ يجب الحفاظ على الأمن العمومي مع حماية الحقوق في نفس الوقت، ومع ذلك فإن الربط بينهما ألزم المشرع الدستوري على إعطاء الأولوية للحقوق إذ نص في الديباجة على ما يلي: "إن المملكة المغربية، وفاء لاختيارها الذي لا رجعة فيه، في بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون.. وإرساء مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة.. في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة". من خلال ما سبق نلاحظ أن الدستور المغربي باعتباره أسمى قانون في الدولة قد أكد على ضمان الحقوق كغاية ثم القانون كوسيلة لضمان هذه الحقوق، وربط بين أمن المجتمع من جهة وحرية أفراد هذا المجتمع من جهة أخرى. في دستور سنة 2011 نجد أن فصله 6 نص على: "القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة. والجميع، أشخاصا ذاتيين أو اعتباريين، بما فيهم السلطات العمومية، متساوون أمامه، وملزمون بالامتثال له. تعمل السلطات العمومية على توفير الظروف التي تمكن من تعميم الطابع الفعلي لحرية المواطنات والمواطنين، والمساواة بينهم، ومن مشاركتهم في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية." وبالنظر لما جاء في الفصل 37 من الدستور الذي ينص على: "على جميع المواطنات والمواطنين، احترام الدستور، والتقيد بالقانون، ويتعين عليهم ممارسة الحقوق، والحريات، التي يكفلها الدستور، بروح المسؤولية، والمواطنة الملتزمة، التي تتلازم فيها ممارسة الحقوق، بالنهوض بأداء الواجبات". ونظرا لأهمية الحقوق والحريات فقد تم إسناد ما يخص تشريعها للقانون وذلك في الفصل 71 مع التأكيد على إدراجها في المجلس الوزاري الذي يرأسه الملك. من خلال استقراء هذه الفصول، نجد أن الدستور قد حدد من الناحية المبدئية الحقوق والواجبات، وألزم الأشخاص الذاتيين والاعتباريين، بما فيها السلطات العمومية على الامتثال والالتزام والتقيد بالقانون، تحت طائلة إقرار جزاءات تنص عليها قوانين خاصة بكل مجال يتم خرق قواعده. وبالانتقال إلى مقتضيات دستورية أخرى نجد الفصل 29 في فقرته الأولى: "حريات الاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي، وتأسيس الجمعيات، والانتماء النقابي والسياسي مضمونة. ويحدد القانون شروط ممارسة هذه الحريات". والفصل 22 ينص على: "لا يجوز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص، في أي ظرف، ومن قبل أي جهة كانت، خاصة أو عامة. لا يجوز لأحد أن يعامل الغير، تحت أي ذريعة، معاملة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة أو حاطة بالكرامة الإنسانية. ممارسة التعذيب بكافة أشكاله، ومن قبل أي أحد، جريمة يعاقب عليها القانون." هذان الفصلان يندرجان في الباب الثاني الخاص بالحقوق والحريات الأساسية، حيث نص الدستور بشكل صريح على ضمان حريات مهمة وهي: الاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي وتأسيس الجمعيات والانتماء النقابي والسياسي، مع التأكيد على عدم جواز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية أو المعاملة القاسية وغيرها تحت أي ظرف كان. وعلاقة بالاتفاقيات الدولية والمرجعية الكونية لحقوق الانسان، نجد أن الدستور ربط بين سمو الاتفاقيات الدولية في حالة عدم تعارضها مع أحكام الدستور وقوانين المملكة والهوية الوطنية، إن هذا السمو المشروط هو الذي يشكل إشكالية مهمة لأنه يفتح المجال أمام الدول للتمسك بالخصوصية، إلا أن هذه الخصوصية يمكن جعلها مطية لعدم احترام حقوق الانسان. القانون المتعلق بالتجمعات العمومية لا بد من الإشارة في البداية إلى أن الظهير 1.58.377 المتعلق بالتجمعات العمومية لسنة 1958 المغير والمتمم بالظهير الشريف رقم 1.02.200 الصادر في 23 يوليوز 2002 بتنفيذ القانون رقم 76.00 جاء لينسخ مجموعة من الظهائر والقوانين ذات الصلة نفسها أي أن الأساس القانوني بالمغرب يعود إلى سنة 1914. ويتكون هذا الظهير من 3 كتب، الأول يتناول التجمعات العمومية والثاني المظاهرات في الطرق العمومية والثالث التجمهر. والملاحظ أنه بالرغم من التطورات التي عرفها المغرب وما عرفته الساحة والشارع المغربي من تجمعات ومظاهرات فإن الظهير الخاص بالتجمعات العمومية لم يعدل سوى مرتين وذلك من خلال ظهير وقانون، وهذا الأخير كان في 10 أكتوبر 2002) أي قبل عقدين تقريبا وقبل دستور 2011 نفسه، وهنا تكمن إشكالية كون هذا القانون لا يساير الدستور ومضمونه المتقدم. ولعل أن المذكرة الموجهة لرئيس الحكومة سنة 2015 والتي تقدم بها المجلس الوطني لحقوق الانسان والمتعلقة بالتجمعات العمومية أتت بعدة حلول واقتراحات في المستوى ومن بينها : وجوب استحضار مبدأ قرينة قانونية الاجتماعات العمومية، وتبسيط المساطر، واستبدال العقوبات السالبة للحرية والاكتفاء بالغرامات... إن وجود قانونين مختلفين واللذان ينظمان الحريات العامة وبالخصوص حرية التجمعات والتظاهرات، نجد أن الدستور له وضع متقدم ونظرة جيدة نحو ضمان هذه الحريات إلا أن القانون المنظم لها يشمل بعض التقييدات التي لا تتلاءم مع الدستور. فهل سيتم في القريب تعديل ظهائر الحريات العامة بشكل عام والخاص بالتجمعات والتظاهرات بشكل خاص ليكون ملائما للدستور المغربي لسنة 2011 وتطور المجتمع المغربي للعيش في جو ديمقراطي والتمتع بالحريات المتعلقة بالتعبير عن وجهات النظر في الفضاء العمومي بكل حرية؟ خصوصا إذا علمنا أن الظهير قد تم تتميمه سنة 2002 بالقانون 76.00 في بداية الألفية الثالثة ولم يتم تعديله بعد ذلك رغم أن المغرب مر من محطات مهمة فيما يخص التظاهرات والتجمعات العمومية.