لا يمكن الحديث عن التجمعات العمومية دونتقصي حالة ثلاثة مجالات محددة ، تتمثل في الجانب القانوني والأمني والسياسي والتي توضح الصورة الفعلية لتفاعل مختلف المتدخلين في تحديد حجم و نوعية الحريات العامة بالبلاد. 1 – من الناحية القانونية : لا بد من تحليل نصين مؤطرين : النص الأول ظهير شريف رقم 1.02.200 صادر في 12 من جمادى الأولى 1423 (23 يوليو 2002) بتنفيذ القانون رقم 76.00 المغير والمتمم بموجبه الظهير الشريف رقم 1.58.377 الصادر في 3 جمادى الأولى 1378 (15 نوفمبر1958) بشأن التجمعات العمومية حرر بطنجة في 12 من جمادى الأولى 1423 (23 يوليو 2002) وقعه بالعطف الوزير الأول عبد الرحمن يوسفي الجريدة الرسمية عدد 5046 بتاريخ 10/10/2002 . والنص الثاني منشور حديث عممه وزير العدل والحريات مصطفى الرميد بتاريخ12 اكتوبر 2015 حول التجمهر في الطريق العمومي … النص الأول القانون 76.00 الصادر لتنفيذه الظهير 200 لسنة 2002 يعدل مقتضيات ترجع لسنة 1958 مضمنة بالظهير 377 ومن خلال قراءة له يتبين أن المشرع نحا في اتجاه التمييز بين التجمهر المسلح والتجمهر غير المسلح بل إن التعديلات المدخلة عليه تعمدت في الفصل 17 تعويض سبب المنع من "الاخلال بالاطمئنان " الى " الاخلال بالأمن العمومي "…..وأبقت على ربط استعمال القوة بالتجمهر المسلح فقط في حين تم السكوت في حالة التجمهر غير المسلح عكس ما كانت تنص عليه المادة 19 من ظهير التجمعات العمومية لسنة 1958 التي تقضي بأنه " …………………..وإذا كان التجمهر غير مسلح فإن الممثل المذكور يجب المشاركين على الانصراف بعدما يقع الإعلان عن وصوله. وإذا لم ينسحبوا توجه لهم ثلاثة إنذارات متوالية وفي حالة إبداء تصلب يقع حينئذ تشتيت التجمهر بالقوة وتوجه الإنذارات بالعبارات الآتية : امتثلوا للقانون إننا سنستعمل القوة افترقوا " الملاحظ أن تعديل سنة 2002 على عهد التناوب سكت عن طريقة تفريق التجمعات غير المسلحة لكن الفصل 17 منه أقر منع كل تجمع يخل بالأمن العمومي. النص الثاني : وهو منشور أكتوبر 2015 لوزير العدل والحريات جاء بعد تنامي الصيحات بحماية التضاهر السلمي والحق في التعبير ، وهو موجه للوكلاء العامين للملك لدى محاكم الاستئناف ووكلاء الملك بالمحاكم الابتدائية مبرزا ان التجمهر لا يمكن ان يتصف بالجرمي إلا إذا كان مسلحا أو مخلا بالأمن العمومي وأحال على الإجراءات الواردة في الفصول 19 و 21 من الظهير المذكور أعلاه حيث ينص الفصل 21على عقوبة المشارك في التجمهر غير المسلح غير الممتثل لقرار الفض حيث يعاقب بالسجن لمدة تتراوح بين يوم واحد وستة أيام كل من شارك في تجمهر غير مسلح ولم ينسحب منه بعد توجيه الإنذار الثاني وإذا لم يمكن تشتيت التجمهر إلا بالقوة فإن العقوبة بالسجن تكون من خمسة عشر يوما إلى شهرين اثنين . والضاهر أن وزير العدل والحريات سعى إلى تقليص المتابعات التي يكون ضحيتها المتمسكون بحق التعبير عن طريق التجمهر من خلال تدقيق البحث في مسطرة الفض القانوني. 2- من الناحية الأمنية : تسهر وزارة الداخلية على جمع ومعالجة المعلومات المتعلقة بمجالات الأمن والنظام العام وتتكلف مديرية الشؤون العامة لهذه الغاية بتنسيق أنشطة مختلف مصالح الأمن طبقا لاختصاصاتها وتنظيمها الذي حدده المشرع ،وبالتالي فالاخلالبالامنالعموي للمواطنين سيساؤل عنه وزير الداخلية في حالة التقصير وتضارب مصالح المحتجين من المواطنين ومن سواهم من المواطنين الآمنين..على اعتبار أن الحقوق لا يمكن ضمانها إلا بالقانون ، وتكون بالتالي السلطات العمومية محقة في منع تجمهر غير مسلح إذا تبين لها أنه سيخل بالأمن العمومي ، وهذا داخل ضمن سلطتها التقديرية وقدراتها الاحترافية والتي لا يمكن مواجهتها إلا بدعوى الانحراف والشطط في استعمال سلطتها أو في حالة مخالفة أوامر واضحة،في ظل عدم تسليح العاملين على الأمن العمومي بالقدر الكافي من احترام حقوق الانسان وتجسيد الدستور الذي يمنع الفصل 22 منه المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص ، في أي ظرف ومن قبل أي جهة كانت خاصة أو عامة بدل تسليحهم بثقافة التنكيل " بأعداء الوطن" وثقافة مواجهة "الخارجين على القانون". 3 – من الناحية السياسية : يسعى الفاعل السياسي لتفادي كل ما يمس جماهيريته ورضى الناخبين فيعتبر أنه غير مسؤول عن الاختلالات ما دامت شعاراته وبرامجه لا تعترف بها بل تدعو دائما لأفضل الوضعيات وتتبناها ، دون السعي لإلقاء اللوم على المشرع الذي لم يقم بتنزيل الدستور وملاءمة القوانين للدستور بل وإلغاء التي لا توافقه أو تعارضه ، مما يجعل الفاعل السياسي مهتما بالشعارات المرفوعة أكثر من الضوابط القانونية التي لازالت فئات أمنية وسياسية تتحرج من الخوض فيها بدعوى أن دستور 2011 هو دستور استثنائي لظروف استثنائية يجب أن تنتهي إن عاجلا أو آجلا . وعلى سبيل الاجمال إذا كان الأعوان الأمنيون العموميون تصرفوا داخل القانون غير مبالين بشعارات السياسيين فاللوم يقع على البرلمانيين الذين يحتفظون بتشريعات بالية ترجع لسنوات التوجس من المجتمع وحراكه السلمي العلني منه والسري ، أم أن الجهاز الأمني لا زال خارج السياق التاريخي للمغرب حيث أن به وزارة تسهر على الحريات لا العدل وحده . وبالتالي أصبحت الحاجة ملحة لمراجعة جدرية للتشريعات التي لا تتوافق مع الدستور والطعن في دستوريتها تم ما مدى انخراط وزارة الداخلية و الأجهزة الأمنية في التوجهات العامة للدولة المغربية ، حيث تعيش بعض المجالات التي تسهر عليها وزارة الداخلية مذابح حقيقية خاصة في مجال العمل الجمعوي والذي أصبح يعيش حالة استثناء غير معلنة تفرضها السلطات المحلية تحت ذرائع متعددة ، أغلبها أمنية وتوجسية انتخابية تفضح حالة الشرود التي تعرفها وزراة الداخلية بكل أجهزتها الترابية والأمنية وتتمضهر في انفلاتات دموية كالتي هزت الجسم التربوي ومعه المغاربة جميعا عشية تمرير تعديلات أنظمة التقاعد في تفاوت واضح بين فلسفة قيادة الحكومة للبلاد بمنطق الاقدام والشجاعة في ملفات تعتبر مصيرية في منطق الحسابات المالية بينما تغظ الطرف عن حسابات هي ذات قيمة عالية في رصيد الحقوق والحريات في البلاد التي تعتبر الضمان الوحيد للاستقرار والتقدم الحقيقي نحو الأفضل لجميع المغاربة.
عبد المجيد بدر الدين مستشار بمركز يوسف بن تاشفين للدراسات والأبحاث www.cyter.ma