نبدأ الحكاية من النهاية.. أعلن الشيخ محمد الفزازي، على حائطه الفايسبوكي، أنه تم تعيينه خطيبا للجمعة بمسجد طارق بن زياد (السعودي) بطنجة.خبر يطرب ويرعب(..). خبر نهاية عزل شيخ السلفية الثائب، سوف يحظى بمقال تحليلي خاص، لما له من دلالات سياسية وتداعيات جهادية، في زمن فتنة الدول العربية، بعد وصول الاسلاميين للسلطة . لكن ، ما مصير اخوان الفزازي، المغضوب عليهم ، من طرف الوزير البوتشيشي أحمد التوفيق، وما موقف رئيس الحكومة الاسلامي عبد الاله بنكيران ، من عزلهم من الخطابة ، لأسباب محيرة بتنوعها ، وتهم، تذكرني بسنوات الرصاص، وظهير"كل ما من شأنه" السيء الذكر. في سنوات الرصاص، منع الشيخ محمد زحل وخطباء آخرون، من أمثال القاضي برهوم وادريس الجاي والشيخ عصامي وغيرهم ، في محاولة من الوزير الوهابي السابق، عبد الكبير المدغري، المكلف آنذاك، باعادة هيكلة الشأن الديني . وقد كنت شاهدا ومشاركا في المشروع ، بحكم مهامي الدبلوماسية السابقة، وخاصة منها، مهمة التأطير الديني لأفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج ومحاربة التطرف والارهاب "الاسلامي". "اذا كانت الملائكة وهي معصومة من الخطأ، قد اختلفت فما بالكم باختلاف البشر..وهذا يدفعني للتساؤل حول جدوى استمرارية منع الشيخ الجليل محمد زحل وغيره من الأئمة ذوي الرأي الصريح، من مزاولة الخطابة بالمساجد"(فقرة من عمودي بجريدة الأسبوع الصحفي بتاريخ4مارس 1994). . عشرون سنة تقريبا مرت، على تساؤلي، وها أنا ، الآن وقد هرمت، مضطر باعادته، لرئيس الحكومة ، بنكيران ، وقد أصبحت لائحة الخطباء المعزولين أطول،والذي أظن انه لازال متشبثا بالمرجعية الاسلامية، رغم تنكر علبته، الوزير عبد الله بها، لبرنامج الراحل عبد الكريم الخطيب، مؤسس حزب العدالة والتنمية الاسلامي الاخواني.برنامج ومرجعية، أدينا ثمنا باهضا للخفاظ عليها في سنوات الرصاص، الى أن ورثها عنا، السيد بنكيران وجماعته، في اطار صفقة سياسية، لا مجال لذكرها جزئياتها ، الآن. ونفس السؤال، أضيفه للشيخ حمزة زعيم الزاوية البوتشيشية ومريده وزير الأوقاف والشؤون الاسلامية السيد أحمد التوفيق وللشيخ الفزازي.ولهذا الأخير،أقول لا تنسى وأنت تزهو على المنبر،اخوة لك،لا زالوا في السجون ،وآخرون ،ممنوعون من الخطابة . هل كانت أخطاء الخطباء،وأغلبها تدخل في باب الاحتهاد والتعبير عن الرأي،ولم تصل لدرجة الناسخ والمنسوخ،خطيرة لدرجة قرار اعفائهم بطريقة بيروقراطية مهينة.سؤال لا ننتظر جوابا عليه ،حتى لا تضاف تهمة جديدة للخطباء ، من صنف التخابر ، مع حركات مقاومة خارجية. لائحة مؤقتة للخطباء الموقوفين ونوعية التهمة قصص محنتهم مع الاستبداد، منشورة على منابر مختلفة، منها جريدة "التجديد"، لسان حزب العدالة والتنمية الحاكم.وهو دليل قاطع على محدودية سلطة عبد الاله بنكيران رئيس الحكومة ، رغم صلاحياته الدستورية الواسعة ، وربما لتبرئة الذمة. وزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية، صاحبة قرار العزل، لازالت وزارة سيادة، مكلفة بالأمن الروحي، وبالتالي تابعة لأمير المؤمنين. وقد يكون من الحكمة اللجوء له، لرفع الظلم عن الخطباء.. الخطباء المعزولون هم بدون ترتيب عبد الباري الزمزمي(الدارالبيضاء) وعبد الله النهاري(وجدة) ومحمد السحابي(سلا) وعبد المالك البريكي(القنيطرة) و محمد سمير(بوجنيبة) و مولاي عبد الله حميداني(ميدلت) و بنسالم باهشام(خنيفرة) و البشير الوزاري(شفشاون) و عبد العالي الفذي(سطات) ومحمد الخمليشي(فاس) و بالجهة الشرقية ، يتعلق الأمر بكل من يوسف مستاري ، ومحمد بلعباس ، ومحمد بلقاضي ، وعبد الحميد الداودي .وتبقى الائحة غير مكتملة وغير محينة. "جريمة" أو تهمة الاعفاء أذكر بعضها ، كما نشرتها وسائل الاعلام، رفض قراءة خطبة موحدة من طرف وزارة التوفيق ، فيها دعوة للمصلين بالتصويت ب «نعم» على الدستور سنة 2011 ، أوالعلاقة مع جماعة العدل والاحسان، أو حضور جنازة شيخها عبد السلام ياسين، أو دعم حركة 20فبراير، أوانتقاد أمريكا، أوانتقاد وزيرة معينة والاصلاح بالمغرب، أو تحريض القيمين الدينيين على الاحتجاج... حمدا لله أن تهمة التخابر مع حماس لا توجد ضمن هذه الائحة. لكن "مخالفة دليل الامام والخطيب"، تبقى أهم تهمة، لعزل الخطباء غير المرغوب فيهم ، وهي تهمة غامضة تذكرني بظهير "..كل ما من شأنه.." السيء الذكر، في سنوات الرصاص، لتبرير متابعة وسجن المعارضين السياسيين للنظام. أعلن تعاطفي مع المعزولين اتعاطف مع الخطباء المعزولين في محنتهم ، رغم اختلافنا الفكري وأخطائهم البشرية المحتملة ، لأسباب متعددة ، الأسوأ منها ، أن يحصل قرار منعهم من الخطابة، و تعليم الناس شؤون دينهم، من طرف حكومة يقودها اسلامي، ودينها، دستوريا، الاسلام. وقد قررت جمعية أصدقاء المجاهد عبد الكريم الخطيب ،الاهتمام بموضوع عزل الخطباء ،بطلب منهم ، ضمن برنامج عملها ، الذي سينطلق بزيارة ترحم لقبر الراحل الخطيب يوم 27 رمضان الجاري ، وينتهي بندوة صحفية. هدفنا الحفاظ على ذاكرة الراحل الخطيب ، في زمن الخذلان والتنكر لمشروعه المجتمعي والمؤسساتي ،بعد قرصنته من طرف جماعة اسلامية لجأت عند حركته ،وانحرافها عن خطته ، في ظروف غامضة ، لها علاقة بتظهورصحته في آخر أيامه. الدكتور الخطيب ، كان يحلم بالاستشهاد من أجل الاسلام ورجاله وامارة المؤمنين بدون ابتزاز الحاكم ،. ولو لا زال حيا ، كان أول المتمردين على حكومة بنكيران ، لأسباب يطول شرحها ، ومن بينها، ظلم الخطباء بعزلهم ، واغلاق دور القرآن ، في تزامن مع حماية الشيوعيين والتحالفات ، الملتبسة للحفاظ على كراسي السلطة . وختاما بكلمة ،لأن المجال لا يتسع لكشف جزئيات المشروع، مشروع العزل من الخطابة أو العودة لها بشروط(..)، كما حصل للشيخ محمد الفزازي، هناك رهانات تختلف باختلاف أطرافها، فالرهان السلفي لا يتجاوز مرحليا ، البحث عن التعبير عن وجوده المؤسساتي ، أما الرهانات الأخرى، فمختلفة، بعضها مرتبط بخلفية احراج واضعاف الحزب الاسلامي الحاكم ، بتواطؤ بعض قادته ، وبعضها ، وهو الأهم في مشروع الدولة العميقة وتماسيحها وعفاريتها، يرتبط بتعدد شرعية تمثيل الفاعل الإسلامي الممخزن بالمغرب، على غرار الفاعل السياسي المدجن ، ليستمر المخزن حكما، و بطانته ،رئيسة الأوكسترا وضابطة سامفونيتها ، على ايقاع داره. وكل صوت حر،خطيبا اسلاميا أو علمانيا أو أمازيغيا أومتمردا بصيغة ما ، على المخزن، يعتبر نشازا، وأصحابه ، شادون،وبالتالي مرشحون للعزل والاقصاء،للحفاظ على ثقافة الاجماع والتعليمات، وتوافق الأوهام. والله أعلم. * دبلوماسي سابق