مع سينما نبيل عيوش، تعرف من أين أتيت، لكنك لن تعرف إلى أين أنت ذاهب. "علّي صوتك"، هو شريط سينمائي، وهو أيضا ورشة فنية إجبارية لكثير من شبان وشابات لا يمنحون فرصة اختيار الاقتراح الأنسب. ليست هناك أصلا اقتراحات، بل نصف فرصة وحيدة يحملها بطل الفيلم أنس. يستغلونها، ويرفعون صوتهم للتعبير عن آرائهم بكل أريحية. بعد ساعة واثنتين وأربعين دقيقة، أغادر بقلب تعلوه التجاعيد، وبفكرة مفادها أننا ربما استرجعنا عيوش الذي فقدناه في كثير من أفلامه الأخيرة، ومن ضمنها "غزية". أستجمع أنفاسي، وأبحث عن القلم الذي رافقني طيلة هذه الدورة ثم أنطلق. يبدأ الشريط مع أنس الذي يعرج يمينا بسيارته البالية متوجها نحو سيدي مومن، باحثا عن المركز الثقافي نجوم سيدي مومن. هو مغني راپ سابق، حل بالمركز ليؤطر ورشات يشارك فيها شبان وشابات، ويذكرهم بما أسدته ثقافة الهيپ هوپ للأفرو أمريكيين في الولاياتالمتحدة. تواصل عمودي في البدء يخلق علاقة توجس بين المؤطر والمؤطرين، لكنها تتحول بسرعة إلى ألفة وثقة بين الطرفين بتواصل أفقي، وفي الخلفية موسيقى الراپ. في الشريط من ألفه إلى يائه، يحضر الراپ المغربي، وفي كل مرة يمنح أنس للشبان والشابات فرصة الإفضاء بما يخالجهم من شعور ويساورهم من أحاسيس بخصوص مواضيع كثيرة. دين وسياسة ووضع اجتماعي، وكل واحد يحمل صرخة يود أن يطلقها. في "علي صوتك"، هناك رقص وغناء، وهناك أيضا استعراض لمواقف أبطاله من الرقص والغناء. الكاميرا تنقل ملامح الشبان والشابات، وعيوش لا يمل حين ينقل تفاصيل حياتهم. كاميرا تتحرك بإيقاع سريع حين ترصد تحركاتهم، وبإيقاع بطيء حين يتدخل أنس ليمرر رسائله للشباب. هي طريقة نبيل عيوش المعتادة، والفرق الوحيد أن زاوية المعالجة هنا واضحة. تطابق وتنافر يتبادلان مركز الريادة في كل مرة، لتشاهد أحيانا تعاطفا من أنس مع الشباب الذين يجد كثيرون منهم عراقيل لمواصلة تكوينهم في الراپ، ثم تأتي مشاهد أخرى لتنقل بإسهاب ما يعيشه هؤلاء وسط محيطهم الاجتماعي. أغلبهم يسارعون في كل لحظة مكاشفة للإفضاء بالصعوبات التي يعيشونها، والتبخيس الذي تقابل به ثقافة الهيپ هوپ. منهم الشاب الراغب في تحسين وضعه الاجتماعي، ومنهم الشابة المحجبة التي تحاول بكلماتها البسيطة أن تذكر بأن الدين لا يتعارض مع الموسيقى، ومنهم تلك التي تعيش في إصلاحية، ومنهم أيضا الشاب الهادئ الذي لا يفضي بآرائه إلا حين يمنح فرصة نقل نصوصه أمام رفاقه. في "علي صوتك"، أسلوب سلس في الحكي بتركيز على الكوريغرافيا، والنأي عن التعقيدات. في "علي صوتك"، نادى المؤذن للصلاة في أكثر من سبع مناسبات، وحاول المخرج أن يبين ذلك الصراع الذي يتحول أحيانا إلى تعايش هش. في "علي صوتك"، يمنح نبيل عيوش أفضل ترويج لمركز نجوم سيدي مومن، وهو حقه، وفي "علي صوتك"، يبكي الشباب تارة قبل أن يبكي أنس في لحظة ضعف قوية. في "علي صوتك"، هناك أيضا تصوير للسعادة التي يشعر بها أبطال الفيلم، حين يغنون مقاطع يسخرون من خلالها من الفقر والحاجة وقصر ذات اليد. في "علي صوتك"، يصير حلم الشباب هو إقامة حفل تحضره ساكنة سيدي مومن، وهذا الحفل ينتهي بمواجهة بين أنس وبعض من أهالي الشباب ممن لا يتقبلون منح الميكروفون لأبنائهم ليمرروا أفكارهم من خلال الراپ. في "علي صوتك"، شباب لهم صوت وساكنة لا صوت لها، وأنس يقرر أن يغادر لأن من يغير يرفض ويحارب ويهاجم. في "علي صوتك"، تأتي تلك اللحظة التي يصرح فيها الشباب بأن كل العراقيل ما هي إلا بداية للتغيير، يصعدون إلى أعلى المبنى ليقولوا بصوت عال إن كل لحظة وهن تحمل معها بالضرورة جرعة قوة تجعلهم يرفضون أن تصادر آراؤهم. في "علي صوتك"، هناك الموقف واللاموقف، وهي طريقة تذكر بسينما ماتيو كاسوڤيتس. في "علي صوتك"، هناك أيضا أفكار تتكرر أحيانا، وكان بالإمكان أن تقصد في صالة المونتاج. مع سينما نبيل عيوش، تعرف من أين أتيت لكنك لن تعرف إلى أين أنت ذاهب. هو فيلم يدغدغ العواطف أحيانا، ويصور المعاناة بالقدر نفسه الذي يصور به لحظات الفرح في سيدي مومن. بالنسبة لعيوش، الصعوبات التي يواجهها الشباب في سيدي مومن هي نفسها التي عاشها هو في "سارسيل" بفرنسا خلال فترة طفولته. هو فيلم موجه للكبار، وإن كان مفتاحه بيد الشباب، وهو شريط روائي بخلفية وثائقية، خصوصا وأن بعض المشاركين فيه يعرفون المركز ويشتغلون فيه. هل اختير الفيلم لأنه موجه للمشاهد الغربي فقط؟ أبدا. الشريط موجه بالأساس للمشاهد المغربي، ولحظات الصدمة تحضر فقط حين يرغب المخرج في أن يؤكد أن الراپ يشكل أحيانا الملجأ الوحيد لكثير من شبان وشابات لا يجدون حرجا في القول بكل الصدق الممكن بأنهم لا يستوعبون ربما نقاشات الدين والسياسة، لكنهم يخبرون أكثر من غيرهم كيف يتكلمون عن واقعهم بدون أستاذية من أي كان. أصلا، الأستاذ أنس هو الذي يغادر. أنس غادر بعد نهاية الفيلم، لكنه سيعود حتما في المستقبل. في "علي صوتك"، شهادة ميلاد ممثل محترف وموهوب اسمه أنس البسبوسي. نبيل عيوش يمكنه أن يصنع أفلاما يدخل بها المسابقة الرسمية لأرقى مهرجان عالمي، دون أن تكون الفضيحة هي الوسيلة. هو مخرج يتقن حرفته حين يكون صادقا و"علي صوتك" هو بدون ارتياب الشريط الأقرب من حياة المخرج، ومساء السبت قد يعود إلى القاعة الكبرى في حفل الاختتام. هنيئا له، وهنيئا لكل من يجتهد. من السهل توزيع النقاط على مخرجينا، ومن العسير تغيير واقع المهرجانات الكبرى بالكلام الفارغ. نبيل عيوش فتح الباب لكي تدخل أفلام مغربية المسابقات الكبرى مستقبلا، وبدوري أوصد كلامي بلحاف الصمت مؤقتا. نبيل عيوش قال كلمته بصوت عال وانصرف، ولي اليقين بأن مخرجين مغاربة آخرين سيقولون كلمتهم في المواعيد الكبرى مستقبلا. متفائل؟ نعم، متفائل. هناك ما يدعو حقا إلى التفاؤل. أختم بصوت عال؛ سيكون مكاننا مضمونا بين الكبار إذا سير السينما أناس يعرفون معنى الحرفة، ويخبرون كيفية الترويج لها. أنا لا أعطي الدروس، بل أذكر بها فقط لمن يستوعب. هل وصلكم صوتي من "كان"؟ ركن بلال مرميد-ميدي 1- من "كان"