وضعت الأزمة السياسية التي فجرها عزل مرسي من رئاسة مصر بسبب تغوّل الاستبداد الإخواني ، موقف التيار السلفي من ثوابت الشعب المغربي تحت المجهر ، كما وضعت مسألة المراجعات التي سبق وأعلنها شيوخه ، من داخل السجن كما من خارجه ، موضع السؤال عن حقيقتها ومداها . فأن يعلن أي تيار سياسي أو إيديولوجي موقفه السياسي المؤيد أو الرافض لعزل مرسي ، أمر يكفله الدستور والقانون الجاري بهما العمل في المغرب . لكن أن يتجاوز الأمر حدود التعبير السياسي ليمس بثوابت الشعب المغربي الذي أجمع عليها بمختلف قواه السياسية والمدنية ، فمسألة تستدعي الحذر وإعادة النظر في طريقة التعامل ، سياسيا وقانونيا ، مع الأصوات النشاز التي تشكك في الثوابت وتجعل منها مدخلات للفتنة الطائفية والمذهبية التي عصفت بوحدة كثير من شعوب الشرق الأوسط . مناسبة هذا الحديث ما صدر عن الشيخ حسن الكتاني من تغريدات تثبت موقفه الحقيقي من الديمقراطية كنظام سياسي ومشروع مجتمعي أجمع عليهما الشعب المغربي بكل قواه الحية . فقد كتب "الديمقراطية نظام علماني و لا يصلح للمسلمين".ومدلول هذه العبارة وأبعادها يمسان مباشرة بالدستور المغربي الذي يمنع ، في فصله السابع ، المساس بالمبادئ الدستورية والأسس الديمقراطية . وما يزيد من خطورة موقف الكتاني هذا ، أن الرجل عضو قيادي في هيئة سياسية حزب النهضة والفضيلة ورئيس "جمعية البصيرة" . لو أن التصريح بمعاداة الديمقراطية صدر عن مواطن عادي يمكن التغاضي عنه لانعدام تأثيره على النظام العام ، لكن أن يصدر عن عنصر قيادي في حزب سياسي تأسس وفقا للدستور ويشارك في الحياة السياسية وينافس من أجل العضوية في المؤسسات التشريعية والتنفيذية ( البرلمان والحكومة ) ، فالمسألة تستدعي تحركا عاجلا من أجل المساءلة والاستفسار ، تقوم بهما جهتان رسميتان : الأولى هي الهيئة الحزبية التي ينتمي إليها ويحتل العضوية في هرم قيادتها ، باعتبار أن تصريحاته تضع الحزب في حالة صدام مع الدستور وثوابت الشعب المغربي . إذ كيف لهذا الحزب أن يقبل في عضويته أشخاصا لا يؤمنون بثوابت الشعب ولا يحترمون مبادئ الدستور . فإما أن الحزب يوافق الكتاني في مناهضته للديمقراطية ، وفي هذه الحالة يضع الحزب نفسه وهياكله خارج الدستور وفي صدام وخرق للقانون ،الأمر الذي يستدعي حلّه ؛ أو أن الحزب لا يوافق على قناعة عضوه القيادي حسن الكتاني ، وفي هذه الحالة يتوجب إتباع المساطر التأديبية التي ينص عليها القانون الداخلي للحزب . ولحد كتابة هذه السطور لم يصدر عن قيادة الحزب أي رد فعل تجاه تصريحات الكتاني . أما الجهة الثانية المطالَبة بمساءلة الكتاني وهيئته الحزبية ، فهي وزارة الداخلية باعتبارها الجهة المسئولة عن الترخيص للأحزاب ومراقبة مدى التزامها بمقتضيات القوانين وبنود الدستور . ذلك أن تصريح الكتاني في موضوع الديمقراطية يمس مباشرة ، ليس فقط بثوابت الشعب المغربي ، بل بهيبة الدستور والدولة ويطعن في الدور الدستوري لإمارة المؤمنين في حماية الملة والدين . فالدولة التي لا تصون دستورها وقوانينها من الطعن والتسفيه والمساس بها علنا من طرف شخصية حزبية مسئولة ، هي دولة فاقدة للهيبة أو على وشك ذلك. وإذا كان الكتاني دعا الرئيس المصري المعزول بالضرب، بكل قوة وحزم ،على أيدي "الذين يسقطون هيبته من قلوب الناس، لان الدول تقوم بالهيبة و ذهاب الهيبة هو ذهاب للدولة كلها" ، فإن تغريدات الكتاني نفسها تمس بهيبة الدولة ومؤسساتها الدستورية ؛ بل تتجاوزهما إلى الطعن في عقيدة المغاربة ووظيفة إمارة المؤمنين . ذلك أن الحكم بأن "الديمقراطية نظام علماني و لا يصلح للمسلمين"، فيه اتهام صريح للمغاربة بقبولهم التخلي عن عقيدة الإسلام لصالح النظام الديمقراطي . وهذا استهجان للمغاربة واستخفاف بمشروعهم المجتمعي الديمقراطي الذي توافقوا عليه والتزم الملك بالدفاع عنه وإرساء دعائمه . كما أن موقف الكتاني من الديمقراطية هو تطاول بالطعن والتسفيه في حق إمارة المؤمنين نفسها من حيث كونها تدعم الديمقراطية وتشيعها نظامها "العلماني = الكافر" في مجتمع مسلم تتعارض عقيدته الدينية مع هذا النظام . وكأننا بالشيخ السفلي يتهم الملك ، بصفته السياسية (= رئيس الدولة ) وبصفته الدينية (= أمير المؤمنين ) بإفساد عقيدة الشعب المغربي عبر نشر قيم الديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان واستنباتهما في بيئة إسلامية تتعارض عقيدتها مع تلكم المبادئ . وتصريحات الكتاني هذه تفتح بوابة أخرى أمام الاستبداد المتوحش الذي لا يؤمن إلا بالبطش والقتل ضد كل أشكال المعارضة . فالحاكم الذي يريده الكتاني ويدعو له هو الذي" يجب أن يكون حازما ، قويا ، ولذا شرعت الحدود الشديدة لردع الجناة و ترهيب غيرهم". وهذا دليل آخر على كون مراجعات الشيخ الكتاني لم تمس عقائده المتطرفة التي لازال مخلصا لها . كتب حسن الكتاني على صفحته : دروس من احداث مصر: 1. الديمقراطية نظام علماني و لا يصلح للمسلمين. 2. الحق و الباطل لا يلتقيان مثل الزيت و الماء، فإذا التقيا طرد احدهما الاخر. 3. الذي يحكم يجب ان يكون حازما ، قويا ، و لذا شرعت الحدود الشديدة لردع الجناة و ترهيب غيرهم. 4. الحاكم وجه الامة و لذلك لا يجوز له السكوت عن الذين يسقطون هيبته من قلوب الناس، لان الدول تقوم بالهيبة و ذهاب الهيبة هو ذهاب للدولة كلها. 5. ان الناس تهاب القوي و تمجده و لو كان ظالما و تحتقر الضعيف و تكرهه و لو كان وليا لله تعالى. 6. ان شريعة الله بشمولها هي الخير و السعادة للبشرية جمعاء. إن الحكم على الصحفي المغربي مصطفى الحسناوي بأربع سنوات سجنا لأن نفسه حدثته بالغزو قبل سنوات مضت لهو وصمة عار في جبين القضاء المغربي، و صمت الاعلاميين المغاربة عن نصرة زميلهم وصمة عار عليهم، و كل ذلك شرف و فخر في جبين هذا الصحفي الذي سخر قلمه للحق و نصرة أهله (حزب (النور) و الازهر الرسمي اثبتا انهما خونة لهذه الامة لا دين و لا مروءة و لا كرامة و لا شهامة، اف و تف لكما فإلى مزبلة التاريخ) يعلن الشيخ أن ( المثقف المغرَّب اللبرالي التوجه ، كالتقدمي الفيلسوف ، مادي لا يعرف لله وجودا ولا لنفسه معنى . ولا يريد أن يعرف . راض بدوابيته مطمئن إلى ما لقنته الثقافة المؤرخة الشبكية الشمولية الوجودية العبثية من أبجديات المعرفة ونهايات البحث وحقائق ما هنالك )(ص 22 حوار مع .) وكل فكر دخيل على الإسلام لا يمتثل لكلمة الله وسنة رسوله شجرة خبيثة تجتث من فوق أرض الإسلام ولو بعد حين . ولو بعد حين ! )(ص 585 العدل ) ( إن حرية التعبير الشورية ، إن كان الأمر رأيا واختلافا ووجهة نظر ، هي مجال اختيار ووسيلة إظهار . فإن كان الأمر إسفافا وانحطاطا ورذالة فلا مجال ولا مقال )(ص 86 الشورى) . ويخلص الشيخ إلى التأكيد التالي ( في هذا تختلف الديمقراطية ، اللاييكية بطبعها ، عن حكم الشورى ، وتختلف حقوق الإنسان فهمًا ومقاديرَ وطبيعة بين المتعارف عليه دوليا وبين المطلوب شرعا . المتعارف عليه دوليا انتهى منذ قرنين ، منذ الثورة الفرنسية مؤسِّسة الفكر اللاييكي ، من إعطاء أية قيمة سياسية اجتماعية لكون المرء مؤمنا بهذا الدين أو ذاك أو كافرا دهريا ، أو لا أدريا شاكّاً )(ص 143) ( لا ديمقراطية إلا لاييكية بمعنى من المعاني اللاييكية . أصفاها جوهرا لاييكية لادينية مناضلة مقاتلة للدين )(ص296 الشورى والديمقراطية) . لهذا يؤكد ( قضيتنا نحن مصيرية . نحن نطلب الإسلام لا الديمقراطية . ليكن هذا واضحا)(ص 530 العدل). ( نبتة غريبة أنَّى لها أن تستنبت في أرض غير أرضها )(ص23 الشورى.) ( كيف تستقر الديمقراطية هذه المنابذة للدين على قاعدة اجتماعية مزدوجة تفصل بين شقيها التقليدي والعصري مسافة شاسعة في قسمة الأرزاق ونمط العيش وطريقة التفكير وترتيب الأولويات الحياتية ولغة الخطاب . كيف ينبت التنكر للدين وهو هو شرط الديمقراطية في أرض سوادها الأعظم المنحاز المتحزب لهذه الجهة من جدار اللاييكية لا ولاء له ولا شخصية ولا هوية ولا مرجعية ولا تاريخ إلا الإسلام )(ص 73 حوار مع الفضلاء )