اعتبر الدكتور محمد حنين، رئيس لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب، "تشويش" الإعلام الجزائري على نجاح زيارة العاهل الاسباني إلى المغرب بالترويج لاتهامات تتعلق بحقوق الإنسان في الصحراء، بكونه "موقف عدائي ليس غريبا على السياسة الجزائرية اتجاه المغرب". وتساءل حنين، في مقال خص به هسبريس، بالقول "لماذا لا تعير وسائل الإعلام الجزائرية الاهتمام اللازم لمحنة حقوق الإنسان في مختلف المناطق الجزائرية، وللانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في مخيمات تندوف"، ليخلص إلى أن هذه "المناورات أصبحت مكشوفة للجميع، ولا تجني إلا الفشل وخيبة الأمل". وفيما يلي نص مقال حنين كما توصلت به هسبريس: متاهات دفاع وسائل الإعلام الجزائرية عن حقوق الإنسان في الصحراء اختارت بعض وسائل الإعلام الجزائرية التشويش على نجاح زيارة العاهل الاسباني إلى المغرب بالترويج لحقوق الإنسان في الصحراء، وذلك في شكل حملة ممنهجة للمس بمصالح المغرب واتهامه باتهامات وهمية لا أساس لها من الصحة. ومن المؤكد أن وسائل الإعلام هذه تقتصر على تصريف الموقف الرسمي للدولة الجزائرية، بما ينطوي عليه ذلك من عداء مستمر للمغرب. وكمثال على هذه المقالات الصحفية ما نشرته جريدة le quotidien d'Oran الصادرة يوم 17 يوليوز حول تجاهل العاهل الاسباني التطرق لانتهاكات حقوق الانسان في الصحراء . ففي الوقت الذي تقدم فيه هذه المقالات " الموجهة " صورة غير حقيقية عن واقع حقوق الإنسان بالأقاليم الجنوبية ، فإنه كان من الأفيد أن تهتم أكثر بوضعية حقوق الانسان في الجزائر حتى لا تكلف نفسها الاجتهاد من أجل تزييف الوضع الحقيقي لما تعرفه حقوق الانسان في الصحراء. فهذا الموقف العدائي ليس غريبا على السياسة الجزائرية اتجاه المغرب، بل يشكل أولوية قصوى ضمن الأجندة الرسمية للجزائر ضمن سياستها الخارجية في ارتباط بتخطيطها و توجيهها للطرح الانفصالي في جنوب المغرب. وبالفعل فهي تحرص منذ احتضانها لجبهة البوليساريو على تقديم الطرح الانفصالي في قالب براق، من خلال ربطه بحق تقرير المصير لكسب التأييد الدولي ولتفادي الاصطدام مع مبدأ نبذ الانفصال المؤدي الى المس بقدسية الوحدة الترابية للدول الذي يكرسه القانون الدولي. لكن هذا البريق يبقى لمعانه خادعا، لكونه في الجوهر ينطوي على أبعاد خبيثة لما يطمح إليه من استئصال وتجزئة، فالجزائر تستمر في دعم هذا الطرح رغم ما ينطوي عليه من مخاطر بالنسبة للمنطقة وللمجموعة الدولية بسبب ما يترتب عن الانفصال من كيانات قزمية لا تتوفر على مقومات العيش، ولا تقدر على الوفاء بالالتزامات الدولية في مجالات السلم والأمن الدوليين. وهكذا تدعم الجزائر الطرح الانفصالي بأشكال مختلفة، وتتحمل من أجل ذلك تكاليف جد مرتفعة من جراء ما تصرفه من أموال دبلوماسيا وعسكريا ودعائيا (في غياب أرقام رسمية تقدر تكاليف هذا الدعم بحوالي 200 الى 250 مليار دولار). ومن المؤكد أن الأموال الباهظة التي صرفت ولا زالت تصرف من الخزينة الجزائرية كان بالإمكان لو تم صرفها في مشاريع تنموية أن تجعل اليوم من الجزائر قطبا تنمويا نموذجيا في إفريقيا والعالم العربي، وتتفادى بالتالي ما تعرفه من أزمات اجتماعية خانقة بسبب البطالة والفقر وأزمة السكن وانعدام الأمن، واستمرار قمع المطالب والاحتجاجات الشعبية مع ما ينطوي عليه ذلك من انتهاكات مختلفة لحقوق الإنسان. فماذا كان سيكون رد السلطات الجزائرية لو تم توظيف هذه الانتهاكات سياسيا ضد النظام الجزائري؟ ودون أي افتراض للجواب فإنه من المفيد التذكير بالمثل المغاربي القائل " إذا كان بيتك من زجاج لا تضرب جارك بالحجر". وهو ما عبر عنه الجزائري علي بلحاج الرجل الثاني في جبهة الإنقاذ الإسلامية في بيان بمناسبة الذكرى 11 لاغتيال عبد القادر حشاني عندما أكد "أن انقلاب الجيش الجزائري على الإرادة الشعبية سنة 1992 تمخض عنه نفي 17 ألف واعتقال نصف مليون واختطاف 20 ألف و اغتيال 200 ألف، فهل النظام الذي تسبب في كل هذه الفظائع بحق شعبه له الحق أن يعطي دروسا للآخرين في احترام حقوق الشعوب...". فلماذا لا تعير وسائل الإعلام الجزائرية الاهتمام اللازم لمحنة حقوق الإنسان في مختلف المناطق الجزائرية؟ ولماذا تصرف النظر عن هذه المحنة المستمرة، وعن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان في مخيمات تندوف، وتخوض بالمقابل في قضايا حقوق الإنسان في مناطق أخرى لا تعلم عنها إلا ما يملى عليها من الأجهزة الجزائرية؟ ولمن يرغب في معرفة المزيد من التفاصيل حول ما تعرفه وضعية حقوق الإنسان في الجزائر من تدهور، عليه أن يطلع على سبيل المثال على تقرير منظمة العفو الدولية السنوي حول وضعية حقوق الإنسان في العالم برسم سنة 2013 ، و كذا على تقرير رابطة أسر المختفين بالجزائر بتاريخ 28 يونيو 2013 الذي قدمته هذه الر ابطة في باريس ، بمقر منظمة العفو الدولية، حول "الانتهاكات المتعددة لحقوق الإنسان" المرتكبة في البلاد منذ عام 2011، بما في ذلك المطالبة بالكشف عن مصير أكثر من 8000 مدني اختفوا بعد اعتقالهم من طرف قوات الأمن خلال الحرب الأهلية في الجزائر، و قد استنتج هذا التقرير أن "النظام الجزائري يريد الحفاظ على وهم التغيير، بينما يتواصل واقع القمع والإفلات من العقاب وانتهاك الحريات العامة وحقوق الإنسان". و بالرغم من هذا الوضع المتردي لحقوق الإنسان في الجزائر فضلا عن معاناة سكان منطقة القبايل والطوارق في الصحراء الجزائرية، وفي ولاية اليزي على الحدود الجزائرية الليبية، فإن وسائل الإعلام الجزائرية لا تعيرها أي اهتمام بل تصرف عنها النظر، وتقود حملاتها للتشهير بالمغرب في كل مناسبة تحقق فيها الدبلوماسية المغربية مكاسب، و تزداد هذه الحملات شراسة كلما عرفت علاقات المغرب مع الخارج نجاحا ، فقد حدث ذلك هذه السنة عدة مرات منها الزيارة الرسمية لهولاند لبلادنا، وبمناسبة الزيارة الناجحة لجلالة الملك لعدد من الدول الافريقية، وتكرر ذلك بمناسبة زيارة العاهل الاسباني. ومقابل ذلك لا يوظف المغرب دبلوماسيا ولا اعلاميا قضية حقوق الانسان ضد الجزائر لسبب بسيط يتعلق باحترام الشؤون الداخلية لهذه الأخيرة. وما تتجاهله وسائل الإعلام الجزائرية المعادية لمصالح المغرب هو أن سكان الأقاليم الصحراوية يمارسون حرياتهم وحقوقهم وفق ما يضمنه الدستور والقوانين المغربية بدون تمييز بينهم وبين سكان الأقاليم المغربية الأخرى. ومن ثم، فدعم الطرح الانفصالي ينبني على فرضيات متقادمة، ولا تراعي طموحات سكان الصحراء خاصة الأغلبية الساحقة منهم التي اختارت الاستقرار والاندماج في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للمملكة المغربية، ومن بين المظاهر التي تدل اليوم على هذا الاختيار تقلد أبناء الصحراء لمناصب المسؤولية لتدبير الشأن العام في الصحراء، سواء عن طريق الانتخابات في مختلف الجماعات المحلية، أو في البرلمان أو عن طريق التعيينات في مختلف المناصب الحكومية (عدد منهم مؤسسون و قياديون سابقون في البوليساريو). أما من اختاروا العيش في مخيمات فوق تراب دولة مجاورة، فلا يوجد ما يمنعهم من الالتحاق بوطنهم كما فعل من قبلهم المئات من الأشخاص، وهم اليوم يستفيدون من نفس الحقوق والحريات التي يستفيد منها إخوانهم في مختلف أقاليم المملكة، ويساهمون في تنمية أقاليمهم بحماس و مثابرة. أما مشكل المحتجزين بهذه المخيمات فهو في حاجة الى تدخل عاجل للمفوضية السامية التابعة للأمم المتحدة المكلفة بشؤون اللاجئين لمعالجة أوضاعهم الانسانية المتدهورة بما في ذلك إحصائهم وإعادة توطينهم ، لكن مسؤولا رفيعا من هذه المفوضية أكد أثناء استقباله بجنيف لوفد برلماني عن الأممية الليبرالية خلال شهر ماي الماضي أن حل مشكل هؤلاء رهين بتسوية الخلاف السياسي بين المغرب و الجزائر . صحيح أن هناك مجموعة من المشاكل ذات الطابع الاجتماعي بالأقاليم الصحراوية تتعلق بصفة خاصة بالبطالة، والصحة، والسكن وغيرها، وهي مشاكل لا تختلف عما تعرفه بقية أقاليم المملكة، كما أنها تستأثر باهتمام السلطات العمومية، لكون الجهود متواصلة لإيجاد حلول لها في إطار خطة تنموية جهوية مندمجة، وفقا لما تسفر عنه الدراسة التي يعكف عليها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي. لكن، مع الأسف يستغل خصوم الوحدة الترابية من وقت لآخر بعض الاحتجاجات الاجتماعية للزج بأتباعهم لمحاولة تحويل الاحتجاجات الى مطالب أخرى، والترويج لذلك على نطاق واسع، وذلك بدعم وتوجيه من الأجهزة الجزائرية. فهذه الأجهزة تخطط باستمرار للتشويش على الاستقرار والأمن في الصحراء من خلال دعم و تمويل عمليات البوليساريو في المنطقة خاصة أن اتساع فضاء الحقوق و الحريات يسمح لخصوم الوحدة الترابية للمغرب بإغراء بعض الشباب العاطل وذوي السوابق واستقطابهم للقيام بعمليات استفزازية ضد عناصر قوات الأمن تصل إلى الاعتداء والإهانة من أجل دفعهم الى استعمال العنف، فيتم توظيف المناوشات مع هذه القوات في الترويج لانتهاكات حقوق الإنسان. فهل بهذه الأساليب يمكن تزييف الحقائق والاستمرار في تضليل الرأي العام الدولي ؟. ومن المؤكد أن هذه المناورات أصبحت مكشوفة للجميع ولا تجني إلا الفشل وخيبة الأمل. وأعتقد أنه على من يدبر هذه المناورات أن يعلم أنه لا تكفي تعبئة وسائل الاعلام كلما استقبلت المملكة ضيوفها لإحراج المغرب والتشويش على علاقاته الخارجية. فها هو تصريح وزير الخارجية و التعاون الاسباني خوصي مانويل غارسيا مارغايو في ختام زيارة العمل الرسمية للعاهل الاسباني يبرز فشل محاولات خصوم المغرب في التأثير على هذه الزيارة، فقد أكد على نجاح الزيارة واعتبرها رائعة ومتميزة بكل المقاييس . فمثل هذه النتيجة هي التي تزعج جيراننا، ومن أجل تفاديها تتحرك وسائل الإعلام (...) في كل مناسبة من هذا النوع لتسميم الأجواء بقضية مفتعلة اسمها "انتهاكات حقوق الإنسان في الصحراء".