لم يعد خافيا اليوم في المغرب أن طريق "الإصلاح في ظل الاستقرار" باتت مقطوعة "من أجل الصيانة" في وجه من اختاروا أن يسلكوها للوصول إلى ضفة الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وذلك إلى أَجَل قد يُسمّى وقد لا يُسمّى. المسؤولون عن قطع الطريق قطعا ليسوا من رسموها وبشّروا بها، وعددوا مزاياها، وإلا سيسقطون في تناقض سيضرب مصداقيتهم في العمق، وسيجعلون أنفسهم محط سخرية التاريخ الذي لا يرحم سوء التقدير، لذلك المسؤول عن وضع المتاريس على هذه الطريق وملئها بالحجارة والحفر ووضع إشارات مرور مُضلِّلة في مداخلها وعلى جنباتها، هم كُثر مختلفون في أشياء كثيرة لكن يتفقون على شيء واحد ويتوحدون عليه، وهو أن صوابية سلك الطريق لا تعني بالضرورة التسليم للسائق ليُحدد السرعة التي يقود بها، ويُحدّد مسارها ويكون أول من يصل، لأنه إذا فعل سيكون وحده في الصورة وسيصبح مرجعا في السياقة وفي رسم مسارات الطرق الموصلة إلى برّ الأمان. هؤلاء من أشد الناس حرصا على أن تُغلق طريق "الإصلاح في ظل الاستقرار" لأنهم يعتقدون أنها باتت عنوانا لمشروع سياسي أصحابه ليسوا أهلا ليدون الزمن المغربي أسماءهم في سجله، والحقيقة أن الطريق إذا سُمح المرور بها بدون حواجز ستكون عنوانا لتجربة بلد يتلمس مسارا ديمقراطيا وتنمويا يُحسد عليه إقليميا رغم البطء الذي يعرفه. بالواضح الطريق هنا هي انتخابات 25 نونبر 2011 بما ترمز إليه من تتويج لمسار حافل بالاحتجاجات والخرجات والخطابات والأطروحات، والسائق هو عبد الإله بنكيران وقانون السير هو دستور فاتح يوليوز 2011، والحريصون على إغلاق الطريق هم الخاسرون في الانتخابات خسرانا مبينا الذين لم يرضوا تجبرا وتكبرا بالركوب خلف بنكيران ولم يعترفوا ب"قانون السير" إلا على مضض وقد اعترفوا بذلك بلا حياء، إنهم معروفون عبر التاريخ بتحريف المسارات وقطع الطرقات وسرقة الخيارات وجمع أصحاب "الشكارات" بتوزيع الوعود والامتيازات. اليوم وقد توقفت أو تكاد الحركة على طريق "الإصلاح في ظل الاستقرار" علينا ألا نعتبر أن المنتصر هو من أغلقها أو أن السائق قد انهزم، بل بالعكس إذا كان من منتصر فهو السائق الذي اختار السير فيها عن طواعية ولم يدفعه إليها دافع، مع أنه كان في موقع يبرر له سلك أي طريق أخرى يمكن أن تكون أقل تكلفة عليه، وإذا كان من منهزم فلن يكون سوى الوطن كله بأجياله الحالية والقادمة. بالعودة إلى لغة الوضوح، بنكيران والتيار الذي يمثله خرج للناس منذ بداية الاضطرابات واختار له مكانا ما يزال يشغله إلى يوم الناس هذا، وما فتئ يؤكد أن المغرب يقوم على ثوابت إذا مُسّت قد ينهار، من بينها الملكية وما يزال يرددها حتى قلنا يا ليته سكت، وما فتئ يُحدثنا عن الشراكة في الإصلاح والتوافق من أجله ومدّ يده للجميع حتى للذين طالبوا في وقت يُعرف فيه الرجال من "الشمايت" بحلّ حزبه. إذن الرجل لم يُغيّر ولم يُبدّل، فما كان يقوله إبان حراك 20 فبراير هو ما ظل يقوله ما بين 9 مارس 2011 و3 يناير 2012، وهو الكلام نفسه الذي قاله في خرجته الأخيرة بمجلس المستشارين، بنفس المفردات تقريبا. اليوم وبعد أن سرّع حزب الاستقلال بتنفيذ سحب وزراءه من الحكومة وهم كارهون، في توقيت ليس بريئا بطبيعة الحال، ومع اشتداد الأزمة التي صُنعت على عيْن الخاسرين في معركة المواجهة المباشرة مع بنكيران، يُسوّق للمغاربة أن خيار حزب العدالة والتنمية انتهت مدة صلاحيته، وأن الحديث عن الإصلاح ومحاربة الفساد والاستبداد كان مجرد جملة اعتراضية، وأن الأصل هو ما كان سائدا بالأدوات نفسها وبالأحزاب نفسها وبالشعارات نفسها وبالأخطاء نفسها. إنهم يريدون أن يقنعوا المغاربة بأن الأمر يتعلق بحزب فشل في تدبير حكومة وبالتالي فشل في تدبير الشأن العام، ويحاولون بكل جهدهم أن يقنعوا المغاربة أن حزبا كالتجمع الوطني للأحرار حزب سياسي مالك لقراره، وأنه المُنقذ المُخلّص لنكيران من ورطة سقوط الحكومة، لذلك يروجون بما يفيد تقوية موقع صلاح الدين مزوار التفاوضي مع بنكيران، في وقت وجب أن تتوجه فيه الأنظار إلى أن أصل المشكل في هذا البلد، لا علاقة له لا بانتخابات ولا بحكومة ولا بأغلبية ولا ببرلمان، بل له صلة وثيقة بأسلوب حكم على الجميع أن يقطع معه مُنفذين ومستفيدين. بعد الذي وقع والذي سيقع طوال الأسابيع المقبلة، سيتضح أن بنكيران يُحقق الانتصار تلو الآخر، انتصر على من حاولوا توجيه موجة احتجاجات 2011، باختيار جزء من الشعب لأطروحته، وانتصر على من ضيقوا عليه باضطرارهم للاختفاء لحظة الحراك قبل معاودة الظهور بأسماء وصفات جديدة، وانتصر أخيرا على حميد شباط بأن رفض ابتزازه ودفعه إلى اتخاذ واحد من أخطر القرارات على مسيرة حزب الاستقلال، وكيفما كانت السيناريوهات المُعدة للمرحلة المقبلة، فإن بنكيران سيُواصل انتصاره، فإذا أوصلوا مشاوراته ومفاوضاته إلى الباب المسدود سيكون منتصرا لأنه أدى ما عليه وسيعود إلى مكان مألوف عنده، وإذا أوجدوا له أغلبية جديدة بشروطه وشروط حلفائه فإنه سيواصل إصلاحاته وهو انتصار كبير، أما إذا حدث مكروه لا قدّر الله فإنه أيضا سيكون في حالة انتصار لأنه حذّر وأنذر. بكلمة، ليس مطلوبا من بنكيران أن يختار خارج ما هو موجود أمامه من أحزاب، ليُرمم أغلبيته وحكومته، وسيكون من العبث مطالبته بالبحث عن خيارات أخرى لن تُتاح له إلا باكتراء أحزاب من إحدى الدول الشقيقة تفهم في معنى الوفاء والتضامن، لذلك هو ينتصر ولكن الخوف أن يكون في انتصاراته هزيمة للوطن بسبب حادثة سير على طريق "الإصلاح في ظل الاستقرار" !!!