كل من تابع كلمة الأستاذ عبد الاله بنكيران -رئيس الحكومة والأمين العام لحزب العدالة والتنمية - يوم السبت 27أبريل2013 بقاعة ابن ياسين بالرباط، يتفق على نبرة الغضب التي انطبعت بها الكلمة، وعكست المعاناة التي يعانيها رفقة فريقه الحكومي بفعل "تآمر المتآمرين وتشويش المشوشين وإفساد المفسدين". وتأكدت هذه المعاناة بالتأثر الشديد الذي بدا على أعضاء الفريق الحكومي وخاصة بالنسبة لوزير الميزانية ادريس اليزمي الذي لم يستطع إيقاف دموعه هو ينصت لكلمة بنكيران القوية ودلالاتها العميقة. وخلاصة الكلمة التي تلخص الوضع الحالية: "لقد توقفت الاصلاحات الاساسية التي وعدت بها الحكومة والمتهمون هم المشوشين والمتآمرين والمفسدين باستخدام "معارضة" غارقة في مشاكل ذاتية و إعلام منحاز يعادي الاصلاح، هذا التوقف نتجت عنه الغضبة الكبيرة لبنكيران المرفوقة بدموع الوزراء". هذا المشهد الدرامتيكي بعد سنة ونصف تقريبا من عمل الحكومة، التي جاءت كضامن لاستقرار المغربي مقابل الانخراط الهادئ في مسار الاصلاح العميق والشامل للدولة، وبعد الأوراش لكبرى التي أطلقت والتي عكست إرادة الحكومة الاصلاحية (– اصلاح العدالة –اصلاح الاعلام – النهوض بالوضعية الاجتماعية للمعوزين – اصلاح صندوق المقاصة –اصلاح صندوق التقاعد - ...) وهي إصلاحات كانت ستقود المغرب إلى الدخول في زمن النهوض بالظر لطبيعتها البنيوية والهيكلية . فماذا يعني هذا التوقف أو التوقيف وما هي دلالاته؟ هل هو استراحة طبيعية بالنظر لطبيعة الاصلاح الذي يتطلب توقف الفاعلين من أجل استيعابه وبحث انعكاساته و آثاره؟ أم هو طي لصفحة الربيع الديمقراطي، وعودة حليمة إلى سياستها القديمة؟ هل ستشكل دموع اليزمي حسرة على ضياع فرصة الاصلاح ؟أم هي دموع المعاناة التي من رحمها سيولد النجاح لهذا المسار؟ ما هي آفاق هذا التوقيف أو التوقف؟ وما العمل بعدها بالنسبة للاصلاحيين المغاربة؟ هل يكتفون بالتفرج وانتظار خطوة بنكيران الموالية؟ أم عليهم تحمل مسؤولياتهم الجسيمة؟. إن الحديث عن محاولة إجهاض المحاولة الجديدة للإصلاح ستقودنا إلى النظر في تجارب الاصلاح خلال مغرب "الاستقلال"، وخاصة تجربتي حكومة عبد الله إبراهيم وحكومة عبد الرحمان اليوسفي بالنظر للتقارب الكبير مع تجربة حكومة عبد الإله بنكيران بحكم الطبيعة الاصلاحية للحكومات الثلاث – مع الاختلاف البديهي للسياقات-. وتعطي هذين التجربتين نموذجين مختلفتين، فإذا كانت حكومة عبد الرحمان اليوسفي قد ضمن لها اكمال ولايتها الحكومية مقابل إجهاض روحها الاصلاحية، من خلال تدجينها و استدراجها وقبولها القيام باختيارات سياسية و اقتصادية واجتماعية وإيديولوجية لا تمثلها . وبالتالي كانت فرصة للتنفيس على التحكم ولتجديد الاستبداد من خلال اليات جديدة، فإن حكومة عبد الله ابراهيم لم تدم سوى سنة ونصف – من دجنبر1959إلى ماي1960- فتم توقيفها وتوقيف اختياراتها الاصلاحية سواء في المجال الاقتصادي او السياسي او الاجتماعي او الاداري وقد لعب رضى اكديرة (صديق الحسن الثاني –ولي للعهد انذاك- الذي أسس حزب الدولة فيما بعد – جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية -الفديك) دورا مهما في الإطاحة بهذه الحكومة مستعملا اليات عديدة اهمها الاعلام من خلال جريدة ليفار، التي قادت حملة شرسة على عبد الله ابراهيم هي شبيهة بالحملة التي تقودها قنوات إعلامية وجرائد ورقية والكترونية على حكومة بنكيران. فأي مآل لحكومة بنكيران الاصلاحية الثالثة؟ هل سيكون هو تدجين الحكومة ودفعها لتأجيل الاصلاح؟ أم سيكون مآلها الاطاحة وإغلاق قوس الاصلاح للمرة الثالثة؟ ام أن الثالثة ستكون ثابتة – كما يقال- وتنجح إرادة الاصلاح على باقي الاردات الاخرى؟. إنا حسم هذا السيناريوهات يقودنا بالضرورة إلى تمييز السياق السياسي الوطني والإقليمي والدولي واللحظة التاريخية التي جاءت فيها وتشتغل فيها حكومة بنكيران، وهنا لا يمكن ان ننكر الدور الكبير الذي لعبه وجود تيار ثالث في المغرب يؤمن بالإصلاح- وهو العامل الرئيسي للخصوصية المغربية-، لقد وجد المغرب لأول مرة نفسه أمام حزب له مصداقية سياسية (الديمقراطية الداخلية – نزاهة وشفافية المناضلات والمناضلين) ولأول مرة له مشروعية انتخابية غير مطعون فيها ( نتذكر حكومة اليوسفي كان هناك تدخلا في الانتخابات من اجل دعم الاتحاد الاشتراكي في انتخابات 97 ونتذكر حالة البرلماني الاتحادي محمد حفيظ الذي فضح الأمر) وإرادة إصلاحية واقتناع بالتعاون مع المؤسسة الملكية وكفاءة تدبيرية، وهذه المميزات الخمس لهذه الحكومة ( المصداقية – المشروعية- الارادة الاصلاحية- التعاون والكفاءة التدبيرية) هي فرصة نادرة في لحظة تاريخية مضطربة فتحت الباب على مصراعيه لإقلاع مغربي متميز وعودة لاستكمال طريق تحديث الدولة والمجتمع. إن الكبح المقصود للإصلاحات التي باشرتها الحكومة الحالية من طرف جهات غير محددة بدقة لكنها (حتما جهات مستفيدة من الفساد والاستبداد – ولنبحث في الأسماء المسيطرة على السلطة والاقتصاد والاعلام ...- ) يدفع بالحكومة إلى اختيار أحد الخيارين المشار اليهما سابقا، إما ان تقبل بالإصلاح كما نريد وبالتالي تعيد تكرار تجربة عبد الرحمان اليوسفي ريثما تتحسن الاجواء الاقليمية ويتم الانقلاب على المنهجية الديمقراطية مثلما حصل في انتخابات 2002؟ و إذا استعصيت على القبول فسيكون مآلك نفس مآل حكومة عبد الله إبراهيم؟. ما العمل إذن بالنسبة لحكومة بنكيران وفريقه الحكومي؟ هل من الممكن اجتراح الخيار الثالث في هذا المأزق؟ وهو الاصرار على الاصلاح من أجل تفويت الفرصة على أنصار الفساد وأصدقائه. ما المطلوب من أنصار الاصلاح ؟ هل سنكتفي بالدموع والتأثر والتصفيق وانتظار ماذا سيقول بنكيران كي يظلوا يرددونه ويتبدلون التعليقات على حائط المواقع الاجتماعية إلى حين الخطاب الموالي. لن يجيبنا على هذا السؤال سوى قادم الايان وما تختزنه من أفعال وردود أفعال قد تصدر عن هذا الطرف او ذاك غير أنه يمكن وضح السيناريوهات التالية، وذلك في ظل الوضع القائم حاليا والمتمثل في إصرار حكومة بنكيران على الاصلاح والاصرار المقابل لقلاع الفساد والاستبداد على كبح الاصلاح: الحوار مع الملك: الملك هو رئيس الدولة، وهو من قام بتعيين رئيس الحكومة، وهو الساهر دستوريا وفق الفصل 42 من الدستور "الملك رئيس الدولة وممثلها الاسمى ورمز وحدة الأمة والحكم الاسمى بين مؤسساتها يسهر على احترام الدستور وحسن سير المؤسسات الدستورية..."، وبالتالي فإن الحوار معه بات ضروريا من أجل تحمل المسؤولية الجماعية في مآلات تأجيل أو إجهاض الاصلاح، وانعكاساته الخطيرة على استقرار المغرب وسلمه وأمنه، وبالتالي لابد من التعاون بين المؤسسات وفسح المجال للإصلاح والدخول في زمن الانتقال الديمقراطي، والتأويل الديمقراطي للدستور، بما يسهم في الرفع من منسوب الثقة من اجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان ومرور "القطار". الخروج للشارع والضغط الشعبي: لا يمكن لاحد ان يزايد على الشعبية المتزايدة لحزب العدالة والتنمية- الانتخابات الجزئية –التجمعات الخطابية الجماهيرية ...- والناتجة عن المصداقية والمشروعية والنزاهة والكفاءة وغياب البديل والمثيل في المشهد السياسي، وهو مؤشر عن اتساع رقعة شعب الإصلاح واتساع الانتظارات والتطلعات من اجل دعم حكومة الاصلاح، وبالتالي يمكن اللجوء للضغط الشعبي السلمي والمشروع من أجل دفع أصحاب الفرامل إلى التراجع إخلاء الطريق أمام المصلحين والمنقذين للمغرب من جحيم الاستبداد ومجهول اللاستقرار. الدعوة لانتخابات تشريعية سابقة لأوانها: يمكن للحكومة في حالة العجز عن فرض الاصلاحات وتنفيذ الوعود والقرارات المتخذة سابقا ان يقدم رئيس الحكومة استقالته طبقا للفصل 47 من الدستور " يترتب على استقالة رئيس الحكومة بكاملها من لدن الملك" ويحل مجلس النواب ،طبقا للفصل 104 من الدستور الذي يؤكد" يمكن لرئيس الحكومة حل مجلس النواب بعد استشارة الملك ورئيس المجلس ورئيس المحكمة الدستورية ..." من أجل تنظيم انتخابات سابقة لأوانها. ولابد ان يكون حزب العدالة والتنمية واضحا مع قاعدته الانتخابية وعموم أبناء الشعب المغربي، سواء في التحديات والعقبات التي تقف امام مشروع الاصلاح او في صياغة البرنامج الانتخابي بشكل واقعي، وذلك من أجل الحصول على اغلبية مريحة حتى يتسنى له تشكيل حكومة إصلاحية حقيقية، غير أن هذا الاختيار بالرغم من نجاحته الجزئية المحتملة، فإنه سيرتطم بأنصار الفساد -الذي أرغموه على تقديم الاستقالة – سيكبحون اكتساح الانتخابي مثل كبحهم للنجاح الحكومي، بالرغم مما يمكن ان توفره رقابة الانتخابات. لقد عبرت نتائج انتخابات 25 نونبر2011 على ان استقرار المغرب رهين حتما بدخوله زمن الاصلاح والانتقال نحو الديمقراطية، لذلك ففرملة للإصلاح التي باتت مفضوحة، و انعكاساتها الخطيرة غير محسوبة مآلتها غدا، ومن جهة أخرى فمنسوب الثقة في إمكانية الإصلاح الذي ارتفع عشية الانتخابات الاخيرة بات مهددا بالتبدد والتلاشي، وهوامش اليأس باتت في ارتفاع، وهو ما يجعل من حكومة بنكيران حكومة إنقاذ للمغرب أقرب منه إلى حكومة إصلاح. أما إذا ربطنا هذه الوضعية المأساوية بما تعرفه قضية الوحدة الوطنية من منعرجات خطيرة من جهة، وقضية الازمة الاقتصادية الدولية فإن الأمر بات يبعث الخوف على المغرب ويضع اطروحة الاستثناء في مهب الريح، فكفى تلاعبا بهذا الوطن.