يصعب أن نحيط في هذه العجالة بالمسار الفكري والحركي والسياسي لرجل عصرته التجارب، وامتلك من عمق النظرة وطول النفس وسداد الاستشراف ما جعله في كثير من الأحيان يقرأ المآلات بالذكاء الذي يجعله يقدر شروط المرحلة والموقف الأنسب لها. ربما كانت الطريقة الملائمة لمعرفة مسار الرجل أن نختصره في كلمات: فميزة الرجل الأساسية الفهم الدقيق لطبيعة المجتمع المغربي، وامتلاك رؤية سياسية بعيدة مكنته من فهم النسق السياسي بالبلاد وألهمته إبداع منهجية فريدة في للعمل السياسي الإسلامي.بعبارة مختصرة، لقد كان الرجل عبر مساره الطويل يمتلك حدسا سياسيا خاصا سبب له متاعب كثيرة مع إخوانه ومخالفيه، وكان إلى جانب ذلك يتمتع بنفس طويل في الدفاع عن أطروحته. يتسم خطابه بالسهولة والمرح، كما يتسم بالوضوح والصدق إلى الدرجة التي تتصور أن الرجل لا أسرار له. يرسم طريقه بكل وضوح، ويكشف للخصوم ومخالفيه منهجه في الاشتغال، يمقت المؤامرات والمناورات، مع أنه يفهم أساليبها وخلفياتها، لكنه لا يعامل خصومه بها. مذهبه الخالد الذي يؤمن به دائما، أن في السياسة بعدا غيبيا لا ينبغي إنكاره، وأن الله ينصر من يؤسس منهجه على الوضوح وصدق النوايا.معتدل في مواقفه، لكنه قوي وشديد في الدفاع عن قناعاته، وأحيانا يصل إلى درجة الشراسة إذا رأى في السياسة ما يهدد مكتسبات عظيمة في الحرية والديمقراطية والكرامة. يسلك طريق التدرج بكل حكمة، لكنه في الوقت ذاته يقرأ شروط المرحلة بكل اقتدار، ينحني للعاصفة إذا قدر أن الوقوف ضدها سيكون مكلفا، وينتصب قائما يستثمر اللحظة السياسية كلما ظهرت له نافذة تمكن لمشروعه واختياراته السياسية. صبور ملحاح في توسيع الهوامش وفتح النوافذ، لكنه في الوقت ذاته حريص على تحصين صفه وفك خلافاته والتذكير بالأساسيات التي عليها كان الاجتماع الأول. بنكيران، منفتح الصدر يستمع إلى كل الآراء، تتملكه في بعض الأحيان بعض الردود السريعة، لكن سرعان ما يجد هدوءه، ويعيد النظر فيما عرض عليه من الآراء ويختار أنسبها. يحسم بقوة إذا كان الموقف لا يستدعي كثير تفكير، ويتوقف كثيرا إذا تطلب الموقف بعض التفكير، ويلتمس شورى الحكماء من حزبه إذا لم تستبن له الأمور. عطوف ومرهف المشاعر، إنساني المواقف يجد نفسه إلى جانب الضعيف، ويسعى في خدمة المساكين والفقراء والأرامل... قوي إذا حضر، وقلما يغيب. لا يؤمن بسياسة الكرسي الفارغ. إذا انتخب تحمل المسؤولية كاملة ولم يفرط في صلاحية واحدة من صلاحياته، وإذا تم اختيار غيره، احترم نتائج الشورى واختار الموقع الذي وجد فيه. يؤمن بالمشروعية وما تنتهي إليه الشورى في المؤسسات. مذهبه: أن الحفاظ على الشورى ولو أدت إلى نتيجة خاطئة خير من اتباع رأي سليم يملى من خارج المؤسسة الشورية. مواقفه السياسية تجلب له أنصارا وخصوما، ومواقفه وعلاقاته الإنسانية لا تترك له عدوا. سمته الأساسية في كل مسار حياته أنه رجل اللحظات الصعبة، ورجل المنعطفات الحاسمة في تاريخ الحركة الإسلامية. منعطف الانتماء للحركة الإسلامية يحرص الأستاذ عبد الإله بنكيران في كل حواراته التي أجراها عن مساره الذاتي – على قلتها - أن يسلط الضوء على تجربته الأولى قبل الشبيبة الإسلامية، لكن نشاطه في الشبيبة الاستقلالية وبعدها الشبيبة الاتحادية لم تكن أكثر من أحلام الطفولة، إذ لم ترسخ في فكره القناعات الاشتراكية، ولم تترك أي أثر يذكر في حياته باستثناء الموقف النفسي المؤثر الذي خلفه اغتيال عمر بن جلون سنة 1975، والذي دفع عبد الإله بنكيران قبل الالتحاق بالشبيبة الإسلامية إلى الحزن العميق والالتحاق ببيت المرحوم وتشبيهه لعمر بن جلون بعمر بن الخطاب وتسجيل اسمه ضمن المعزين في دفتر العزاء الذي لا زالت عائلة ابن جلون تحتفظ به. انخرط الأستاذ عبد الإله بنكيران في صفوف الشبيبة الإسلامية دون أن يدري، وكان ذلك تحديدا سنة 1976. كان عبد الإله بنكيران في هذه الفترة كثير القراءة والاطلاع على أدبيات الحركة الإسلامية، وكانت مكتبته قبلة لإخوانه من كل مدن المغرب. انخرط عبد الإله بنكيران في الشبيبة الإسلامية قبل أن يتعرف على عبد الكريم مطيع ومضى في طريقه خادما للشبيبة الإسلامية من موقعه الطلابي في الجامعة.ولما علا نجمه، طلبه عبد الكريم مطيع على عجل للقائه بمكة ثم بروما بإيطاليا. كانت وقتها الاختلافات قد أخذت مأخذها بين مجموعة "السداسيين" وبين مطيع، وكانت مهمة عبد الإله بنكيران أولا أن يتعرف على قائد حركته، ثم يستفسر موقف مطيع مما يجري فيما يسمى في أدبيات الشبيبة بالفتنة. كان اللقاء بالنسبة إلى عبد الإله بنكيران فرصة لاكتشاف قائد التنظيم، كما كان محطة فاصلة في التأكد من عدم مسؤولية عبد الكريم مطيع في قضية اغتيال بن جلون وما يروج عن شخصه وأسلوبه في القيادة. كان يكفي عبد الإله بنكيران وقتها أن يستحلف مطيعا في مكة وتحديدا في الحرم، ثم يمضي إلى العمل الإسلامي. رجع بنكيران من رحلته من مكة مقتنعا بخط الشبيبة الإسلامية ومنافحا عن قيادتها "الشرعية" ضد "السداسيين"، وكان العنوان الأساسي الذي طبع فكره في هذه المرحلة: النضال من أجل عودة مطيع والإفراج عن الأستاذ إبراهيم كمال. تجربة أول اعتقال في السابع من شتنبر 1980، وعند محاكمة عبد الكريم مطيع وإبراهيم كمال، نزل أنصار الشبيبة الإسلامية وقياداتها المحلية للاعتصام أمام المحكمة، ونظم عبد الإله بنكيران مسيرة خرجت من المسجد المحمدي بالبيضاء تتجه إلى بيت مطيع، وقد خطب عبد الإله بنكيران في هذه المظاهرة وقال كلمات قوية في نصرة الشبيبة الإسلامية والمطالبة بعودة مطيع والإفراج عن إبراهيم كمال، وبدأت حملة الاعتقالات في صفوف الشبيبة الإسلامية، وكانت تجربة الاعتقال الأول للأستاذ عبد الإله بنكيران. اعتقل الأستاذ عبد الإله مرتين، الأولى سنة 1981 والثانية سنة 1982، أما الأولى فكانت في إطار التحقيق حول الشبيبة الإسلامية وقياداتها، والثانية كانت بعد توزيع أعداد من مجلة "المجاهد". كان الاعتقال الثاني الأسوأ والأشد على الأستاذ عبد الإله بنكيران، إذ اقتيد إلى درب مولاي الشريف وتعرض للتعذيب شهورا، وكانت التهمة الموجهة إليه هو قيادة تنظيم يدعو إلى الثورة المسلحة ضد النظام وتوزيع مجلة "المجاهد" التي تحرض على ذلك. منعطف القطيعة مع الشبيبة الإسلامية كانت محنة الاعتقال محطة أساسية بالنسبة إلى عبد الإله بنكيران لمراجعة الأفكار الثورية التي تبنتها الشبيبة الإسلامية لاسيما بعد التحول الكبير من الفكر الثوري إلى الدعوة إلى العمل المسلح، فدعا الأستاذ عبد الإله الإخوة القياديين في تنظيم الشبيبة المحلي إلى الاجتماع لتقييم المرحلة ومدارسة التحولات التي طرأت على خط الشبيبة الإسلامية بعد إصدار مجلة "المجاهد"، فانعقد أول اجتماع سنة 1981 ببيت المهندس شاهين ببورنازيل، وتم الاتفاق على إرسال وفد إلى الأستاذ مطيع قصد استفساره، وأسفرت التقييم عن الاتفاق على تأسيس الجماعة الإسلامية والاستمرار في السرية وعدم الإعلان عن الانشقاق خلافا لرأي بنكيران الذي كان يرى ضرورة هذا الإعلان، وهو الأمر الذي سيتم بعد اعتقالات 1982، إذ سيتم الإعلان عن الانفصال بجريدة الميثاق الوطني والشرق الأوسط بتاريخ 6 يناير 1982. وقد كان دور عبد الإله بنكيران مركزيا في هذا الانفصال، بل كان دوره الأكثر في صياغة هذا البيان والإعلان عن الانفصال مع تعليل مبرراته وكذلك الإعلان عن الإطار القانوني، إذ وقع هذا البيان بنفسه بعد بحث طويل على الأسماء الذين يرجى توقيعهم وتحمل مسؤوليته في ذلك. بنكيران ومنعطف التحول وإحداث المراجعات الكبرى قام عبد الإله بنكيران إلى جانب إخوانه بإحداث مراجعات كبرى قطعت مع تجربة الشبيبة الإسلامية، ويمكن أن نخلص هذه المراجعات في ثلاثة محاور: - المراجعات السياسية: العمل في المشروعية ومن داخل المؤسسات، وعدم منابذة النظام الملكي، وتغيير فكرة إقامة الدولة الإسلامية واستبدالها بفكرة النهضة الحضارية الشاملة، كما تتمثل في القطع من الفكر الانقلابي والنهج الثوري في التغيير، واعتماد الدعوة بالسلمية والتدرج في العمل الإسلامي. - المراجعات التنظيمية: وتتمثل في القطع مع السرية، والتحول إلى تنظيم علني يعمل في المشروعية، ويلتزم بالشورى في قراراته، ويعتبر أن المسؤولية بالانتخاب. - المراجعات الفكرية: وتتعلق بعلاقة الحركة الإسلامية بالمكونات الإسلامية وبقية المكونات السياسية الأخرى، إذ تم القطع مع منهج الشبيبة الإسلامية في التعامل مع باقي مكونات الحركة الإسلامية و تجاوز الرؤية الاتهامية للأحزاب السياسية. وقد تم التعبير عن هذه القناعات الجديدة في البيانات المتلاحقة التي تم إصدارها منذ سنة 1982 والرسالة التي وجهت إلى الديوان الملكي بتاريخ 29 نونبر 1985، والرسالة التي وجهت إلى وزير الداخلية بتاريخ 17 مارس 1986، كما تم التعبير عنها ، خاصة رفض العنف، في بيان 31 يوليوز 1985 على خلفية أحداث 1984 التي اتهمت فيها الشبيبة الإسلامية بمحاولة التسلل من الحدود والقيام بعمل تخريبي بالمغرب. ولئن كانت هذه المراجعات في عمومها قد تمت في إطار جماعي، إلا أن بصمة الأستاذ عبد اله بنكيران كانت واضحة عليها إذ كان سباقا إلى طرح فكرة القطع مع السرية منذ سنة 1981، فتم رفض فكرته في البداية والاكتفاء بخوض تجربة العلنية في الرباط من خلال جمعية الجماعة الإسلامية التي ترأسها عبد الإله بنكيران والاحتفاظ بالإطار السري المسمى بالجماعة الإسلامية في كل ربوع المغرب، وهي القناعة التي تبين خطؤها بعد اعتقالات مكناس سنة 1984، والتي تحمل عبد الإله بنكيران كل مسؤوليته لإقناع السلطة بأن التنظيم يعيش تحولات تدريجية لم تسعفه بعد للقطع كلية مع رواسب الشبيبة، إذ بعد سنة 1984 سيتحول التنظيم إلى تنظيم علني بشكل كامل، وستحل جمعية الجماعة الإسلامية محل الجماعة الإسلامية ابتداء من سنة 1985. وقد أحدث رأي بنيكران الموسوم بكون "الدولة الإسلامية قائمة بالنسبة إلى المغرب" وكذا موقفه المبكر من قبوله لإمارة المؤمنين والبيعة زلزالا عنيفا داخل الحركة بل وحتى داخل مكونات الحركات الإسلامية الأخرى، ومع ذلك بقي بنكيران ينافح عن رأيه ويدافع عنه إلى أن أصبح ذلك فيما بعد جزءا من القناعات الراسخة لدى الحركة. بنكيران ومنعطف المشاركة السياسية قام بنكيران بدور كبير في التأصيل للمشاركة السياسية، وقد بدأت بواكير هذا التأصيل منذ منتصف الثمانينات، إذ عكست جريدة "الإصلاح" التي كان يديرها اهتماما خاصا بتجارب الحركات الإسلامية في المشاركة السياسية، وقد ظهرت البوادر الأولى للتأصيل للمشاركة السياسية مع المحطة الانتخابية التي عرفها المغرب في سنة 1987 وهي المحطة التي دفعت بنكيران لنشر أول مقال عن الإسلاميين والمشاركة السياسية سنة 1989 في جريدة "الإصلاح" التي سرعان ما تم سحبه ونشر عدد بديل حذف منه هذا المقال.وقد كان الأستاذ عبد الإله بنكيران من المبادرين إلى طرح فكرة الإدماج السياسي للإسلاميين، فخاض تجربة الحوار والانفتاح على وزارة الأوقاف معتبرا إياها وقتها بوابة مهمة لإيصال صورة الإسلاميين إلى الحكم، فكانت تجربة مشاركة الإسلاميين في جامعة الصحوة الإسلامية التي نظمتها وزارة لأوقاف والشؤون الإسلامية، ثم ما لبثت بنكيران برفقة قيادة حركة الإصلاح والتجديد إلى التفكير في تنزيل فكرة المشاركة السياسية على واقع الأرض بعد المصادقة على ورقتها سنة 1990. لم يكن يقصد من تلك المشاركة السياسية حينها أن تظهر الحركة الإسلامية في شكل حزب سياسي يتبنى برنامجا سياسيا يجيب على الأسئلة السياسية والدستورية ويقدم برنامجا يتضمن تدابير واقتراحات تغطي الجانب الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والتربوي والديني والتشريعي، ويعبئ المجتمع على أرضيته لتغيير الاختيارات والسياسات القائمة، وإنما كانت جوهر فكرة المشاركة السياسية في البدء تركز على قضية العائد الدعوي من العمل السياسي. لقد كان واضحا لدى الأستاذ عبد الإله بنيكران أن صيغة الحزب السياسي ليست هي الصيغة الوحيدة لممارسة العمل السياسي، وكان يفهم بحدسه السياسي لاسيما بعد تجربة الإنقاذ في الجزائر أن التعويل على هذه الصيغة يمكن أن يسد الباب على مشاركة الحركة الإسلامية، فجاءت الورقة السياسية متضمنة لأربع صيغ منها التحالف السياسي، وهو ما حرص أن يعمل على تحقيقه بعد رفض الترخيص لحزب التجديد الوطني الذي تم تقديم أوراقه الرسمية سنة 1992. لقد فهم بنكيران أن ممارسة الضغوط على الدولة والاحتجاج على رفض الترخيص لحزب التجديد الوطني غير مجد في شروط المرحلة، وفهم بحدسه السياسي أيضا أن الدولة لا تتحمل في هذه المرحلة مشاركة الإسلاميين، فانتقل إلى الخطوة الثانية للبحث عن حليف سياسي يمكن لنشطاء حركة الإصلاح التجديد العمل في إطاره.كانت البداية بحزب الاستقلال، ثم الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، واستقر الأمر على الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية، إذ تم الاتصال بعبد الكريم الخطيب، وتم تأمين الإطار السياسي الذي ستتم من خلاله المشاركة السياسية. منعطف تأمين المشاركة السياسية سنة 1996 كانت محطة التحديات الكبرى أمام المشاركة السياسية، وقد عرف بنكيران وقيادة الحزب طريقة التغلب عليها: فمن جهة كان الأمر يتطلب موقفا من دستور 1996، ومن جهة ثانية كان الأمر يتطلب موقفا من المشاركة في الانتخابات الجماعية، ومن جهة ثالثة كان التحدي الحركي يطرح نفسه بقوة، إذ مثلت المشاركة السياسية وعقد المؤتمر الاستثنائي لحزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية نقاطا خلافية كبيرة كانت تهدد مسار الوحدة بين التنظيمين، وقد كان بنكيران حاسما في النقطة الأولى، فصوت بالإيجاب على الدستور خلافا لرأي الدكتور عبد الكريم الخطيب حتى يقطع الطريق على أية إمكانية لعدم المشاركة، ومن جهة ثانية رفض بقوة موقف الدكتور الخطيب الداعي إلى عدم المشاركة في الانتخابات الجماعية، وتمت مشاركة الحركة الإسلامية في هذا الاستحقاق كمستقلين، ومن جهة ثالثة رفض أن يوقف قطار المشاركة السياسية، وابعد هذه النقطة عن جدول أعمال الحوار حول التوحيد فكسب توحيد الحركتين وكسب محطة المشاركة السياسية. بنكيران ومنعطف 16 ماي 2003 كانت مرحلة 1997-2002 محكومة بالانسياب السلس للحركة الإسلامية واندماجها في النسق السياسي المغربي، غير أن الانتصار الذي حققه الحزب في استحقاقات 2002، والأداء المتميز لفريقه البرلماني دفع بعض الجهات في الدولة بتحالف مع قوى سياسية ومدنية إلى استثمار تفجيرات 16 ماي لتحميل "المسؤولية المعنوية" للحركة الإسلامية ولحزب العدالة والتنمية، وقد تحمل بنكيران في هذا المنعطف الخطير مسؤوليته الكاملة في فتح حوار مع السلطة السياسية وإدارة هذا الحوار باقتدار، كما نجح بحكمة في تجاوز تداعيات هذه المرحلة وإقناع النخب السياسية من خلال الاتصالات السياسية ومن خلال "التجديد" المنبر الإعلامي الذي كان يديره باعتدال الحركة الإسلامية ونهجها الوسطي وخطورة إقصاء الحركة الإسلامية من المشهد السياسي واثر ذلك على الاستقرار السياسي. بنكيران ومنعطف قيادة الحزب والوقوف في وجه الحزب السلطوي كان التقييم العام لأداء الحزب في انتخابات 2007 غير مطمئن للبعض، وكانت اللحظة السياسية المحكومة بالتراجع الديمقراطي وخطورة انزلاق الوضع إلى الحزب الوحيد في المغرب تتطلب دخول الحزب في منعطف جديد للوقوف في وجه هذا النكوص والدفاع عن المكتسبات الديمقراطية والمضي بالمغرب في طريق الإصلاحات. وقد كان بنكيران بمقتضى المؤتمر السادس الذي انعقد سنة 2008 القيادة التي تحملت مسؤولية مواجهة هذا التحدي. فكان أول من خاض المواجهة السياسية الصريحة مع "حركة لكل الديمقراطيين" ومشروعها السياسي الذي تمثل لاحقا في "حزب الأصالة والمعاصرة" فعبر منذ البدء، وبعد أول لقاء تلفزي لمؤسس هذا الحزب، عن تموقفه ضد هذا المشروع واعتباره مشروعا استئصاليا يروم الهيمنة على المشهد السياسي وتحويل تجربة التعددية السياسية في المغرب إلى تجربة الحزب الوحيد. وفي الوقت التي لاذت أغلب الأحزاب السياسية بالصمت، وعبرت بعضها عن مواقف محتشمة، تحمل بنكيران مسؤوليته في خوض مواجهة مفتوحة مع هذا المشروع أخذت طابعا فكريا وإعلاميا وسياسيا وانتخابيا، وكانت ذروة هذه المواجهة في انتخابات 2009 وتحديدا عند تشكيل مكاتب المجالس الجماعية في المدن الكبرى التي حقق فيها حزب العدالة والتنمية نصرا كبيرا. وقد نجح الحزب سياسيا وإعلاميا في مواجهة هذا المشروع وفي حشد النخب السياسية ضده إلى جانب مواجهة نهج التحكم إلى أن جاء الربيع العربي والمغربي لينتقل بنكيران إلى لغة أكثر وضوحا وصراحة موجها الاتهامات مباشرة إلى قادة هذا المشروع يدعوهم إلى التنحي عن العمل السياسي وترك التجربة الديمقراطية تأخذ طريقها. صناعة الانتصارات الانتخابية على الرغم من أن تاريخ حزب العدالة والتنمية هو تاريخ الانتصارات الانتخابية منذ سنة 2002، و مع عبد الإله بنكيران عرف الحزب انتصارين كبيرين، تمثل الأول في الانتخابات الجماعية لسنة 2009 إذ تبوأ الحزب المرتبة الأولى في المدن والحواضر، كما تبوأ الحزب رتبة جد متقدمة لم تكن متوقعة بهذا الحجم في انتخابات 2011، ويعزو كثير من المحللين سبب هذا الفوز إلى الحملة الانتخابية المنظمة التي قام بها الحزب، وإلى الخطاب الذي استعمله الأمين العام للحزب طيلة المدة الفاصلة بين انطلاق الربيع العربي واقتراع 25 نونبر إذ سجل عبد الإله بنكيران حضورا قويا في التجمعات والمهرجانات الخطابية التي نظمها الحزب في عدد من المدن، وكانت ميزة بنكيران في خطابه الوضوح والبساطة والقوة في التعبير عن المواقف والجرأة في قول ما ينبغي قوله. بنكيران ومنعطف التعاطي مع الربيع العربي دافع بنكيران منذ الوهلة ألأولى على معادلة الإصلاح في ظل الاستقرار دون أن يدفعه ذلك الوقوف ضد حركة 20 فبراير، فلم يتردد بنكيران في التعبير عن مآل الانخراط في حركة 20 فبراير وأثر ذلك على الاستقرار السياسي في البلد، وفي الوقت ذاته اعتبر التطلعات التي تم التعبير عنها في الشارع تطلعات مشروعة. وخط طريقا وسطا يعتمد الاستثمار الذكي لتداعيات الربيع العربي للضغط والتدافع القوي من أجل تحقيق إصلاحات حقيقية، وهو ما تم التجاوب معه بمستويات متقدمة من خلال الإصلاح الدستوري وببعض التقدم في الرزنامة الانتخابية. ومع ما لدى الحزب من مواقف اتجاه هذه الرزنامة، إلا أنه دخل المعركة الانتخابية بشعار واضح هو الربتة الأولى ورئاسة الحكومة، وهو الرهان الذي نجح فيه. منعطف التدبير الحكومي: لم يخف بنكيران في كونه كان دائما يفضل من الناحية المبدئية المشاركة في الحكومة، وقد عبر أكثر من مرة عن كونه كان يقدر أن الحزب أخطأ لما لم يشارك في حكومة اليوسفي، وجر ذلك عليه انتقادات كثيرة، لكنه لم يعبر عن رغبته في الدخول إلى الحكومة في انتخابات 2007، ومع محطة 2011 كان التقدير السياسي للأستاذ عبد الإله بنكيران تجاوز فكرة المشاركة نظرا لقوة الحزب السياسية والتنظيمية ونظرا أيضا للمحيط الإقليمي، فكان واضحا منذ البداية في كون حزبه جاهزا لمرحلة التدبير الحكومي وتحمل مسؤوليته في التسيير على رأس الحكومة. هذه بعض المحطات الفاصلة في حياة بنكيران ومساره الفكري والسياسي، غير أن ما يجمعها أن الرجل - كما يتم تسميته دائما – هو رجل المنعطفات الدالة في الحزب.