أيا كانت الأسباب التي تدفع بأعضاء الجماعات الإسلامية المتطرفة إلى اختيار العنف الدموي كسبيل وحيد للتعبير عن مواقفهم ، وأيا كانتالمراجع التي يستمدون منها أفكارهم المتطرفة التي تجعل الحياة والموت في أعينهم سواء ، ومهما بلغ حجم فساد الحكام الذين يحكموننا بالحديد والنار ، سيظل الإرهاب الذي تنفذ عملياته الرهيبة المرعبة تحت راية الاسلام وصمة عار على جبين المسلمين والمسلمات أينما كانوا . "" فالإسلام الذي نعرفه من خلال القرآن الكريم الذي هو أصدق الحديث ، لا يشرفه مطلقا أن تراق دماء الأبرياء العزل باسمه بهذا الشكل الوحشي الذي لا يتردد أعضاء الجماعات الارهابية في نقله بالبث الحي على مواقع الأنترنت ، وكأنهم بذلك يسعون إلى تشويه صورة الإسلام على أوسع نطاق . وإذا كنا نفخر بالإسلام كدين للتسامح والسلام ، فلماذا نلتزم الصمت إذن ، ولا نندد بهذه الأعمال الإجرامية التي يقوم بها هؤلاء باسمنا جميعا ، والتي ينفذونها غالبا في حق الأبرياء ، سواء كانوا من المسلمين أو من ديانات أخرى أو كانوا غير متدينين أصلا ؟ فالخاسر الأكبر في نهاية المطاف إذا استمررنا في هذا الصمت الرهيب هم نحن المسلمون ، لأن صورتنا في نظر الآخر تصير مع كل عملية إرهابية أكثر رعبا ، ليضيف إليها صمتنا مزيدا من الرعب . فعندما نصمت فكأنما نقول للآخر بأننا نؤيد هذه الأعمال الإجرامية التي يتم تنفيذها تحت راية ديننا . الآخر طبعا هو الغرب -2- . صحيح أن الاسلام كان قاسيا مع أعدائه في مواقف كثيرة ، والأوامر التي كان الله تعالى يوجهها إلى الرسول عليه الصلاة والسلام تدل على ذلك ، حيث نقرأ مثلا في الآية الواحدة والستين من سورة الأنفال : " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ، ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم .." . لكن هذا لا يعني بالضرورة أن يضع المسلمون أيديهم على سيوفهم وخناجرهم كل الوقت ، ويذبحوا أي "كافر" يصادفونه على الطريق . فالأوامر الالهية التي تحض المسلمين على معاملة أعداء الإسلام بهذه القسوة تنتهي مدة صلاحيتها بمجرد أن تضع الحرب أوزارها . بل أكثر من ذلك نقرأ في القرآن الكريم آيات تدعو المسلمين إلى الصبر حتى وإن تعرضوا للعدوان من طرف أعدائهم . ألم يقل الله تعالى في الآية 126 من سورة النحل : " وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ، ولئن صبرتم لهو خير للصابرين " ؟ فليس هناك ما هو أصعب من الصبر وضبط النفس عندما يتعرض الانسان للعدوان ، ومع ذلك يدعو الله المسلمين أن يصبروا ، وحتى إن عاقبوا يجب أن يعاقبوا بمثل ما عوقبوا به فقط ، دون الاسراف في البغي والعدوان ، لذلك فالذين يتهمون الإسلام بكونه دينا للإرهاب والقتل وإراقة الدماء هم بكل تأكيد مخطئون ، ويعود ذلك ربما لكونهم لا يفهمون شيئا من القرآن ، فكل الآيات القرآنية التي تحرض المسلمين على القسوة على أعداء الإسلام تقتصر مدة صلاحيتها كما قلنا سابقا على المدة التي تشتعل فيها الحرب ، والجميع يعلم طبعا أن آخر شيء يمكن العثور عليه في صدور العسكر عندما يخوضون أي معركة هو الشفقة والرحمة والصبر ، وهذا شيء طبيعي في الإنسان . لكن المصيبة الكبرى هي أن التنظيمات الإرهابية التي يدين أعضاؤها بالإسلام هي التي تساهم بشكل كبير في ترسيخ السمعة السئية عن الإسلام ، وتصوره على أنه دين للتقتيل والعنف وإراقة الدماء . - 3 - إذا كان الاسلام إذن يحض المسلمين أن يكتفوا برد الصاع بالصاع وليس صاعين عندما يتعرضون للعدوان ، هذا إذا لم يقدروا على الصبر ، فهو في نفس الآن يدعوا إلى التعامل بالإحترام التام في أيام السلام . وهكذا نقرأ في الآية السادسة والأربعين من سورة العنكبوت : " ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن ، إلا الذين ظلموا منهم ، وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلاهنا وإلاهكم واحد ونحن له مسلمون " . ويكفي أن نقرأ هذه الآية حتى نقتنع بأن ما يقوم به أتباع تنظيم القاعدة من أعمال إرهابية في حق المدنيين سواء كانوا مسلمين أو من غير المسلمين شيء لا يشرف الإسلام بتاتا ، بل إن تلك الأعمال الإجرامية تعتبر وصمة عار على جبين المسلمين ، أما الاسلام فسيظل بريئا من أفعال هؤلاء ، وحتى الذين يتهمون هذا الدين الحنيف بكونه يحض على الإرهاب ما عليهم سوى أن يعودوا لقراءة تعاليمه السامية على صفحات القرآن ، وسيكتشفون العكس . تعاليم الإرهاب ليست هي تعاليم الإسلام ، وليست مستمدة من القرآن الكريم ، بل من أفواه "علماء" فسروا الآيات القرآنية حسب هواهم ، وهنا تكمن المشكلة الكبرى . - 4 - وإذا كانت فلسطين ترزح تحت الاحتلال الاسرائيلي منذ عام 1948 ، والعراق يعيش تحت احتلال الجيش الأمريكي وحلفائه ، وأفغانستان تعرضت بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 لهجوم كاسح من طرف سلاح الجو الأمريكي ، فليس بالإرهاب سنداوي جراح المسلمين الأفغان ، وليس بالإرهاب سنحرر العراق وفلسطين ، فأغلبية الذين سقطوا لحد الآن بسلاح الإرهاب وقنابله الموقوتة كلهم من المدنيين العزل ، من مختلف الديانات ، والغريب في الأمر هو أن الأغلبية الساحقة منهم مسلمون من أهل العراق . عندما هاجم أتباع بن لادن برجي التجارة العالمية في جزيرة منهاتن الأمريكية مات ما يقارب 500 شخص كلهم من المدنيين ، وفي تفجيرات مدريد قتل تنظيم القاعدة أزيد من 190 شخصا كلهم أيضا مدنيون ، ويكفي الإطلاع على عدد ضحيا العمليات الإرهابية الذي يذهب ضحيتها عشرات العراقيين كل يوم ومقارنتهم بعدد الجنود الأمريكيين الذين يسقطون ضحايا نفس العمليات كي يقتنع المرء بأن هذه الحرب التي يخوضها "القاعدة" باسم الاسلام الذي هو ديننا جميعا هي بكل تأكيد حرب خاسرة ، سيكون المسلمون فيها الخاسر الأكبر ، لذلك يجدر بنا أن نخرج من صمتنا ، ونقول للعالم بأننا برئيون من أعمال هؤلاء الذين يعتقدون أنهم سيدخلون إلى الجنة عبر وديان دماء الأبرياء التي يريقونها بلا شفقة ولا رحمة . almassae.maktoobblog.com