ضريف: القاعدة تعتمد على تنظيمات محلية لتنفيذ عمليات الاختطاف لم يعد المغرب في مأمن من عمليات الاختطاف التي تنفذها القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، بعد أن أعلنت رسميا مسؤوليتها عن اختطاف ثلاثة إسبانيين بمنطقة نواديبو الموريتانية المحاذية لمدينة الكويرة، وفرنسي بشمال مالي، خاصة وأن هذا التنظيم أخذ يلجأ لتنفيذ هذه العمليات إلى تنظيمات محلية لها ارتباط بالحركات الانفصالية المتعددة في منطقة الصحراء وفي مقدمتها البوليساريو، كما أنه يطمح إلى أنه يكون له وجود فعلي على التراب المغربي. ولا ستبعد محمد ظريف، الأستاذ الجامعي المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية المتطرفة، أن تمتد عمليات اختطاف الأجانب من طرف القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي إلى الأراضي المغربية، خاصة في الجنوب، بعد أن أعلن التنظيم المسلح الذي يقوده عبد المالك دروكدال عن مسؤوليته عن اختطاف ثلاثة إسبان بمنطقة "نواديبو" غير بعد عن الحدود المغربية-الموريتانية، وفرنسي في شمال مالي. وأضاف الباحث المغربي أن الخطر قائم ومحدق لعدة أسباب: فجنوب المغرب "منطقة شبه مفتوحة"، لأن الحدود المغربية-الموريتانية تمتد على مساحة شاسعة يصعب التحكم فيها كاملة مهما كانت كفاءة القوات المكلفة بمراقبتها، كما أن المنطقة الممتدة بين شمال موريتانيا وشمال مالي وجنوب الجزائر، بل وكل منطقة الساحل، لا تخضع لأي مراقبة وتتحرك فيها القاعدة بكل حرية، وتنشط في هذه المنطقة عصابات التهريب والاتجار في البشر والمخدرات. ثانيا، كانت القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي تسعى دائما إلى أن يكون لها وجود فعلي عبر خلايا نشيطة بالتراب المغربي، وسيكون نجاحها في اختطاف أجانب ببلادنا ضربة إعلامية للتنظيم المتطرف التي لم يفلح إلى حد الآن في اختراقها بشكل فعلي. وأما العامل الثالث الذي يقوي خطر القاعدة، فهو أنها أخذت تشجع في الآونة الأخيرة تنظيمات محلية على تنفيذ عمليات الاختطاف هذه. ويقول ضريف إن العملية المثيرة التي جرت أخيرا غير بعيد عن الحدود الموريتانية-المغربية وفي شمال مالي لم تنفذها القاعدة بشكل مباشر، بل أوكلت تنفيذ عمليات الاختطاف إلى تنظيمات محلية وتدفع لها مقابلا ماديا. ولعل هذا ما يفسر، في تقدير الباحث المغربي، تأخر إعلان القاعدة مسؤوليتها عن عمليتي الاختطاف اللتين جرتا في 26 نونبر بالنسبة إلى الفرنسي و29 من الشهر ذاته بالنسبة إلى الإسبان الثلاثة، فهي انتظرت إلى أن حصلت على المختطفين لتتبنى العمليتين. ولا يتفق الباحث المغربي مع الذين يقولون إن هدف القاعدة من هذه العمليات هو الحصول على فدية، بل يرى أن هدف التنظيم هو تحقيق مكاسب سياسية، وإعلامية بالخصوص. فالتنظيم كان دائما يتحرك على واجهتين: أولا: واجهة ما يصفه منظروه ب"محاربة أنظمة الطاغوت"، وثانيا الواجهة الإعلامية. ويشدد ضريف على أن القاعدة ليست في حاجة إلى الفديات لتعزيز مواردها المالية، بل هي التي أصبحت ترصد المبالغ المالية المهمة لتلك التنظيمات المحلية. وكشفت صحيفة "الخبر" الجزائرية أمس عن معلومات تؤكد دخول الحكومة الإسبانية، منذ ثلاثة أيام، في ''مفاوضات سرية'' مع الخاطفين حفاظا على حياة الرهائن، وقالت إن التنظيم سيطالب إما بفدية مالية أو إطلاق معتقلين إسلاميين في فرنسا وإسبانيا أو المطلبين معا. وأوضح ضريف أن الخطورة الحقيقية تكمن في كون التنظيمات التي تعتمد عليها القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي غالبا ما تكون لها ارتباطات بالحركات الانفصالية التي تنشط في المنطقة، مثل حركة الطوارق في مالي وجبهة البوليساريو، ولا يستبعد أن يتورط بعض المؤيدين للبوليساريو في هذه العمليات. يذكر أن تقريرا صادرا عن المركز الأوروبي للاستخبارات الاستراتيجية والأمن، أشار إلى حصول تقارب بين بعض عناصر البوليساريو وجماعات إسلامية إرهابية. وقال إن "انتشار الإيديولوجيا السلفية بالمنطقة، المتمثلة في منظمة "لقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، والاستنزاف الناتج عن 30 سنة من صراع عبثي، سهلا اقتراب الشريحة الأكثر شبابا بالبوليساريو من الحركات الراديكالية". بل إن المركز الأوروبي للاستخبارات الاستراتيجية والأمن أشار إلى أن البوليساريو أصبح أحد "خزانات التجنيد الرئيسية" للتنظيم القاعدة، مؤكدا أن "غياب التعبئة وتأثر شريحة من البوليساريو بالفكر السلفي يصبان، في الواقع، في مصلحة منظمة من مثل القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، التي لديها حاجة ماسة إلى تجنيد مقاتلين جدد". ويعزو التقرير علاقة التكامل بين البوليساريو والقاعدة إلى حاجة هذه الأخيرة إلى "امتدادات محلية، وحاجة هذه الحركة الانفصالية إلى الاستفادة من الدعم المالي والزخم الإيديولوجي، الذي تقدمه الجماعات الإسلامية المتطرفة، مما يسمح لها بإعادة تعبئة قواعدها". ويأتي التحرك الجديد للقاعدة بعد أشهر قليلة من الإعلان عن تشكيل قوة مشتركة قوامها 20 ألف رجل من الجزائر وموريتانيا ومالي والنيجر وحتى ليبيا للقيام بعمليات عسكرية ضد القاعدة في منطقة الساحل. وقد استبعد المغرب من هذه المبادرة لأنه، حسب ضريف، يفضل التعاون الاستخباري في الحرب ضد القاعدة على التدخل العسكري المباشر. ويرى محمد ضريف أن الاختيار المغربي هو الصحيح لأن المواجهة العسكرية المباشرة غير مجدية في نظره، ضد التنظيم الذي ينهج استراتيجية حرب العصابات، وله قدرة كبيرة على التحرك واختيار مكان وزمن تنفيذ عملياته.