ما أنا متأكد منه أن بعض لبنات محيط القصر لم تنه معركتها بعد مع القوى الإصلاحية، فما إن ينتهي عندها فصل من الصراع بالفشل حتى تعد العدة لفصل جديد بأدوات جديدة وشخوص جديدة. لقد ظل فؤاد علي الهمة يتربص بحزب العدالة والتنمية منذ إعلانه تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة، وفي كل مرة ً يخرج منهزما. الآن وقد أعلن حزب الاستقلال الانسحاب من الحكومة في محاولة لإرباك حسابات حزب "البي جي دي"، وهو أمر يخدم أجندة الهمة ورجالاته، فإن شوطا آخر من لعبة الإجهاض القذرة قد يبدأ مع شروع العدالة والتنمية في مفاوضات لتشكيل أغلبية جديدة. ودون شك ستشكل هذه المفاوضات فرصة يحاول خلالها الهمة غزل بعض خيوطها، ولو عن بعد من خلال الضغط على حزبي التجمع الوطني للأحرار والاتحاد الدستوري - ومن باب أولى حزب الأصالة والمعاصرة- للمطالبة بوزارات لا يرغب "البي جي دي" في التخلي عنها، وهي التي شكلت جزء من الأزمة التي وقعت مع حليفه السابق حزب الاستقلال، في محاولة من جانب الهمة إما لإضعاف العدالة والتنمية الذي يراهن على هذه الوزارات لتنفيذ مشروع القطع مع اقتصاد الريع- وهنا الحديث يتركز بالأساس على الاتصال والنقل والمالية والخارجية بدرجة أقل، وإما دفعه إلى تبني خيار الذهاب إلى انتخابات مبكرة، فربما ظن الهمة أنها ستوجه بوصلتها هذه المرة بعيدا عن قلعة الإسلاميين. ولئن كان خيار المواجهة الأول - أي التحالفات الجديدة- مرهون بمدى قابلية الأحرار والدستوريين بالدخول في اللعبة، فإن الخيار الثاني - أي الانتخابات وهو ما ترغب فيه قاعدة واسعة من العدالة والتنمية- يجعل المشهد السياسي المغربي منفتحا على سيناريوهات سيكون أقواها حصد العدالة والتنمية لأصوات أكثر في مقابل انتكاسة لحزب الجرار، بينما يبقى سيناريو ارتفاع سقف مطالب الشارع محتمل الحدوث، في ظل أوضاع عربية وعالمية غير مستقرة سياسيا واقتصاديا، وحالة مصر ماثلة بوضوح، ناهيك عن الكلفة الكبيرة للانتخابات على خزينة الدولة وتعطيلها لمشاريع التنمية ومصالح الناس. لقد أظهر بن كيران أنه خصم عنيد لأركان الدولة العميقة، وأن أي محاولة لتقويض حركة المشروع الإصلاحي الذي يقوده لن تكون مهمة سهلة في مواجهة رجل تارة يستخدم لغة الوعيد "نيران الربيع العربي لم تنته"، وتارة يوظف رسائل الطمأنة " عفا الله عما سلف"؛ رجل يختار الصمت القاتل تارة كما فعل مع شباط، والانفجار تارة في وجه الخصوم كما يفعل مع بقايا الهمة.