"المستعمر يصنع الأعداء، ليصنع العبودية" تشومسكي منذ انهيار جدار برلين والاتحاد السوفياتي، وجدت أمريكا نفسها وحيدة في العالم، مجسدة السلطة المطلقة، كما أثبت تساقط الأعداء، نجاح إيديولوجيتها النيوليبرالية، ونهاية المنظومة الشيوعية إلى الأبد. أمام هذا النجاح غير المتوقع وأمام فرحتها العارمة، استمتعت أمريكا بنهاية الحرب الباردة، التي دامت أكثر من سبعين سنة، وهاهي الآن تتمتع بالهيمنة المطلقة على الكوكب اأرضي. الان بعدما أصبحت الوحيد في الكوكب أصبحت تبحث عن عدو جديد كبديل عن العدو الشيوعي الذي أقض مضجعها سنوات طوال. فالتاريخ انتهى بانتهاء الشيوعية ولعل هذا ما توقعه فوكوياما، واختصره هتنغتون في صراع الحضارات، ولم يبق إلا تعميم الديمقراطيات، وتصديرها بالقوة والعنف، اتخذ العدو صورة أخرى: شيوعية تتلبس لبوس الإسلام، وأصبح العدو الجديد هو "لينين اللابس للجلباب". لقد سخرت أمريكا كل أدواتها القديمة الجديدة للقضاء على الدول المارقة، والتي تعني حسبها، الدول التي لا تستجيب لسياساتها، فمن أدوات الاستشراق إلى الأنثربولوجيا... وهكذا نجد الأدوات نفسها تتواطؤ لتثبيت هيمنة الولاياتالمتحدةالأمريكية، ولعل عنوان مقال Assayg "هل الأنثربولوجيون كلهم جواسيس؟" لذو دلالة في هذا المجال، حيث يبين فيه، أن جل الأنثربولوجيين ارتبطوا بالإدرارات الاستعمارية، لينتجوا معرفة، تساهم في بسط الهيمنة. ومذكرات هيمفر الجاسوس البريطاني لم تخرج عن هذا الإطار. مذكرات السيد همفر، الجاسوس البريطاني بالشرق الأوسط: " بريطانيا العظمى هي دولة ضخمة. الشمس تشرق فوق بحارها وتغرب تحت بحارها. لا تزال دولتنا ضعيفة نسبيا داخل مستعمراتها الهندية–الصينية، والشرق الأوسط. هذه البلدان ليست كليا تحت سيطرتنا. مارسنا أثناء ذلك، سياسة نشيطة تُوّجت بنجاحات داخل هذه الأماكن. ينبغي علينا أن نكون متملكين كليا لهذه الأماكن مبكرا. شيئان مهمان: محاولة الحفاظ، والاحتفاظ بالأراضي المحصل عليها. محاولة تحصيل وتملك الأراضي التي ما زلنا لم نحصل عليها. وزارة المستعمرات أرسلت لجنة إلى كل مستعمرة لتنفيذ هتين المهمتين. بمجرد دخولي إلى وزارة المستعمرات، وضع الوزير ثقته فيّ، وعيّنني مديرا لشركة الهند الشرقية – ظاهريا يتعلق الأمر بشركة تجارية، ولكن مهمتها الحقيقية كانت هي البحث عن وسائل تسمح بمراقبة الأراضي الهندية الشاسعة. كانت الهند بلدا مهما حيث يوجد فيه الناس من مختلف القوميات، يتكلمون لغات مختلفة ولهم مصالح مختلفة، يتعايشون جماعيا. لم نكن خائفين، كذلك من الصين. الديانات المهيمنة بها كانت البوذية والكونفوشية، لا هذه ولا تلك كانتا تشكلان تهديدا. الإثنتان كانتا ديانتين ميتتين لا تؤسسان أي مصلحة للحياة – لهذا السبب – كان الناس الذين يعيشون بالبلدين عاجزين عن التوفر على مشاعر وطنية. هذان البلدان لم يشكلا لنا أي قلق. بينما الأحداث التي جرت لاحقا لم تكن بدون اعتبار من قبلنا، وبالتالي كنا قد هيأنا مخططات بعيدة المدى حتى ينتشر النزاع، الجهل، الفقر وشرور أخرى داخل هذه البلدان. قلدنا عادات وتقاليد هذه البلدان، حتى نُخفي نوايانا. ما أفقدنا هدوءنا كانت هي البلدان الإسلامية. كنا سابقا عقدنا اتفاقيات كانت كلها لصالحنا مع الإمبراطورية العثمانية. الأعضاء ذوو الخبرة بوزارة المستعمرات توقعوا اختفاء الإمبراطورية العثمانية في أقل من قرن، زيادة على كل ذلك، كنا قد عقدنا اتفاقيات سرية مع الحكومة الإيرانية ووضعنا داخل هذين البلدين رجال دولة جعلنا منهم ماسونيين أحرارا. بعض الفساد، الإدارة غير الكُفأة والتربية الدينية غير الملائمة دمرت أُسس هذين البلدين. رغم هذا كنا قلقين بأن لا تؤدي نشاطاتنا إلى النتائج المنتظرة وذلك للأسباب التالية: المسلمون هم مرتبطون كلية بالإسلام. كل فرد مسلم مأخوذا بمفرده يرتبط بالإسلام بقوة مثل فقيه أو قس مسيحي، إن لم يكن أكثر. إن الأكثر خطورة من بين هؤلاء الناس هم شيعة إيران- يقمعون الناس غير الشيعة ...المسيحيون هم كالوسخ حسبهم... كان الإسلام مباشرة دين إدارة وسلطة. وكان المسلمون محترمين. وكان صعبا القول لهؤلاء الناس المحترمين بأنهم الآن يمكن أن يكونوا عبيدا. لم يكن ممكنا أيضا تزوير التاريخ والقول لهم "الشرف والاحترام اللذان حصلتم عليه في الماضي، كانا ناجمين عن بعض الشروط كانت لصالحهم، هذه الأيام تُجووزت ولن ترجع أبدا". كنا قلقين جدا بأن يدرك العثمانيون والإيرانيون أعمالنا ويفشلونها. رغم أن هتين الدولتين كانتا قد ضعُفتا بشكل ضخم، فإننا لم نكن واثقين تماما لأنه كانت لديهما حكومة مركزية مع ملكيات، أسلحة وسلطة. فيما يتعلق بالعلماء المسلمين كنا قلقين جدا. فيما يتعلق بعلماء إسطمبول والأزهر، علماء العراق ودمشق، فكانوا يمثلون عوائق غير قابلة للتجاوز أمام مشاريعنا. لقد كانوا من نوع الأشخاص الذين لا يُناقضون أبدا مبادئهم لأنهم أداروا ظهورهم أمام المُتع ومظاهر العالم السفلي العابرة، وثبّتوا رؤيتهم على الجنة الموعودة في القرآن الكريم. تبعهم الناس حتى السلطان كان يخشاهم. لم يكن السنيون مرتبطين كثيرا بالعلماء كما هو شأن الشيعة. الشيعة لا يقرؤون الكتب، يعترفون فقط بالعلماء، ولا يُظهرون الاحترام الواجب للسلطان. السنة من جهة يقرؤون الكتب، ويحترمون العلماء والسلطان. كنا بالتالي قد أعددنا سلسلة من المحاضرات. كل مرة حاولنا، إلا وانتبهنا بأسى إلى أن هذه الطريق مغلقة... التقارير التي كانت لدينا من جواسيسنا كانت محبطة دائما. والمحاضرات لم تصل إلى شيء ، إلا أننا لم نفقد الأمل. الوزير نفسه، أعلى سلطة في النظام، وبعض المختصين قد حضروا في واحدة من محاضراتنا، كنا عشرين فردا. استغرقت محاضرتنا ثلاث ساعات، وانتهت دون إدراك أهدافها. مع ذلك صاح أحد الحاضرين " لا تقلقوا حتى يُحصل المسيح وأتباعه على سلطة كان ينبغي اضطهاد يدوم 300 سنة .. إنه مأمول... سيُسندنا ويمنحنا الحظ الجيد لإبعاد غير المؤمنين (كان يعني المسلمين) ومراكزهم، أن يكون حتى 300 سنة فيما بعد بقناعة قوية وصبر بعيد المدى. علينا أن نُسلم، حتى نُحصل على السلطة، علينا أن نتملك كل أنواع الإعلام، علينا أن نجرب كل المناهج الممكنة، علينا أن ننشر المسيحية بين المسلمين. سيكون جيدا بالنسبة لنا تحقيق أهدافنا". تم إلقاء المحاضرة، ديبلوماسيون ورجال دين جاؤا كذلك من روسيا، فرنسا، وانجلترا ليحضروا المحاضرة. كنت محظوظا جدا، أن كنت حاضرا لأن الوزير وأنا تناولنا كلاما جيدا. خلال المحاضرة، مشاريع تقسيم المسلمين إلى مجموعات وجعلهم يتخلون عن إيمانهم وتمسيحهم كما حدث في إسبانيا كان قد تُنوول ونوقش. مع ذلك النتيجة التي انتهينا إليها لم تكن هي ما ننتظره. من الصعب انتزاع هكذا فجأة، شجرة تجذرت في أعماق الأرض، ولكن يمكننا جعل الدلائل سهلة وعلينا تجاوز ذلك. المسيحية تنتشر، ربُّنا قد وعدنا بذلك. هذه الشروط المختلفة لم تعد موجودة، نلاحظ بمتعة الآن أن الوضعية قد تغيرت تماما كنتيجة عمل ضخم ومجهودات وزارتنا وحكومات أخرى مسيحية. المسلمون الآن في تقهقر. المسيحيون من جهة أخرى يستفيدون من السمو -هذا هو الوقت لاسترجاع المكانة التي فقدناها عبر قرون. دولة بريطانيا العظمى القوية هي طليعة هذه الكلمات المباركة في إضعاف الإسلام.