"مذكرات المستر همفر" هو كتاب ألّفه همفر الجاسوس البريطاني عن مهمته في العالم الإسلامي الموكلة إليه من قبل وزارة المستعمرات البريطانية في بداية القرن الثامن عشر الميلادي، ويروي فيها بالتفصيل كيفية دخوله الى عمق المجتمع ومعرفة مواطن القوة والضعف لتفتيت العالم الاسلامي. [ حيث يقول في الفصل الأول "لكن الذي كان يقلق بالنا هي البلاد الإسلامية ، فإنا وان كنا عقدنا مع الرجل المريض (الامبراطورية العثمانية) عدة من المعاهدات كلها كانت في صالحنا ؛ وكانت تقديرات خبراء وزارة المستعمرات أن الرجل يلفظ نفسه الأخير في أقل من قرن ، وكذلك كنا قد عقدنا مع حكومة الفرس - سراً - عدة معاهدات ، وكنا قد زرعنا الجواسيس والعملاء في هذين البلدين ، وكانت الرشوة ، وفساد الادارة ، وانشغال ملوكها بالنساء الحسناوات قد نخرت في جسم هذين البلدين إلا أنا لم نكن نثق بالنتائج وذلك لعدة أسباب." ومن الفصل الثاني نقرأ "أوفدتني وزارة المستعمرات عام 1710م إلى كل من مصر والعراق وطهران والحجاز والأستانة، لأجمع المعلومات الكافية التي تعزز سبل تمزيقنا للمسلمين، ونشر السيطرة على بلاد الإسلام ، وبُعث في نفس الوقت تسعة آخرين من خيرة الموظفين لدى الوزارة ممن تكتمل فيهم الحيوية والنشاط والتحمس لسيرطة الحكومة الى سائر الأجزاء للامبراطورية ، وسائر بلاد المسلمين ، وقد زودتنا الوزارة بالمال الكافي ، والمعلومات اللازمة ، والخرائط الممكنة ، وأسماء الحكام والعلماء ورؤساء القبائل." ويحكي في الفصل الخامس"في سفرتي إلى (العراق) وجدت ما يثلج الصدر ، فقد كانت الأوضاع العامة والخاصة تنذر بنهاية الحكم ، فالوالي من قبل الآستانة رجل مستبد جاهل يحكم بما يشاء وكأن الناس عبيد وإماء له ، والشعب بصورة عامة غير راض عنه ، أما أهل الشيعة فلأن الحكومة تضغط على حرياتهم ولا تعير لهم أهمية وأما أهل السنة فلأنهم يأنفون أن يحكمهم رجل تركي وفيهم الأشراف والسادة من آل الرسول الذين يرون انهم أحق بالحكم من الوالي التركي. والبلاد خراب يعيش الناس فيها في قذارة ووساخة وخرائب. والطرق غير مأمونة فعصابات اللصوص يترصدون القوافل فينقضوا عليهم اذا لم تكن معهم مفرزة من الشرطة ، ولذل فإن القوافل لا تتحرك الا بعد ان تصحبهم الحكومة بالشرطة المدججين بالسلاح. والجهل والأمية متفشية بصورة مدهشة فلا تكاد تجد قارئاً ولا كاتباً واحداً في كل ألف انسان. والاقتصاد منهار والنظام غير مستتب فالفوضى هي التي تسود كل شيء." وعن الهدف من بعثته يقول همفر في الفصل السادس "لقد كدت أخرج عن جلدي من شدة الفرح بهذا النبأ، ثم قلت للسكرتير : إذن فما هو العمل الآن؟ وبماذا أكلف الشيخ، ومن أين أبدء (قال) السكرتير لقد وضعت الوزارة خطة دقيقة لأن ينفذها الشيخ وهي : 1- تكفير كل المسلمين وإباحة قتلهم وسلب أموالهم وهتك أعراضهم وبيعهم في أسواق النخاسة ، وحلية جعلهم عبيداُ ونسائهم جواري.2- هدم الكعبة باسم أنها آثار وثنية إن أمكن ومنع الناس عن الحج وإغراء القبائل بسلب الحجاج وقتلهم. 3- السعي لخلع طاعة الخليفة، والإغراء لمحاربته وتجهيز الجيوش لذلك ، ومن اللازم أيضاً محاربة (أشراف الحجاز) بكل الوسائل الممكنة، والتقليل من نفوذهم. 4- هدم القباب والأضرحة والأماكن المقدسة عند المسلمين في مكة والمدينة وسائر البلاد التي يمكنه ذلك فيها باسم أنها وثنية وشرك والاستهانة بشخصية النبي (محمد) وخلفائه ورجال الإسلام بما يتيسر. 5- نشر الفوضى والإرهاب في البلاد حسب ما يمكنه ذلك. 6- نشر قرآن فيه التعديل الذي ثبت في الأحاديث من زيادة ونقيصة." "لقد وعدني (الشيخ) بتنفيذ كل الخطة السداسية إلا انه قال : انه لا يتمكن في الحال الحاضر إلا على الجهر ببعضها وهكذا كان، وقد استبعد الشيخ أن يقدر على (هدم الكعبة) عند الاستيلاء عليها ، كما لم يبح عند الناس بأنها وثنية وكذلك استبعد قدرته على صياغة قرآن جديد وكان اشد خوفه من السلطة في (مكة) وفي (الأستانة) وكان يقول : إذا أظهرنا هذين الأمرين لابد وان يجهز إلينا جيوشا لا قبل لنا بها ، وقبلت منه العذر لأن الأجواء لم تكن مهيئة كما قال الشيخ." ويقول شوقي الفنجري " وكان همفر يبحث عن زعيم عربى مسلم ليحقق أهدافه عن طريقه وتكون أهم صفاته الغرور والاستهتار بالناس والقيم والانفراد بالسلطة وقد وجد ضالته فى الزعيم النجدى الناشئ محمد بن عبدالوهاب مؤسس المذهب المسمى باسمه وهو الوهابية، فتقرب منه وأعلنوا المؤاخاة فى الدين وكان أول امتحان للصداقة أن أغراه بالجنس : بامرأة إنجليزية جميلة وطلب منه أن يصدر فتوى فأصدر الفتوى، وفى الحال اختارت له وزارة المستعمرات امرأة من المجندات لخدمة الامبراطورية واشترط أن يكون الزواج سرا لايعلم به أحد وقد سماها « صفية » وقد استمتع بها أسبوعا حسب عقد الزواج ولكن لأنها خبيرة بالجنس ومدربة فقد أعجب بها واحتفظ بها حتى بعد زواجه بأربع بدويات. وكانت مكلفة من همفر ووزارة المستعمرات بالسيطرة عليه وتوجيهه ونقل كل أخباره وأفكاره والإيحاء له بما يريدون". وأضاف الفنجري "وقد بدأت الفتنة بأن أعلن أن جميع المسلمين أصبحوا كفارا ومرتدين عن الإسلام وأن عليه قتالهم كما يجاهد المشركين وأخذ يغير بجيشه على القبائل المحيطة به فى نجد والحجاز ويقتل الرجال ويستحى النساء ويغتنم الأموال وكانت حجته فى ذلك كما يقول مؤرخو الوهابية أنه قد فشا فيهم الشرك وكثر الاعتقاد فى زيارة قبر الرسول والتبرك بها . وربما كان فى هذا بعض الحقائق من انحرافات واخطاء بسبب الجهل ولكن علاجها لايكون بالتكفير والحرابة بل بالهداية والإرشاد كما فعل رسول الإسلام، وقد حرف ابن عبدالوهاب مفهوم الجهاد فى سبيل الله ونشر الهداية والإصلاح بين المسلمين إلى اعتبار أن المسلمين قد كفروا ويستحقون القتل واعتبر أن مذهبه كأنه دين جديد وانه رسول جديد بعثه الله الى الامة بعد الرسول محمد وان اسمه محمد وإذا أراد أى مسلم أن يدخل فى ملته والمذهب الوهابى فإنه يشترط عليه « أن يشهد على نفسه أنه كان كافرا ويجب عليه أن يشهد بالشهادتين من جديد ويشهد على والديه أنهما ماتا كافرين ثم يشهد على فلان وفلان ويحدد له جماعة من أكابر علماء الدين السابقين أنهم كانوا كفارا فإن شهدوا قبلهم وإلا أمر بقتلهم وكان يكفر كل من لايتبعه وإن كان من العلماء الأتقياء ويسميهم كبار المشركين وأئمة الكفر وحتى لاتكون لأحد عليه حجة أو دليل فقد قام بإحراق كتب السلف الصالحين وعلماء الفقه والشريعة فى الحجاز وفى نجد وذلك حتى لايبقى هناك فكر أو علم غير الوهابية". واشار إلى أن "من فتاوى الوهابية أن الإسلام ضد الديمقراطية ويؤيد حكم الفرد وأن البنوك حرام وأموالها ربا وأن السياحة حرام ودم السائح حلال وأن الحضارة الغربية حرام وجميع إنجازاتها والاختراعات الحديثة حرام فالتليفزيون والسينما حرام والتمثيل والمسرح حرام. وجميع الفنون الجميلة كالموسيقى والغناء والرسم والتصوير والتماثيل حرام وللأسف الشديد منذ ظهور البترول فى البلاد أصبحت الصدقات والزكاة وهى أموال بالبلايين تؤول إلى الوهابيين بأمل أن يوجهوها إلى المشروعات الخيرية فى العالم الإسلامى كبناء المدارس والجامعات ودور الإيواء وإنقاذ فقراء المسلمين فى أنحاء العالم ولكنهم بدلا من ذلك حولوها إلى الدعاية للوهابية فطبعوا فتاواهم وأفكارهم المتخلفة فى كتيبات صغيرة وفى شرائط صوتية توزع بالمجان فى أنحاء العالم وفى الجاليات الإسلامية فى أوروبا وأمريكا وهى كلها أفكار من السذاجة والبدائية بحيث تجعل دول أوروبا يسخرون من دين الإسلام وحتى من رسول الإسلام، وما الرسوم الساخرة التى ظهرت فى الجرائد الأوروبية إلا نتيجة لهذا الفكر الوهابى".