كثير من المغاربة عندما يريدون التعبير عن ازدراء شخص ما، والتقليل من شأنه، يشبّهونه ب"حليب الحمارة اللي ما يضرّ ما يْداوي". اليوم، وبفضل الأبحاث العلمية التي أجريت على حليب الأثان، ظهر جليّا أنّ هذا الحليب له من الفوائد ما لا يخطر على بال، وأنّ مَثل "ما يضر ما يداوي" غير صحيح بالمرّة. يوم أمس في ندوة حول خصائص "حليب الحمارة" في مهرجان زرهون بني عمار، الذي يحتفي كل سنة بالحمار، قدّمت الأخصائية في التغذية عفاف ميكو، آخر ما توصّلت إليه البحوث العلمية بخصوص منافع حليب الأثان. فإذا كان "حليب الحمارة" مزدَردا في الثقافة الشعبية المغربية، فإنّه، بالإضافة إلى خصائصه الغذائية، يعتبر الأغلى على الصعيد العالمي، إذ يصل ثمن اللتر الواحد منه إلى 40 يورو، (ما يزيد على 400 درهم مغربي)، أمّا الجبن المستخرج من هذا الحليب، فإنّ ثمن الكيلوغرام الواحد منه ثمن خيالي لا يصدّقه العقل، إذ يصل إلى 1000 يورو، أي أكثر من مليون سنتيم. تقول الأخصائية في التغذية بالمركز الاستشفائي الحسن الثاني، عفاف ميكو، إنّ "حليب الحمارة" يتطلب الحصول عليه مجهودا مُضنيا، إذا يتطلّب ذلك القيام بحلْب الحمارة 6 مرات في اليوم، وبشكل يدوي وليس بطريقة اصطناعية كما هو الحال بالنسبة للأبقار. أكثر من ذلك، وبعد "شرط" الحلْب باليد، "تشترط "الحمارة" شرطا آخر حتى تسمح بإدرار حليبها، وهوَ أن يكون صغيرها بجانبها، علما أنّ الحمارة بعد توفّر كل هذه الشروط لا تنتج سوى كمية قلبلة جدا من الحليب، إذْ لا تنتج أكثر من لترين في اليوم، على عكس البقرة التي قد تنتج 30 لترا في اليوم الواحد. بعد عمليّة الحلْب، يتطلب حليب الأثان ظروفا خاصّة لحفْظه، فبسبب تأكسُده بسرعة، فإنّ عمليّة نقله وتسويقه يتطلب تجميده، وهو ما يتطلب استثمارات مالية كبيرة، ممّا يجعل عملية الإنتاج لا تتجاوز كميات ضئيلة من الحليب. ما قد يستغرب له البعض، هو أن "حليب الحمارة"، حسب الدراسة التي قدمتها الأخصائية في التغذية عفاف ميكو، هو أنّه يشبه إلى حدّ كبير حليب المرأة، حيث أثبتت البحوث العلمية أن الإنسان والحمار يملكان جهازا مَعويا واحدا، على عكس الحيوانات المجترة التي تملك جهازا هضميا مزدوجا، وهو الأمر الذي يردّ العناصر الأساسية المكوّنة للحليب من دون أكسدتها. "حليب الحمارة" وحليب المرأة يشتبهان أيضا في خصائصهما الغذائية، إذ يتوفّران على نفس النسبة من البروتينات والسكريات، كما أنّ هذا الحليب غنيّ بالفيتامينات والمعادن والكالسيوم A, A1, B2, B6, D, EC... والمغنزيوم والفوسفور والزنك والحديد والصوديوم، والحوامض الدهنية غير المشبّعة. من ناحية التغذية، تقول الأخصّائية عفاف ميكو إنّ "حليب الحمارة" خفيف على المعدة لكونه خال من مادة الكازيين القابلة للتخثر، كما أنّ نسبة المواد الدهنية فيه قليلة جدا، لذلك يعتبر مناسبا للأطفال الذين يعانون من حساسية إزاء بروتين حليب الأبقار، حيث يعتبر حليب الحمارة خاليا من هذا البروتين، وهي نفس الخاصيّة التي يتميّز بها حليب الأم. وأضافت الدكتورة ميكو أنّ بعض المراكز الاستشفائية في ألمانيا وفي إيطاليا تعتمد "حليب الحمارة" لتغذية الرضّع. في هذا الصدد، وجوابا على سؤال بخصوص ما إن كان ممكنا تعويض حليب الأم بحليب الحمارة، أجابت الأخصائية الغذائية أنّ حليب الأمّ لا يمكن تعويضه بأيّ نوع من الحليب، وأنّ المراكز الصحية الألمانية والإيطالية تقدمه للأطفال الصغار اليتامي أو الذين لا تستطيع أمهاتهم إرضاعهم. من خصائص حليب الأثان، حسب الدراسة التي قدمتها الأخصائية عفاف بيكو، أنه يؤثر في مختلف أنظمة الجسم فيقوي المناعة ويسهّل الهضم، كما أنّ خمائره تجدد البيئة المَعوية وتحدّ من البكتيريا المسببة للأمراض في الأمعاء، كما أنّه يساعد على التخلص من الحموضة في المعدة ويزوّد الكبد بمادّة السيستين، والتي تعمل على إزالة الشوائب منه. خصائص "حليب الحمارة" تمتدّ أيضا إلى مجال علاج الأمراض الجلدية والتجميل، إذ أنه يُستخدم لعلاج الجلد المصاب بالأكزيما وحَبّ الشباب التقشر، لكونه ذو مفعول مطهّر، كما أنه يؤثر على البشرة بشكل إيجابي، وذلك، حسب الدراسة التي قدمتها الأخصائية عفاف بيكو، ناجم عن تحسين تأثيره على الجهاز الهضمي والكبد، وهما جهازان إن أصابهما خلل انعكس مباشرة على البشرة، لذا يعتبر "حليب الحمارة" مساعدا في محاربة حالات حساسية الجلد والكثير من أمراضه، ويوصف في حالة شيخوخة البشرة المبكّرة، من تجاعيد وجفاف بسبب تأثيره المضادّ للأكسدة، كما أنه منشط ومقوّ بالنسبة للأطفال والكبار في فترات النقاهة والمسنين، وأيضا الأشخاص الذين يعانون من تعب شديد. وللذين يهتمّون بالرشاقة، فقد اكتشف باحثون إيطاليون، حسب دراسة الأخصائية عفاف ميكو دائما، أن في "حليب الأثان" فائدة كبيرة، إذ إنه يساعد في الحفاظ على الرشاقة، والطاقة وصحّة القلب، واستدلّت بمقال بصحيفة "ديلي ميل" البريطانية، التي أوردت أن باحثين إيطاليين وجدوا أن حليب الحمارة "يخلق المعجزات"، فيما يخصّ المساعدة على رشاقة محيط الخُصر، ويساعد المرء على التمتع بالرشاقة التي يطمح إليها، كما أنه يعتبر، بفضل غناه بزيوت الأوميغا 3 مفيدا جدا للقلب وللحفاظ على معدلات مرتفعة من الطاقة طوال اليوم. تمتُّع حليب الحمارة بكل هذه الخصائص جعل أسعاره ومشتقاته تصل إلى مستويات "خيالية". تتساءل الأخصائية عفاف ميكو: "هل تخيلتم يوما أن لا يكون الجُبن الأغلى في العالم مصنّعا من حليب الأبقار الهولندية المدللة التي اعتدنا أن نشاهدها في الاعلانات التلفزيونية وهي ترعى في المراعي الخضراء والتي تتم خدمتها برفاهية، وإنما مصدر أغلى أجبان العالم هو من حليب الحمار؟ !!". وتضيف مجيبة على سؤالها "نعم، هذا صحيح، فأغلى أنواع الجبن في العالم والذي يبلغ سعر الكيلوغرام الواحد منه ألف يورو (1255 دولار أمريكي)، مصنوع من حليب الحمارة، لكن ليس أي نوع من الحمير، فهذه الحمير تعيش في محمية خاصة في العاصمة الصربية بلغراد، والحليب الذي تنتجه ذو جودة عالية، يصل سعره إلى أربعين يورو للتر الواحد".