لو رأى الرئيس المصري، محمد مرسي، كابوسا في منامه لما كان أكثر رعبا وفزعا مما رآه في يقظته وهو يرى الجيش يوقف العمل بالدستور ويحول الرئيس المنتخب الى التقاعد القسري الرئيس الذي صوت له المصريون قبل سنة فقط، وأعطوه أصواتهم في ثلاث مناسبات على الاقل : الانتخابات الرئاسية، الانتخابات البرلماني ، ثم الاستفتاء على الدستور... هل كان يتصور أحد أن ينجح أي رئيس آخر غير مرسي في حل المشاكل الكبرى في البلاد في سنة واحدة؟ مصر اليوم غارقة إلى رأسها في مشاكل اقتصادية واجتماعية وأمنية، وتحتاج إلى سنوات لكي تتعافى، فما الذي جعل صبر المصريين قليلا؟ وما الذي دفع قيادة الجيش المصري إلى التدخل إلى جانب المعارضة، والانقلاب على الشرعية وإخراج مصر من نادي دول الربيع العربي الى دولة تحكمها أحذية الجيش. ما يجري في مصر لا يبقى داخل حدودها. هذه قاعدة مجربة منذ أيام عبد الناصر إلى الآن. القاهرة مركز تأثير كبير في العالم العربي، ولهذا فإن «مشروع» إسقاط حكم الإخوان المسلمين هناك سيعمم على باقي بلدان الربيع العربي التي وصل فيها الإسلاميون إلى الحكم على «ظهر» الشباب الذي خرج يطلب الكرامة والحرية من حكام الاستبداد العربي. من هنا لا بد من التدقيق في ما يجري وقراءته قراءة صحيحة ودقيقة... أن تكون للمعارضة مشاريع لإسقاط الحكومة والرئيس، هذا من صلب عملها، وهو أمر مشروع في أعراف الديمقراطية، خاصة عندما يحكم رئيس أكبر بلد عربي بلا خبرة ولا تجربة. أن ينزل المواطنون إلى الشارع احتجاجا على مشاكل اليومي التي لم تحل إلى الآن، هذا حق مشروع، خاصة في ظل أجواء انتفاضات الشارع. أن يتدخل الجيش، الذي حكم مصر منذ 1952، ويعلق العمل بالدستور وفرض أجندة طريق من اول بنودها اعتقال 300 عنصرا من الاخوان المسلمين. والحكم بالليل على هشام قنديل رئيس الحكومة المنقلب عليها بسنة سجنا نافذة دون مرافعات ولا مداولات ولا محاكمة. وإقفال القنوات التلفزية المزعجة ، هذا اسمه انقلاب على الشرعية الديمقراطية وعلى نتائج صناديق الاقتراع. إن هذا الانحياز إلى المعارضة ضد الحكومة، وصب للزيت فوق النار، ودفع حالة الاستقطاب إلى حدودها القصوى. يهدد بإغراق البلاد في حرب أهلية مدمرة .. أن يرتكب مرسي وجماعته أخطاء كبيرة أو صغيرة في إدارة البلاد شيء، وأن تستعين المعارضة بالجيش لإسقاط نتائج الاقتراع شيء آخر، ثم هل يتصور أحد أن الإخوان المسلمين وحلفاءهم سيجمعون حقائبهم بسهولة ويخرجون من السلطة لأن قائدا للجيش أعطى أوامره للرئيس بالاستقالة... إنها خطة لدفع مصر إلى الحرب الأهلية، وإغراقها في مستنقع لا مخرج منه، وللأسف، الثوار الشباب لم يفطنوا إلى هذه الخدعة، التي حبكت بطرق جهنمية ستدرس غذا في اكبر معامل طبخ الانقلابات الناعمة. مرحلة ما بعد سقوط الاستبداد العربي، مرحلة دقيقة وخطيرة وحساسة وتحتاج إلى توافق كل الفرقاء للعبور إلى الاستقرار وإلى إرساء نظام ديمقراطي في بيئة قاحلة، لكن بالقطع حل مشاكل مصر، كما غيرها من البلدان العربية، لا يوجد في ثكنات الجيش ولا تحت قبعة الفلول ولا في غرفة عمليات إمارات النفط المعادية بطبيعتها لأي تحول ديمقراطي في المنطقة. النفاق الغربي كان توضح من الشمس في نهار صيف حارق. فرنسا قالت انها أخذت علما بما جرى وأنها تدعوا الى انتخابات في اقرب الأجل بما معنى ان الصفحة الطويت والعداد رجع الى الصفر. بريطانيا قالت هي الاخرى انها منزعجة مما وقع أما امريكا فإنها قالت انها تنوي تعليق المساعدات المالية والعسكرية لمصر. لكن ولا واحدة من القوى الكبرى قالت انها تدعوا الجيش للتراجع عن الانقلاب وإرجاع الرئيس المنتخب الى مكانه.