ركز المشاركون في الندوة الدولية، التي احتضنها أخيرا المعهد الألماني "غوته" ببرلين حول موضوع "فضاء التحولات"، على مسائل حقوق الإنسان، والعملية الديمقراطية والفضاء العمومي، وهي الندوة التي تندرج في سياق مشروع يرمي إلى دعم التحول الديمقراطي في العالم العربي وشمال إفريقيا. وتطرق الدكتور محمد عبد السلام الأشهب في الندوة، التي تدعمها وزارة الخارجية الألمانية، ويستفيد منه باحثون من العالم العربي وألمانيا في إطار التعاون بين الباحثين الشباب من كلا الجانبين، إلى موضوع "المجتمع المدني كفضاء ضد الدولة"، إذ عرف دور المجتمع المدني بوصفه أساسا للفضاء العمومي، مبرزا أهميته في العملية الديمقراطية بالمغرب خاصة منذ فترة الثمانينات إلى اليوم. وانصبت مساهمة الأشهب على تحليل مفهوم الفضاء العمومي بالمعنى الفلسفي، كما طوره الفيلسوف الألماني "هابرماس" في فلسفته السياسية، مبينا الأهمية المنهجية للمفهوم في الفضاء العمومي المغربي. وقدم محمد الهاشمي، الباحث بكلية الحقوق بأكادير، ورقة عن دور المجتمع المدني في المؤسسات الدستورية الجديدة، أكد فيها بأن دستور 2011 قد عزز من حيث المبدأ مكانة المجتمع المدني في عملية تدبير الشأن العام من خلال مدخلين، أولهما يتجلى في مأسسة العلاقة بين الجمعيات و المؤسسات الرسمية، في حين يتجلى المدخل الثاني في توسيع نوعي لهامش الديمقراطية التشاركية من خلال إقرار الحق في تقديم العرائض والملتمسات التشريعية. وحذر الهاشمي في الوقت ذاته من احتمال تقزيم هذه المكتسبات على مستوى النصوص القانونية التي ينتظر أن يسفر عنها الحوار الجاري حول المجتمع المدني الذي اعتبره ذا طابع متناقض، فهو من جهة يشكل فرصة حقيقية لتعزيز دمقرطة العلاقة بين الدولة والمجتمع، غير أنه ينطوي على مخاطر حقيقية للسعي لاحتواء المجتمع المدني من خلال نفس الترسانة القانونية التي يفترض أن الدستور سنها لأجل تعزيز دوره. واستنادا على بعض التجارب المقارنة في مجال تدبير الاستشارات العمومية، لاحظ الهاشمي أن الحوار في شكله الحالي يطرح ثلاثة تساؤلات، يتعلق أولها بمسألة شرعيته والتي تتحدد من خلال عدد ونوعية المشاركين فيه، حيث إن هذه المبادرة فشلت في إدماج جزء هام من الفاعلين الجمعويين الذين فضلوا الانتظام في إطار حوار موازي. أما التساؤل الثاني، وفق المحاضر، فيتعلق بمدى عدالة العلاقة بين طرفي الحوار، والتي ستحدد حتما نتيجته، أما التساؤل الثالث والأخير فيتعلق بمدى فعالية هذا الحوار والتي تتحدد من خلال قياس قدرة مخرجات الحوار على التأثير فعليا وعمليا في عملية تدبير الشأن العام. وشارك في الندوة باحثون من تونس، ومصر والولايات المتحدةالأمريكية وألمانيا وفلسطين، وتناولت قضايا الدين والإعلام في الفضاء العمومي، والهوية، والفضاء الخاص، الإكولوجيا والإسلام، تحول الفضاء العمومي بالمدن، المواطن والمشاركة: التحول السوسيو ثقافي والالتزام السياسي، دور العلوم الإنسانية في فهم التحولات الجارية حاليا وأهميتها في المستقبل، والفضاء العمومي العابر للحدود الوطنية و دوره في التحول الديمقراطي في زمن تطور الوسائل التكنولوجية الحديثة. وأكد الباحث التونسي المقيم بألمانيا "سرحان الذويب" على أن الخطاب في العالم العربي يحضر فيه السياسي على حساب الفكر النقدي الذي تؤسس له العلوم الإنسانية، متابعا بأن هذه العلوم لازال حضورها لم يرق بعد إلى مستوى نظيرتها في البلدان الغربية. الباحثة الألمانية "أنيسة مولر" ركزت على أهمية الفضاء العمومي، بوصفه فضاء للتحرر من الهيمنة السلطوية، مبرزة أهمية الفضاء العمومي في علاقته بمفهوم "علاقات السلطة"، فالصراع على التحكم في الفضاءات العمومية لا ينفصل في نظرها عن الصراع من أجل التحكم في السلطة ومصادرها. أما بالنسبة للباحث المصري "هاني مورسي" فخلص إلى أهمية وسائل الاتصال الجدية في دعم الثورة المصرية، مبينا أيضا استمرارية هذه الوظيفة في مرحلة ما بعد مبارك. وفي سياق أهمية الفضاء العموم العابر للحدود الوطنية أكد الباحث التونسي "مونجي سرباجي" على كيفية تشكل هذا الفضاء ودوره في العملية الديمقراطية في زمن المجتمع المفتوح.