"لايوجد حل عسكري في سوريا ، وسوريا ليست ليبيا.."، كان هذا تصريح وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الذي أدلى به في الأسبوع الفارط أثناء زيارته للكويت واجتماعه بأميرها ، التصريج الذي صدم الكثيرين في العالم العربي كان واضحا ولا يشوبه لبس. ثم جاءت بعده التصريحات الفرنسية مع بداية هذا الأسبوع تؤكد أن فرنسا لن تقدم دعما عسكريا للمعارضة حتى تتأكد من أن الأسلحة لن تصل إلى أيدي المتطرفين، وقد تكتقي بتسليم بعد المعدات الواقية والاستخباراتية. على رأس قائمة المصدومين طبعا نجد دول الخليح إلى جانب مجموعة أصدفاء سوريا بما فيهم الجامعة العربية، كما كان تصريح كيري مُحبطا لمشايخ الوهابية وفقهاء فتاوي التحريض من سُنّة وغيرهم، هؤلاء بنوا آمالا وأوهاما على احتمال أن تذهب واشنطن وحلفائها الأوروبيين في الدفاع عن الثورة السورية والانتصار لها وتوجيه ضربات عسكرية لنظام بشار الأسد على غرار ما فعلته في ليبيا من أجل تغليب كفة المعارضة السورية والجيش السوري "الحر" وتمكينهم من بلوغ هدف إسقاط نظام الأسد. فات هؤلاء، دولا ومشايخ أن يستقرئوا جيدا العقل الأمريكي والسياسة الأمريكية، كما تعدّرعليهم أن يفهموا المبادئ والثوابت التي تحكمها وتنبني عليها، هؤلاء فاتهم أثناء انغماسهم في تجييش الرأي العام العربي والاسلامي عبر فتاويهم فهم المنطق الأمريكي والغربي في التعامل مع العالم، ولم ينتبهوا في غمرة انتشائهم بالنصر وبما اعتقدوه ذكاء وبراغماتية في تعاملهم مع الغرب في انتظار استكمال حلم الخلافة، أن السياسة الأمريكية ووراءها الأوروبية تحكمها ثوابت لم يحدث أن تغيرت منذ عقود، ومن أبرزها تغليب مصالح الولاياتالمتحدة الاستراتيجية، ومصالح حلفائها في الغرب، إلى جانب مصالح حليفتها الأولى في المنطقة وهي اسرائيل، وهذه الأخيرة تعتبرها الولاياتالمتحدة جزأ من أمنها القومي وتلتزم قبل كل شيئ بتسليحها بأحدث أنواع الأسلحة والحفاظ على تفوقها في كافة المجالات على كل جاراتها العربيات وغير العربيات. قد يسأل البعض عن علاقة تصريح جون كيري باسرائيل ، والجواب في اعتقادي يتلخص من جانب في اختلاف الوضع في سوريا عن ذلك الذي سمح بالتدخل في ليبيا بداية بحدود سوريا مع إسرائيل، ومن جانب آخرخطورة تأثرالدولة العبرية بالتطورات المُحتملة لأي تدخل عسكري مباشر. الذي نسيه حلفاء الثورة السورية ومشايخ الفتاوي التحريضية في غمرة نشوتهم، أن الولاياتالمتحدة مهووسة بأمن الكيان الصهيوني، وأنها لن تخاطر بتعريض حليفتها الرئيسية في المنطفة لخطر تعويض نظام الأسد بنظام أكثر عداوة للدولة العبرية أوالمغامرة بتعريض حليفتها لتطورات غير مضمونة النتائج. احتمالات سقوط نظام الأسد وتعويضه بنظام أكثر عداوة لإسرائيل وأمريكا أصبح خطرا قائما ولم تعد تستبعده الولاياتالمتحدة وحليفها البريطاني، وهي احتمالات تُعززها مصادرها الاستخباراتية بما وصل إليه توزيع المجموعات المسلحة على الأرض السورية، وكيف باتت الجماعات الجهادية المتطرفة تهيمن على المقاومة المسلحة مقابل معارضة سياسية عاجزة عن إنهاء حالة الضعف والانقسام السائد في صفوفها. الواضح اليوم وبعد تصريحات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أن الغرب بقيادة الولاياتالمتحدة له ثوابته التي تقوم على مصالح استراتيجية وأمنية واقتصادية لامجال لتغييرها في المنظور القريب، وبعد فشل هيلاري كلينتون في توحيد المعارضة السورية وتقويتها يعود كيري للحسم باتجاه حل تفاوضي يُنهي الأزمة سلميا حتى لو بقي بشار الأسد على رأس السلطة ، أو استمرار الاقتتال والتدمير لسنوات طويلة بدون حسم الحرب لصالح أي طرف والعمل على هلاك المسلمين بالمسلمين والسوريين بالسوريين ليخرج من بينهم الاسرائيليين سالمين، وذلك على قياس " اللهمّ أهلك الظالمين بالظالمين وأخرجنا من بينهم سالمين" المفارقة أن مشايخ فتاوي "الجهاد" الذين برعوا في التحريض ودعم سياسات الدول العربية التي أخدت على عاتقها إسقاط نظام الأسد، كانوا أولى باستعمال حكمة ومغزى هذا القياس بدل الاستقواء بأمريكا، وكان أولى بهم استقصاء كل عناصر المعادلة الشرق أوسطية المعقدة والمُرتبطة أغلب تداعياتها وتطوراتها بإسرائيل وبأمن اسرائيل.